« كالماء ينهمر ..» و «نيران لا تحرق» للشاعرة إمهاء مكاوي : تشظيات الذات والواقع

يعد ديوانا « كالماء ينهمر ..» و «نيران لا تحرق « للشاعرة إمهاء مكاوي، تجربة جمالية تحيل على رؤية معينة للذات وللواقع، تنزع نحو رصد تشظياتهما لبناء عالم مغاير تسوده القيم الإنسانية، ويتعانق فيها النفَس الشعري بانسيابية مع الموضوع بلغة موجعة شفافة، تفوح بخلجات روح تتطلع نحو الحب والسلام والتفاؤل. فحين تقول إمهاء:
بين دروب الأشجان
تسمو رؤى إلهامي
على سطور الخيال الروحي
بعدما ازدادت
جرعات وجعي منذ
الأزَلْ
ندرك أن الشاعرة تنثر حولها ما وسعها من نبضات وجدانها، بكل ما تحمله تجربتها الشعرية من بكارة وعفوية تتعالى في الزمان والمكان، وأنها مسكونة بالقيم الجمالية والدلالات الإنسانية، تنفث فيها كينونتها  ومشاعرها التي تنفلت من شَغاف قلبها، ووجدانها، وما يؤرّقها من آمال وأحلام، وما ينغّص عليها من حزن وإحباط ومرارة وألم، وما تجيش به ذاتها من حب متعدد الأبعاد، يشمل الوجود.
الديوانان ينقسمان إلى مجموعة من الأقسام، تتوزع موضوعاتهما بين ما هو ذاتي ووطني وإنساني، الأمر الذي أتاح مجالات أوسع  للتعبير والتخييل. كل قسم يتضمن نصوصا مختارة للتعبير عن ميلاد شعري يقدم تصوره الخاص، سواء للشعر أم لمختلف القضايا الذاتية أو الموضوعية، ويحاول استنفار القارئ وإغراءه على اقتحام تأويلات تغوص في أعماق النصوص، بشكل يشبه ما ذهب إليه روبن بارت حين شبّه النص بالجسد الذي يراود القارئ عن نفسه، فيغريه ويستثير رغبته في الكشف عن صورته، في مثل قول الشاعرة:

فالحياة كماء البحر المالح كلما
ازددت منها شربا ازددت عطشا!
حتى  آخر ذرة أوكسجين
نستنشقه لنطرق باب
الأجل

فتتمثل في مقطوعاتها الشعرية ومضات روحية، ترتسم فيها مبادئ التكوين الإنساني، وتنكشف من خلالها كينونة الشاعرة وهويتها:

بدأ نور الحياة ينبثق من ستائر
شبابيكي عند السحر و كأنها
خيوط من مسد
وشفق

وتتفرع من قلب الشاعرة الأشجار، تنثر ثمارها بين يدي القارئ، بعد إروائها بعذب المياه المنسابة من رحيق روحها:

شغف المعاني في القصيد هيجت
وشار العسل من الخلية بالشور

إنها نصوص تختزل نظرة الشاعرة ومشاعرها وانفعالاتها في قالب جمالي شفيف، يفرض أكثر من قراءة،  لذا لا أريد توجيه نظر القارئ لفهم خاص أو تأويل معين، وإنما يكفيني مما ذكرت، أنها إشارات تزف لعشاق الشعر ميلاد شاعرة، يجري وينهمر  منها الشعر كجريان الماء العذب، ويؤشر عن بداية سامقة.

*أستاذة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة عبد المالك السعدي / تطوان-


الكاتب : دة. سعاد الناصر

  

بتاريخ : 09/01/2021