كان أبي نبيا

أبي كان نبيا ..
وكان وجهه صالحا لكل الفصول،
تنبع الحكمة من بين أصابعه ..
يتكئ على ظله ،
يهش به على نوائب الدهر ،
يطعمنا خبزا من يديه،
يسقينا من حوض عينيه الدامعتين ابتساماته التي تقينا حر الهم.
بل كان يأتينا بعرش الحكاية قبل أن يرتد إلينا طرف السهاد،وقبل أن ينجلي عرق الليل.
كان يأتينا فردا بكامل طيشه،
من شرفة الفرح ..
من شباك التذاكر لحفلة تنكرية…
من أبواب الحكايات الثمانية،
كنا نشاهد معه جزر الواق واق..
ونلعب معه الغميضة، حيث يتحكم في خيوط الظل وأبواب القيامة ..
يتملص من جبة المتعبين،
ليلبس فستان الفرح، يبسطه لسدرة المنتهى .
ما كان يثيرني حقا ..
كفه الأبيض الذي يتسع لنا ..
وأصابعه الندية التي لا تحصينا عددا ..
سحره في عباءة الوقت،
و طيفه المنتشي داخل قبعة سانتا كلوز
وسر جوارب بياض الثلج
بل ويعرف رقم حذاء السندريللا.
أبي كان رسولا
من وحي زمانه المفعم بضيق الوقت،
يجري الأنهر الساكنة في أعماقنا بألوان شتى،
يكلم الإله خمس مرات في اليوم،
يبحث عن الشمس ليريها حق اليقين،
وعندما اصفرت خيوطها…
صكت وجهها وأفلت…
علق نذره على ناصية المساء،
وقال هيت لك أيها البدر…
دعني ممددا أساوم عشاء الليل الفائت…
عشائي الأخير.
أبي كان رسولا نبيا …
لم أعرف له سميا،
أذكر أن ليلة معراجه الأخير …
نفث في يدي وصاياه المرتجفة ..
قال ..
أكملت لك سفر التكوين نهرا فراتا،
ورضيت لك هذا الصدر الشاسع الأحلام،
لا تعبأ بجراحك ..
لا تلهمها صحيفتك،علقها على أبواب المنفى،
اتل سورة الكرسي كلما خلفك النسيان..
وكلما عانقت سدرة الوحدة .
يا بني …
أنا لا أجيد القراءة ،
لكن خطوط كفك مكشوفة على جبل الحلم ..
وجذورها ممتدة تقتفي أثر التمني،
يا بني..
سآوي إلى جبل الحكمة ليعصمني من مزن الغياب ..
لا أحتاج قنديلا ليهديني إلى الطريق …
ولا أسبرين لأجهض ثخوم الليل،
لا أريد قهوة لأهدهد أفول اليقظة ..
دعني وحيدا أخلف نبوءاتي..
وادخر دموعك لباقي المسافات.
حقا كان أبي نبيا ..
يتجلى لي من بين شفاه الحلم كل ليلة..
طويلا عريضا في لغة الضوء،
يهز لي بجذع الحنين ليمطر الحب..
يخط لي بيمينه تفاصيل الشمس،
وبشماله أسرار النجوم …
ويهب لي اسم حبيبتي.


الكاتب : عبد الرحيم الصايل

  

بتاريخ : 20/05/2022