قضية «بول بوغبا»: تصفية حسابات عائلية.. ذات عواقب رياضية وخيمة عالمية!

نشر «ماثياس بوغبا» (32 سنة)، الشقيق الأكبر لنجم كرة القدم العالمي «بول بوغبا» (29 سنة، المصاب حاليا في ركبته اليمنى، مما يشكك في إمكانية لعبه لصالح المنتخب الفرنسي في مونديال قطر)، مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، يوم الأحد الماضي، وعد فيه بالكشف عن أسرار تخص شقيقه الأصغر، وقد تؤدي بمسيرته الرياضية إلى الهاوية، في وثيقة نراه ممسكا بها، مترجمة إلى أربع لغات، تتضمن بوضوح شديد تهديدات لشخص أخيه، يبدو وهو يقرأها كالرهينة.
وقد ذكر ماثياس بوغبا، في وقت سابق عبر نفس المقطع: «.. إذا قمت بتصوير هذا المقطع اليوم وشرعت فيه، فذلك لأنني أعتقد أن الفرنسيين والإيطاليين والإسبان والإنجليز والعالم بأسره وكذلك مشجعي أخي، وأكثر من ذلك، المنتخب الفرنسي ويوفنتوس وزملاء أخي ورعاته، يستحقون معرفة حقائق معينة مخفية، قد تجعلهم يعيدون رسم صورة أخي لديهم، وهل ينبغي له حقا أن يتلقى هذا الإعجاب و الاحترام والحب من لدنهم، سواء كان من زملائه أو من جمهوره..».
ومنذ ذلك الحين (وقت خروجه عبر وسائل التواصل الاجتماعي)، ادعى ماثياس بوغبا أن لديه أدلة رسمية، تثبت أن شقيقه بول كان يستخدم نفوذه المالي للإضرار بمسيرة زميله في الفريق الفرنسي «كيليان مبابي». غير أن محامي بول بوغبا، سارع إلى الرد بأن «تصريحات ماثياس الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي للأسف ليست مفاجأة، بل لها أمد طويل بين الأخوين، وتنضاف إلى تهديدات ومحاولات ابتزاز منظمة ضد بول بوغبا»، كما أن القائمين على اللاعب الفرنسي، قد رفضوا تقديم أي توضيحات بخصوص قضية تهديده.
تجدر الإشارة، إلى أن عمليات الابتزاز هذه (بحسب محامي بول بوغبا) تنفذها عصابة متخصصة في الابتزاز تنشط دوليا، تلقاها اللاعب الفرنسي منذ 3 من غشت المنصرم في فرنسا، حسب ما ذكر مكتب المدعي العام في باريس يوم الاثنين الماضي، إذ ذكر خلال جلسات الاستماع المختلفة، للمحققين من المكتب المركزي لمكافحة الجريمة المنظمة، بأنه تعرض لكمين من قبل أصدقاء طفولته، يرافقهم رجلان مقنعان مسلحان بأسلحة ثقيلة.
ووفقا لتصريحاته، فقد طالبت العصابة بمبلغ 13 مليون يورو لكف الأذى عنه، كما قامت بترهيبه عدة مرات منذ ذلك الحين، في أماكن مختلفة وصولا إلى مركز تدريب يوفنتوس في تورينو، حيث أكد للشرطة الإيطالية أنه تعرف على شقيقه ماتياس، من بين المشتبه بهم. غير أن ماثياس بوغبا قد ذكر في وقت لاحق، وأثناء مشادة كلامية مع أخيه، بعض التفاصيل عن هذه الحادثة، قائلا إن أخاه قد «كذب على الشرطة»، وأضاف : «بول، هل تبحث عن إسكاتي حقا بالكذب وإرسالي إلى السجن، هذا ما شككت به منذ فترة، وهو ما جعلني أستعد بأدلة تنكر أكاذيبك وتؤكد صحة التهمة المنسوبة إليك»، مضيفا : «سأعيدها مرة أخرى.. أخي، إن التواطؤ في ممارسة الألاعيب على الناس ليس بالأمر الحميد، فالقضية لا تدور حول المال.. ولأنك أقحمتني فيها رغما عني، ما كان سيعجل بموتي حيث تركتني وحيدا هناك وفررت من المكان، و الآن تريد أن تظهر كشخص بريء، لكنك لن تحصل على مرادك، لأن الحقيقة ستظهر، وسيتعرف الجميع على الجانب المخفي من شخصيتك».
ما تعرض له بول بوغبا، يشهده ويعيشه عدد كبير من الرياضيين حول العالم، و هو ظاهرة عائلية آخذة في التصاعد في الوسط الرياضي العالمي، وبات من الضروري تسليط الضوء عليها لما يصحبها من تجاوزات ترافق صعود الرياضيين إلى مستويات الخبرة، وتستهدف القادمين منهم من العائلات ذات الدخل المتوسط، بيد أن حالة بوغبا بول ليست بالوحيدة.. كما لا نملك إحصائيات كافية عن عدد اللاعبين (مثال كرة القدم) الحاليين أو السابقين الذين يجدون أنفسهم مهددين ومبتزين من أوساطهم العائلية، لدرجة التهديد بنسف حياتهم المهنية في حالة عدم الدفع، وتنتهي عادة قصصهم بشكل محزن أو مأساوي تتدمر فيه عائلات الرياضيين، وآمالهم في مستقبل مشرق، لأنهم سيجدون أنفسهم مضطرين إلى تحاشي العلاقات والصداقات الطيبة في المجال، لأنها قد تهدد سلامتهم حتى في الفرق الأجنبية المستضيفة لهم.
من جهة أخرى، نادرا ما يرتبط الارتفاع الهائل والسريع للدخل المادي، الذي يمكن أن تقدمه الرياضة عالية المستوى (اللعب للمنتخبات أو باسمها) للاعبين من الأحياء المحرومة من مستويات التعليم الجيد، والمعيش الاجتماعي والمالي المناسب، سواء بالنسبة لهم أو لمن حولهم، والذين تنمو لديهم «شرعية» الحصول على حصتهم المالية المنشودة من ممارسة الرياضة الاحترافية لأفراد عائلاتهم، وهذا ما قد يدفع ماثياس لإحداث كل هذه الجلبة، خاصة أنه لم يحصل على المسيرة الرياضية الناجحة، التي تمكن منها كل من أخويه التوأم «بول» و «فلورينتين»، بالرغم من مسيرة مر بها عبر 13 فريقا مختلفا ما بين 2009 و 2021.
فعلى الصعيد الرياضي، يمكن أن يكون لهذه القصة أو الواقعة العائلية والرياضية، عواقب وخيمة على المنتخب الفرنسي قبل أقل من ثلاثة أشهر من كأس العالم، وذلك لارتباطها بزميل آخر له في الفريق الفرنسي الأول لكرة القدم، وهو «كيليان مبابي» وما لحقه كما ذكرنا أعلاه من تهديدات محتملة فضحها شقيق بول بوغبا، ما يجعلنا نتساءل عن مآل علاقات بوغبا داخل الفريق الفرنسي في حالة إثبات تورطه في هذه المسألة؟، وكيف لهم أن يتعايشوا مع لاعب يشتبه في أنه استخدم ماربوت لإيذاء أفضل لاعب في الفريق؟ علاوة عن نفسية بوغبا أثناء المنافسة في مونديال قطر، وكيف له أن يلعب بتركيز واحترافية مع علمه بأن مسيرته مهددة إن تبثت الأدلة عليه؟
إذا تم إثبات الحقائق، وظهرت أدلة رسمية بحلول ذلك الوقت، سيبدو من الصعب بالنسبة لدى الجميع تصور وجود بوغبا في المجموعة الفرنسية، وربما مواصلة مسيرته الرياضية بعد كل هذا النجاح الذي طالها، إذ وبكل تأكيد هذا هو الموضوع الرئيسي للمحادثة بين لاعبي منتخب فرنسا والمسؤولين عن تسيير المنتخب، الذين سيتعين عليهم فصل الصحيح عن الخاطئ بسرعة كبيرة، خاصة وأن اسم «مبابي» لم يذكر بشكل مباشر، باستثناء ما جاء على لسان ماثياس أثناء استنطاقه، من قوله جملة : «أنت تفهم الآن يا كيليان.. لا ضغينة لي اتجاهك، وكل ما قلته فقط لمصلحتك أنت، حيث لا يسعني تقبل فكرة أن أخي، المسلم في داخله، ذو شخصية سوداوية لهذه الدرجة، ولا يسعني العيش وبالقرب مني شخص بهذه الشخصية».
في نفس السياق، ذكر رئيس الإتحاد الفرنسي لكرة القدم «نويل لو غراييث»، يوم الاثنين الماضي في لقاء على إحدى قنوات مجموعة «آر-إم-سي» (RMC) الرياضية : «لا علم لي بمثول أحدهم أمام المحكمة حاليا، وعلى الصعيد الحالي كل ما يقال هو مجرد شائعات فقط… إنني من محبي بول، وأتمنى أن لا تزعزع هذه القضية، بأي شكل كان، مكانته داخل المنتخب الفرنسي، بيد أن اسمه حتى الآن كان مرادفا للنجاح، وشخصيته الكروية والرياضية تعتبر نموذجا على أجيال فرنسا الشابة المقبلة أن تحتذي به».

(المصدر: «هنا راديو كندا» و «لوفيغارو»)


بتاريخ : 03/09/2022