قضايا من التاريخ الجهوي للجنوب المغربي خلال القرن 19 : 3 – وثائق البحث في التاريخ الجهوي لسوس

تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.

تتوزع وثائق البحث في التاريخ الجهوي لسوس بين ما يرتبط بوثائق المخزن وهي محفوظة في مديرية الوثائق الملكية ووثائق القصر الملكي بالرباط والوثائق الخاصة بالأرشيفات الأجنبية وبخاصة وثائق الأرشيف الديبلوماسي بنانط (CADN) ووثائق أرشيف ماوراء البحار بإيكْسْ أون بروفونس هذا بالإضافة إلى وثائق الأرشيف الألماني والبرتغالي والاسباني. ثم وثائق الأسر السوسية المحفوظة في الدُّور الكبرى التي لعبت دورا مهما في تحريك الأحداث بسوس وهي دار إيليغ ودار تمنارت ودار بيروك دون أن نغفل وثائق بعض العائلات الكبرى في سوس كالأسرة الحضيكية والأسرة الأدوزية والأسرة الافرانية والأسرة الإلغية والأسرة التمكديشتية والأسرة الجشتمية والأسرة التنكرتية … وسنحاول من خلال هذه الحلقات تقريب القارئ من أهمية وخصوصيات كل نوع من هذه الوثائق وتسليط الضوء على الاضافة النوعية التي يمكن أن تقدمها للباحثين من أجل كتابة تاريخ جهوي رصين.
وثائق المخزن : يمكن أن نميز ضمن هذه الوثائق بين وثائق المخزن المركزي ووثائق المخزن المحلي :
وثائق المخزن المركزي : تكتسي أهمية كبرى إذ تفصح عن العلاقة التي ربطت المركز بالهامش وتميط اللثام عن نوع العلاقة بين المخزن وسوس ويمكن القول أن هذه الوثائق بلغت ذروتها خلال فترة الحسن الأول وبخاصة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر الذي تزامن مع تنظيمه لحركتين سنتي 1882 و1886، والجذير بالذكر أن كلما ارتفع عدد هذه الوثائق إلا وارتفع عدد وثائق المخزن المحلي. تبرز هذه الوثائق موقف المخزن وسياسته تجاه المنطقة وعلى حد تعبير ميشيل نيكولا( (Michel Nicolas، فهي تقدم في غالب الأحيان مفاجآت ودقة في المعلومة. والملاحظ أن هذا النوع من الوثائق تبين إلى أي حد سعى المخزن على إثبات تواجده بالقطر السوسي من خلال عدة أشكال أهمها؛ تعيينه العمال والقواد و الباشاوات أو عن طريق إرسال ظهائر التوقير والاحترام للأسر والأعيان السوسية يكون مضمونها أن السلطان يطلب منهم بالمقابل إظهار الطاعة للدولة. ومن خلال فحص مظان هذه الوثائق يتضح أنه بقدر ما تتكرر أفعال الشغب في سوس من تمردات وعصيان إلا وكثرت هذه الوثائق ويمكن أن نسجل ملاحظة أساسية أن وثائق المخزن حول سوس بلغت ذروتها خلال فترتي حكم المولى إسماعيل و المولى الحسن.
تقدم هذه الوثائق معلومات نادرو وقيمة للغاية عن الأوضاع السياسية للمخزن في سوس، كما ترصد المد والجزر الذي طبع إخضاع سوس للمخزن والصعوبات التي واجهت المخزن في هذه المهمة والملاحظ من خلال هذه الوثائق أن المخزن كان يحكم بواسطة الرسالة والظهير أكثر من حكمه بواسطة القائد والجابي.
وثائق المخزن المحلي: عبارة عن مراسلات صادرة من الحاضرتين تارودانت وتزنيت، فيما بعد، حيث يصدر خليفة السلطان أوامره إلى قواد القبائل بجمع الضرائب أو الأعشار و الاستعداد للحركات المخزنية وبخاصة خلال فترة المولى الحسن. تبرز هذه الوثائق أن سوس كان متدبدبا بين الطاعة والعصيان فأحيان تبين الوثائق مدى الطاعة التي يكنها خليفة السلطان لهذا الأخير وأحيانا يتضح من خلالها خروج القطر السوسي عن مجال الطاعة والبيعة وهو ما دفع أبو العباس بن خالد الناصري إلى القول أن سوس” لم ينكحه المخزن لمدة ستين سنة ونيف” وهي نفس الشهادة التي وردت على لسان الحسن الأول من كون قبيلة إداوتنان لا تنالها الأحكام ولا يحصل لأهلها بها الغرض وهي عبارة متضمنة في وثيقة ملكية قيلت في معرض مراسلة السلطان لوزير الخارجية عبد الرحمان بركاش حيث نبهه فيها بأن يخبر أحد التجار الآتين من الصويرة إلى الجنوب عبر أكادير بضرورة أن يأخذ الحيطة والحذر من أهل إداوتنان.
تتنوع مصادر هذه الوثائق وفي مجملها يعود إلى ملكية الأسر السوسية وبخاصة الأسرة الإليغية، والأسرة الأدوزية التي تحتفظ بوثائق في غاية الأهمية، والاسرة الافرانية خاصة الوثائق الصادرة عن الحاج الحسين الافراني التجاني الذي لعب دورا كبيرا في تحريك أحداث سوس خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وخلال العشرية الأولى من القرن العشرين ومعظم هذه الوثائق محفوظة في أرشيف دار إيليغ الذي هو في حوزة الأستاذ بوخاري أبودميعة، وتكمن أهمية هذه الوثائق في كونها تؤرخ للعلاقة بين المحيط والمركز، وتبين الى أي حد لعب الافراني دورا مهما في استتباب الأمن والتحكيم لفض النزاعات بين القبائل وتسهيل عملية السيطرة على سوس الأقصى من طرف القواد الحاحيين. كما تبرز أيضا كيف استطاع الافراني شحذ الهمم لخلع مولاي عبد العزيز وترجيح كفة المولى عبد الحفيظ وكذا الأدوار التي لعبها هذا المتصوف لمواجهة الثائر المدعو بوحمارة.
من بين وثائق المخزن المحلي هناك ظهائر التوقير والاحترام والتي تعود الى الأسر الشريفة وبعض شيوخ الزوايا إذ تعود جذورها الى الفترة السعدية، ورغم أن مضمون هذه الظهائر لا تعبر في ظاهرها سوى عن جانب التوقير والاحترام الذي يكنه المخزن لهذه الأسر إلا أن التدقيق في مظانها يكشف النقاب عن جوانب خفية حول اقتصاد الزاوية ومجال نفوذ المخزن وطريقة توزيع الأعشار بين الزوايا.


الكاتب : ربيع رشيدي (*)

  

بتاريخ : 14/03/2024