قضايا من التاريخ الجهوي للجنوب المغربي خلال القرن 19 الحركة الحسنية الثانية ومخزنة دار إيليغ -25-

تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.

حسب المختار السوسي فإن نهاية سنة 1302هـ/1885 (محمد المختار السوسي، إليغ قديما وحديثا، م س، ص،284) قدشكلت البداية الرسمية لاحتواء دار إيليغ من طرف المخزن، لما مثل محمد بن الحسين أهاشم أمام الأعتاب الشريفة بمراكش. وبعد استقصاء السلطان لأخبار سوس والجنوب المغربي وأثناء عودته لمراكش نال محمد بن الحسين أهاشم ظهير تعينه بتاريخ 6 شوال 1303/8 يوليوز 1886 (يؤكد المختار السوسي على ان تاريخ 6 شوال 1303/8يوليوز1886 هو التاريخ الرسمي لوفاة الشيخ الحسين أهاشم وان ماوجد في كتب التاريخ منافيا له لايعتد بصحته. انظر الهامش 574 من كتاب إليغ قديما وحديثا ،ص،285.) وهو التاريخ الذي صادف وفاة أبيه الحسين بن هاشم. وقد حدد الظهير مناطق نفوذ الخليفة الجديد لدار إيليغ وهو مجال صعب الضبط والتحكم حيث يضم كل من قبائل تازروالت، وسملالة، ورسموكة، والمعدر، وأيت الرخا، وتانكرت. (محمد المختار السوسي، م.س،ص،285. انظر كذلك شروتر دانييل، تجار الصويرة ، م.س، ص:361.) ولا تسعفنا المضان وحتى الوثائق التي تأتى لنا قراءتها على تحديد الطريقة التي التقى بها الشيخ بالسلطان وهي نفس الملاحظة التي سبق للمختار السوسي أن أشار إليها، ويرجح هذا الأخير أن يكون اللقاء تم بوَساطة دحمان الواد نوني على اعتبار أن الرجل كان حليفا ومخلصا للسلطان.. ولعل مثول محمد بن الحسين أهاشم لدى السلطان كان من باب دفع الضرر الذي يمكن أن يلحقه به البعقليون بعد النصر الذي حققوه في «تارغنا»، بالإضافة إلى تأكيده عزيمته وإرادته في خدمة المخزن والإخلاص له وهي النقطة التي أشرنا إليها سابقا بكون هذا الأخير أصبح يمثل المخزن في الجنوب المغربي إن لم نقل كان يقوم بمهمة استخباراتية لصالح السلطان. وحسب المراسلات المخزنية فإن محمد بن الحسين أهاشم خالف أباه الذي لم يكن يرضى بالمثول أمام السلطان، حيث أكد في أكثر من مقام أنه خُلِق آمرا لا مأمورا، وهو ما تؤكده كثرة زياراته للحضرة الشريفة .
بعد فحص الوثائق التي أتيح لنا قراءتها يلاحظ أن الاحتواء الشامل لدار إيليغ تم قبيل الحركة الثانية، فقد أصبح الشيخ محمد بن الحسين أهاشم مخبرا للسلطان بكل ما يجري في منطقة واد نون بالخصوص، وهو ما يوحي به الخطاب المخزني الذي تتضمنه المراسلات السلطانية، بقول المولى الحسن الأول : « محبنا الأرضى سلام عليك ورحمة الله وبعد وصل كتابك بما نشأ من الفتن بين الخديم الدليمي والملتفين عليه قياما منكم بواجب ما رشحناك له من الإعلام بحوادث تلكم الأقطار والأجيال». (مراسلة من السلطان المولى الحسن الأول على محمد بن الحسين أهاشم ، بتاريخ 8 ذي الحجة 1301/9 أكتوبر1884.خزانة البوخاري بودميعة) كما أنه شكل الوسيط بين القواد الذين عينهم المخزن والسلطان كل الأخبار عنهم دون تقصير، لهذا بادر السلطان إلى التأكيد على هذه الوظيفة بقوله : « ولازلنا نحتم ونؤكد عليك في الإعلام والإشارة بكل ما يظهر لك ولا نقبل منك غدرا في التقصير فيهما …». ( نفس المراسلة السابقة)
انطلقت الحركة من مراكش في التاريخ الذي راسل فيه السلطان محمد بن الحسين أهاشم وهو 11 جمادى الثانية من عام 1303موافق لـ 19 مارس 1886، وقد أشار المؤرخ المغربي «شفيق أرفاك» إلى نفس التاريخ كما أشار إلى أن محمد بن الحسين الإليغي تلقى دعوة رسمية من السلطان ما بين 8 و16 جمادى الثانية من نفس السنة. (أٍرفاك شفيق، م س، ج2، ص : 391. انظر الهامشين 477 و478.) إلا أن التاريخ الرسمي الذي راسل فيه السلطان زعيم إيليغ كان هو 11 جمادى الثانية 1303موافق لـ 19 مارس 1886 وقد تمكنا من الحصول على وثيقة تثبت ما أشرنا إليه ونصها كالتالي : «خديمنا الأرضى المرابط السيد محمد بن الحسين أهاشم وفقك الله وسلام عليك ورحمته، وبعد فإنا بحول الملك العدل القوي، المعين القاهر القادر المتين، نهضنا يوم تاريخه من مراكش وقمنا فيما عودنا سبحانه من صنعه الجميل وأياديه المتتابعة بفضله لدى كل وجهة في ذات الله… قاصدين هاتيك النواحي السوسية والأصقاع الساحلية… لتجديد العهد بكم والنظر في أموركم، وذلك ما يجب لكم علينا من الحقوق وإصلاح شؤونكم، فنأمركم أن تستأهبوا كما يجب عليكم لملاقاة ركابنا السعيد في أحسن زي وأكمله مصحوبين بفقهائكم وشرفائكم ومرابطيكم وأعيانكم ومن هو من ذوي الفضل وأهله، والله سبحانه يحرز المقاصد ويبلغ المراد من هاتيك المراصد، فإنه جلت قدرته وعظمت منته نعم المولى ونعم النصير وهو على كل شيء قدير والسلام في 11 جمادى الثانية عام 1303هـ» (مراسلة من السلطان المولى الحسن الأول إلى شريف تازروالت محمد بن الحسين أهاشم، بتاريخ 11 جمادى الثانية 1303/ 19 مارس 1886.).


الكاتب : n ربيع رشيدي (*)

  

بتاريخ : 09/04/2024