قصة قصيرة: أسياخ الحنين

 

كل شيء صار تلك الليلة يسكبني، أسياخا لحنين أرعن لأنثى متقدة منذ النشوء، طيفا صاديا للقلاق يهفوإلى دفئ أزلي، رحما لشجرة كستناء تاقت إلى إعصارالصبابة.
غرفتي زورق هارب من شراع الزمن، أنبت في ركنها القصي نجمة قطبية بلا أشفار، قطة بنفسجية عضها الاشتهاء،نارا لمعبد مجوسي ساوره الوهج، لأرتقبك حلما مرمريا صاعق الذرات.
الزغاريد،عبق منسدل لتواشيح الفرح تطل عبرها عيناك لتملأى بسعتهما حلمي، وتستحيلا عبرالرذاذ واحتان لهما إيحاء تخصيب صحاري. أنتظرك، في لحظة أحسست فيها أني ملكة نحل عاينت القطاف، تدخل، بجلبابك الأبيض المرخى العنان، تتقلص فرائصي خجلاـ فحالما قطفت التوت البري ذات صباح كنت على جوادك ترقبني– وإذ لمحتك اكتسحني عرق بارد نسبيا، وشرعت أعبث بجديلتي لأكن عبرهما ارتباكي، لكن نظراتك كان لهما من القوة مابعثك على إرسال عمتك الظهيرة ذاتها،المرأة المكتحلة تلك، بتنطعها كطاووس ظلت تتفرسني، وهي تخبرأمي أننا كأسرة سائس لايجدر بنا أن نتطلع إلى الأسیاد، کم هذت تلك المرأة غيرأنني لم أدرك عما تحدثت فقط كنت ألمح لسانها الخشن يتحرك كبقرة وهي تتمطق وترغي.
بعد يومين فقط، حضرت من جديد ومعها الهدايا لتخطب وتشترط أن يكون الزفاف بعد أسبوع لاغير –أدركت أنها ربما تعاني من قصور في التعبير – الفرحة باتت تلفني لأنني أيقنت إلى أي حد كان حبك ملحاحا.
لذلك تتملكني قشعريرة الصبابة وأنا ألمحك في حلة العرس، كنت أحدس أن وراء الباب سربا من النساء، عجفاوات بمقل متقدة أوبدينات بأرداف ثقيلة أوفتيات بأنامل مرتعشة ، ينتظرن بنهم بالغ أن يرين بقعا حمراء مشتعلة على صفحة الثوب الأبيض،آنذاك فقط بوسعك أن تزهو برجولتك كفحل وأهيم بعذريتي كزنبقة بكر.
أشعربنوع من الانقباض لست أدرك كنهه، بدوت لي بعنانك المنسدل أكثر امتلاء أوأقل طولا- لم أتبين بوضوح- لكن صيحة بحجم النكبة ندت عني حين أزحت الجلباب. . .كلا. . .لم تكن أنت، لست أنت من أذابت نظراتك صقيع وحدتي…. بل كان والدك بصلعه البادي ووجهه المحتقن كبطة…الآن فقط تبينت لماذا أذلتنا تلك المكتحلة المهذار في زيارتها الأولى لتبيعني سهوا إلى مسن زير نساء…
يهم بي ذلك المتصابي، عيناه لذئب عاین اكتمال القمر، لكنني أضم يدي إلى صدري في محاولة لصده،وإذ أفشل أشرع في الصياح، لكن ذلك المكتنزالمحبط لم يعتم أن أخذ قارورة كانت بجانبه، وإذ تأملني شزرا رشني بمحتواها،أحسست بوهج حاريلهب خدي،وإذ التفت إلى المرآة المنتصبة لم يكن لحم وجنتي موجودا، فقط هي العظام الصقيلة. تقززت كمن نظرإلى سحلية، ولكن وجهي كان يزداد بشاعة، فقط عيناي ظلتا في دعجهماالمذعور، أمسكت برقبة من رماني بماء النار لكنه كان يمتلك من الجرأة ماجعله يفتح الباب بغتة ويصيح. . . أنظروا إليها تتوسلني کي أستر عارها،هذه عاهرتكم المصون تلك التي أراقت شرفها هذرا. . . أقسم أني سوف أقتلها، لايكفي تشويه سحنتها. اندفعت فلول المتجمهرین بالباب، كانوا وطاويط متعطشة للدم الآدمي، هرولت العمة المترهلة وهي تصيح كتيس هائج :”لايعجبك زين الطفلة حتى تشوف الفعايل،” تملكنی إحساس من اقتلع من أرضه قسرا حين رأيت أمي تلوح لي، في عينيها كانت ترتسم علائم نخلة طرحت قبل الأوان!!
الكريات البيضاء تكاد تنضب في دمي، أتخيل فارسی بجواده النافر، لكن الصورة سرعان ما تتبدد حين أتحسس خدودي الآفلة، وأتذكر العمة الحرباء والشيخ المتصابي، وأنا الثيب العذراء!
في ترملي العذري، أهيم قبرة مسنة خانها الجناحان، أفر وأنا ألتحف وشاحا أسود صادفته في الطريق ، تتوالى أضواء السيارات كعيون هررة ضالة، أوقف إحداها، صاحبها يسترق إلي النظر،لا يرى مني إلا المقلتين، إذ أجهد أن أخفي وجهي المقزز، حين وصل بي إلى مدينة لست أدرك ماهي، طلب مني إن كنت أرغب في المبيت معه، وإذ كشفت عن سحنتي المهترئة صاح كديك شركسي، ليطردني ويرخي العنان لفرامله مهرولا، تغرورق عيناي كدويبة جريحة، ألمح خزي الأقدار في حبات الهواء،أقرر أن أتدبر نفسي أبيع قرطي زواجي/جنازتي.
أبدا لاأدري لماذا أخشى الأماكن العالية، ربما لأني كخنفسة هوجاء اعتدت أن أحيا في الأقبية لأنها تلائم أقراني، لذلك حين طلب مني ذلك الرجل ذوالذقن الناعمة والذي يبدو عليه رضا بعض النساء الحوامل أن أزور معرضه بالطابق الثالث اعتذرت، وحتى حين اقترح علي استعمال المصعد أجفلت لأن ذلك الشيء يشبه تابوتا متحركا، ولأنني قررت أن لا أنظر إلى الأعلى حتى لاتنكسر رقبتي!
في ذلك الجحرالمتآكل كخم، أقطن كبعض جرذان المجاري، ألتحف السواد وحالما تتكاثف الكريات الليلكية ويعم الظلام أبیح لنفسي أن أزيل الخمارلأستنشق بعض حبات الهواء بلاوسيط.
ذلك الرجل ظل يتعقبني، أتذكرأنني حين كنت أكنس أرضية المطعم الذي أشتغل به ،سقط خماري على حين غرة، وإذ لم ينتبه أحد من الجالسين، ظل هو يتفرسني من غيرأن يبدوعليه ارتياع ولاتعجب، ومع ذلك ما فتئ يلح علي في الزيارة.
……..أنا المنسية، السليبة الآمال كنت أراه فنارا يلم شتاتي، لذلك يعشعش برأسي المنكود وهج الأحلام، أتسلل عبرأدراج السلالم إلى بيته، حفاوة بادية تكتنفه، يرجوني أن أزيل الخمار، أجفل من الفكرة، يزيله هو،يطلب مني الجلوس ينتصب أمامي بأوراق وألوان وفرشاة، يأخذ الخطوط العريضة للبورتريه ،أخاله معجبا بي،يدير وجهي على نحو معلوم أبقى في هذا الوضع ساعات متوالية، أرى سحنتي تتشكل جزءا فجزءا تضج بشاعتها الثاوية، تصعقني فظاعة شكلی،لكنه يظل محافظا على علائم إنسان معجب، ينتهي،يأتيني بوجبة غذاء، أحس عطفا بلون ما،لكنه حين حاول أن ينفحني نقدا تملكني شعورعنزة مجزوزة، انزلقت بسوادي الملفوف لأحتمي بجحري/ قبري.
ذوالمواهب ذاك لم يعد يذكرني فيما أحسب، وفي يوم ما تنبهت أن الزواركثر، ولاأدري كيف واتتني الجرأة على الصعود من جدید،…. المعرض كان مفتوحا، غاصا عن آخره، ولكن الكل متجه صوب لوحة بذاتها، وإذ اخترقت الصفوف بإيحاء غريزي لم أتبينه، ألفيت صورتي ذاتها تلك التي رسمها ذلك الرجل الملحاح،المزاد كان عاليا،الرسام كاد يخرج من جلده فرحا،أنا الملتحفة أرتعد وجلا،أسال أحد المعجبين بخماري المعتم، ماذا كتب
تحت هذه اللوحة ولمن هي؟ يشرع ذلك المأخوذ في الحديث…”المرأة الفظيعة تلك هي فلسطين وقد تمكن هذا الفنان بحذقه أن ينقل مأساتها عبرخطوط دقيقة وحساسة إلى امرأة شوهت لكن دعج عينيها ظل يحمل اتقاد النصر!
….لم أفهم عما يتحدث، كنت مذهولة كأنني أغفو، ولكني أزحت عني الوشاح، وأعلنت فظاعتي للحضور وصحت بحنق:”تلك الصورة لي…. لكن بعضهم يصنع النكبة…وبعضهم يتاجر بها!”، غيرأن الجمع انفض من حولي، بينما أغمي على بعض الحسناوات هلعا، لأن فظاعة الواقع كانت أكثر إيلاما من المحاكاة، وإذ رفعت ناظري إلى الصورة/أنا، اغرورقت عيناها دما حارا ماعتم أن انزلق شرایین قانية على وجنتيها المكدودتين !


الكاتب : د . بديعة لفضايلي

  

بتاريخ : 31/12/2021