كتاب «الصقر على الصبار» لخليل النعيمي

صدر حديثاَ عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في بيروت كتاب «الصقر على الصبار» للكاتب والروائي السوري خليل النعيمي. والكتاب هو الرابع في أدب الرحلة للنعيمي بعد «مخيّلة الأمكنة»، و«كتاب الهند»، و»قراءة العالَم». الغلاف من تصميم الشاعر الفنان زهير أبو شايب.
جاء في مقدمة «الصقْر على الصَبّار» :
«نرحل عَمْداً.
ولكن نرحل إلى أين؟ ولماذا؟
عندما يرحل الكائنُ يموت. يموتُ الذي كان قبل الرحيل، ويولَدُ غيرُه. ذلك، وحده، يكفي لكي نرحلَ. لئلاّ نكفَّ عن الرحيل.
السفرُ كلمات؟ لا! السَفَرُ مشاهد وأفكار. ولكن، هل ثمة كلمات بدون أفكار؟ ومشاهد بدون إبْصار؟ بلى! وهو ما يجعلنا نتريَّثُ، قليلاً، قبل الحديث عن السَفَر، فهو أخطر مما نتصوَّرُ بكثير. من السفرِ نتعلَّمُ أن نهدِّئ انفعالنا، أن نربِّيَ مُتْعتَنا، أن نتأقْلَم مع ما لَمْ يعدْ موجوداً، لأن المُبْصَرَ هو الذي سيحتلُّ مخِّيلتَنا. هو، وحده، يصبحُ ممَثِّـلَ الوجود.
بالسفر نتفتَّحُ على الحياة. نندمج بالطبيعة والكائنات. نتدرّبُ على ألاّ نحكمَ على الآخرين بسهولة، ولكن أن نتعلَّمَ منهم. نتعلَّمُ الصمتَ، والتروّي، واحترام ما نراه. نتعلَّمُ الحركة، والحرية: حرية تصريف أجسادِنا بمتعة في فضاء الكون. الأمكنةُ ليست صامتةً، وإنما تتكلّم. وهي عندما تتكلّم لا تحكي عن نفسِها، كما نفعل نحن، وإنما عن التاريخ. عن تاريخ الإنسانية التي صرفَتْ جهودًا كبيرة في إنجازِها ورِعايتِها.
حوارُ المسافرِ معها فَعَّال. هي لا تخبّئ نفسها، ولا تُظْهِرُ غير ما تُبْطِن. إنها تردُّ لنا ما استهلكَتْه من جهد بشريّ، أو حتى ما اختزنَتْه من عبقرية الطبيعة. تردُّه لنا بلا تزمّت أو تقتير. فالمكان الذي لم يأخذ من أحد شيئاً لا يعطي شيئاً لأحد. وهو لا يستحقُّ حتى الزيارة. إنه كالكائن البائسِ عديمِ الحيلة، المسطّح المغرورِ، بلا مزية: إنْ عرفْتَه لا يُغنيكَ، وإن جهلتَه لا يفوتُكَ شيء» .


بتاريخ : 29/07/2019