قضاة، أمنيون وفاعلون صحيون يناقشون الأمن الدوائي في يوم دراسي من تنظيم رئاسة النيابة العامة

تطرقوا خلاله للأدوية المزيفة، التهريب، التسويق غير القانوني، الصناعة الدوائية والترسانة القانونية …

 

نظمت رئاسة النيابة العامة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية يوما دراسيا أمس الأربعاء حول «تعزيز الأمن الدوائي بالمغرب: التحديات والآفاق»، أكد خلاله الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، أن هذا الموضوع مرتبط بالأمن الاستراتيجي للبلاد، مشددا على أن تنظيم اللقاء ينسجم مع جهود النيابة العامة الرامية للانخراط في السياسيات العمومية للدولة في مجال الحفاظ على الأمن الصحي ببلادنا، وهو ما يتجلى من خلال عدة إجراءات آنية وتدابير وقائية تم اتخاذها للحد من تفشي وانتشار الوباء سواء برئاسة النيابة العامة أو بالمحاكم وذلك بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل وجمعية هيئات المحامين بالمغرب.
وأكد مولاي الحسن الداكي في كلمته، أن رئاسة النيابة العامة واكبت الوضعية المرتبطة بجائحة كورونا التي عاشتها بلادنا من خلال تفعيل المقتضيات الزجرية التي جاء بها المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وكذا التشريع المرتبط بالمجال الصحي عبر توجيه مجموعة من المناشير والدوريات لحث النيابات العامة على التطبيق الصارم للقانون والتصدي لبعض الظواهر المخالفة للقانون، والتي تمس بالأمن الصحي والدوائي للمواطن، كما هو الشأن بالنسبة لبيع وتوزيع وصرف الأدوية والمنتجات الصحية للعموم بطرق غير قانونية لما لذلك من خطورة على الصحة العامة. وأبرز المتحدث أنه تم إصدار دورية في هذا الصدد نصّت على دعوة الشرطة القضائية للتنسيق مع المصالح الجهوية لوزارة الصحة، وعند الاقتضاء مع المصالح المركزية ممثلة في مديرية الأدوية والصيدلة، بغية رصد جميع صور البيع والتوزيع غير القانوني للأدوية، وإطلاع النيابات العامة على نتائج ذلك ليتأتى لها اتخاد ما يلزم قانونا والعمل على تجهيز الملفات الرائجة أمام المحكمة للبت فيها داخل آجال معقولة، إضافة إلى تقديم ملتمسات رامية إلى مصادرة المواد والمنتجات المحجوزة، والسهر على إتلافها لما لها من تأثير خطير على الصحة العامة، وكذا التماس عقوبات زجرية تتناسب وخطورة الأفعال المرتكبة، مع تدعيم الملتمسات بما يبرر تطبيق العقوبات الإضافية وبما يثبت حالة العود فضلا عن الطعن في الأحكام القضائية التي تقضي بعقوبات غير متناسبة مع خطورة الأفعال أو لا تراعي حالة العود.
وشدد رئيس النيابة العامة على أن مفهوم الأمن الصحي أصبح يتصدر اليوم أولويات الحكومات الوطنية والمؤسسات الدولية، ليصبح العنصر الأهم ضمن منظومة الأمن الوطني والإنساني محليا وإقليميا وعالميا، وينبثق عن ذلك أيضا مفهوم الأمن الدوائي الذي لا يقل بحال من الأحوال عن الأمن الغذائي، مؤكدا أنه لا طعم للحياة دون صحة، هذه الأخيرة التي لا تتحقق إلا بتوافر عنصري الغذاء والدواء، وهو ما يقتضي، حسب الداكي، قدرة الدولة على تأمين كمية كافية من الأدوية الأساسية، التي يحتاج إليها المجتمع بجميع شرائحه، سواء في الأوقات العادية أو في أوقات الأزمات وبالأسعار العادلة وفي متناول الجميع، وكذلك توفير المواد الأولية للصناعة الدوائية المحلية وتشجيع ودعم تلك الصناعة بحيث تكون قادرة على المنافسة والتطوير والتوسع ضمن السوق الدوائي العالمي والإقليمي.
من جهته أكد وزير الصحة والحماية الاجتماعية في كلمة له بالمناسبة أن ظاهرة الغش التجاري واستفحال خطر بيع وتسويق الأدوية، والمنتجات الصحية المزيفة والمهربة ومجهولة المصدر التي من شأنها المساس بالصحة العامة، أصبحت تتخذ أبعادا معقدة ومركبة وتتداخل فيها مجموعة من المصالح، تنشط ضمنها العديد من الشبكات على المستوى الدولي والقاري. وشدد آيت الطالب على أن هذا الوضع يشكل خطرا حقيقيا على بلادنا، إذا لم يتم الحسم فيه، والقضاء نهائيا على مثل هاته الممارسات المخالفة لأخلاقيات المهنة، التي لا تكترث لصحة المواطنين عبر تسويق وبيع أدوية ومنتجات صحية مزيَّفة دون ترخيص من لدن السلطة الوصية الخاضعة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، موضحا بأنه لا يمكن حلّ هذه المعضلة، التي لها تداعياتها الصحية وقد تعصف بالاستقرار الاقتصادي وزعزعة الأمن الاجتماعي وتنامي الجريمة، إلا بتظافر الجهود واعتماد مقاربة استباقية وتشاورية والتنسيق مع كل الفرقاء والمتدخلين على المستوى الوطني.
وأكد وزير الصحة والحماية الاجتماعية أنه يتعين على بلادنا اعتماد خيارات مناسبة وفق سياسة دوائية وطنية متجانسة ومتكاملة، ترتكز على تطوير برامج وآليات جديدة لمكافحة ترويج مثل هاته الأدوية والمنتجات الصحية المزيفة، تستند إلى التشريعات والمساطر القانونية الآنية، مع إمكانية سن قوانين جديدة كفيلة بمعالجة واحتواء الظاهرة من أجل درء كل أشكال الخطر عن بلادنا. وشدّد آيت الطالب في نفس الوقت على أنه تم توفير ترسانة قانونية غنية ومتنوعة، تمكّن من تقنين وتأطير قطاع الأدوية والمنتجات الصحية بمختلف مراحله، انطلاقا من عمليات التصنيع والاستيراد والحيازة والتوزيع والصرف والتصدير بهدف توفير أدوية كافية عبر التحكم في المخزون الاحتياطي للحد من آفة انقطاع الأدوية.
وأوضح وزير الصحة أن التقديرات تشير إلى أن ما بين 50 و 80 في المئة من الأدوية عبر العالم تسوق وتباع عبر شبكة الإنترنيت، في غياب مطلق لأية مراقبة من لدن الجهات المختصة، ويتم الاعتماد في ذلك على الانفتاح التجاري والتبادل الحر، الافتقار للموارد البشرية، محدودية التعاون الدولي وعدم جدوى المتابعات القضائية والعقوبات، مشددا على أن المغرب يعتبر معنيا هو الآخر بهذا التهديد العالمي، مع أنه يصعب حاليا الوقوف على الأرقام الحقيقية التي تشكلها ظاهرة تزييف المنتجات الصحية ببلدنا. وأشار آيت الطالب إلى أنه بالنسبة للدواء، لم تسجل حالات مهمة لترويج الأدوية المزيفة، ولم تحجز أي كميات في هذا الإطار، أما الحالات المسجلة فتتمثل في التهريب الذي ينشط في بعض المدن الحدودية حيث تتمكن عناصر الجمارك والأمن الوطني من حجز كميات هامة من الأدوية المهربة.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 31/03/2022