«كما لو أن الحياة كانت تصفق» للشاعر محمد بوجبيري بين المحسوس والملموس

«الحياة هي أشياء مختلفة متراكمة تقع عادة في الهامش. هامش الحياة هو كتابة عن أشياء تستعصي على العد والوصف»
قاسم حداد

في لقاء سابق، بمدينة إيموزار الهادئة، هيأت أوراقاً حول ديوان « كما لو أن الحياة كانت تصفق « للشاعر محمد بوجبيري، نشرت بالملحق الثقافي للاتحاد الاشتراكي. ومؤخرا اتصل بي الشاعر نور الدين ضرار، من أجل المشاركة في هذه الأمسية المخصصة لشاعرنا، فأعدت قراءة الديوان من جديد، وتراءت لي قراءة جديدة، ومن هنا استنتجت بأن هذا المنجز، له نوافذ متعددة، أو جينالوجيا عبارة عن نضال مفتوح، دون إغلاق مطلق حسب ملاحظة نتيشه على هيجل. لذلك ارتأيت البحث في أهمية الشيء المهمش والبسيط، والذي يكتسب شعرية عميقة، لدى من يحسن التأمل والإصغاء.
من هنا نعود – بدورنا – إلى الرواقية الجديدة، ونستعير – كما استعار اللساني دوسوسير – العلامة اللفظية ذات المكونين: الدال المدلول← الدال المدرك المحسوس ← المنطوق الحرفي والصوتي المدلول ← المدرك ← الملموس ← الهيئة التي نكونها عن المنطوق مثال: الطريق ← طريق ← الحروف ← الدال المدلول ← طريق ← حسب التركيز عليها في الديوان. تشابه واقعي بين الدال والمدلول. ICON يضيف بـﱢيرس الأيقونة ( إشارة إحالية ) ← الدخان ← مؤشر على النار والمعرفة ( أينما يوجد دخانindex المؤشر فهناك نار ). روبنسون كروزو ← عثر على مؤشر ( إشارة إحالية ) أثر قدم على الرمال، إشارة على وجود مخلوق بشري. ← الميزان ← رمز للعدالةSymbol الرمز: والرابط بين هذه المكونات : اللغة التقديرية ← لغة التواصل اللغة الإيحائية ← لغة الإبداع والخلق والشعر، تحتاج إلى تأويل. الأيقون : يتحول من الرمز إلى الأيقون: بين صورة الشيء، وبين الشيء في الصورة. وضمن الديوان : وخاصة ص 126، والتي تحمل «أيقونات:
1- سنبلة : تتكلم، من الاخضرار- اليناعة إلى النضج إلى البيدر. من الرمز إلى الأيقون ← حيث الصورة الخالدة ( أما أنت فدائما في دمي ) ص 126. ( لأن الصاعد من رحم الأرض أبدا لا يموت – ص 126. 2
2- غابة : في فصل الخريف. ترجو ( قصقصي أغصاني الميتة ) التجدد يأتي عبر العنف بدون بعد رومانسي، خلافا للشاعر/ الرومانسي الذي قال : نثر الخريف أوراقه على الثرى فتناثرت كتناثر العبرات يتركن أغصانا ألفن عناقك ويقعن فوق الأرض مضطربات.
3- شجرة : من « شجرة هرمة يسألها الحطاب ليهوي عليها « إلى « وفي القادم من الأيام أعدك بما يكفي من ظلال « ص 129. 4- جبل : ← تصل الحكمة إلى « إن التعاقب يعري « ص 130. 5 – نهر : ← يولد ويتجدد عبر الغيم.
6- غيمة : ← إلى 7- الحبر ← ليس بالمعنى الميتافيزيقي، ولكن بمعني الجينيالوجي ، فهو لا ينطلق من الحقيقة ولا من الأخلاق، بل يركز تفكيك الثنائيات الميتافيزيقية، مثل الحقيقة والخطأ ← الخير/ الشر، حيث تفكيك الخطاب من داخله، وليس من خارجه « ألا تعلم أن الإقامة في الحياة، إن هي إلا تدوين لأثر العابر، وأنك الشاهد الوحيد على الذي كان، وما سيبقى « ص 133.
8- سماء ← 9 سراب
دلالة العنوان :
إن اختيار هذا العنوان، الذي يضم المجموعة، لم يأت اعتباطا، وإنما هو إحالات على تكوين الشاعر، وتجاربه في هذه الدنيا، كما أنه متضمن لعنوانه داخل المجموعة، ويعتبر أطول نص، لأنه عبارة عن روافد، تروي كل التجارب والعناوين. من هنا، لا بأس إذا اقتبسنا عنوانا من فلسفة نيتشه، والموصوم بفلسفة الحياة، لأنه بعد اطلاعه على ما قبل سقراط وما بعده، استعمل مطرقة الطبيب، لكشف بواطن الألم ومعالجته، ذلك لأن بوجبيري يحب قريته حلوان، وتحضر – باستمرار- داخل قصائده وكتاباته، ووفق هذا تم اختيار العنوان بحمولته اللغوية، كما التشابه بين الدال والمدلول، ثم لو : حرف امتناع لامتناع، باعتبار الفعل الماضي الناقص ( كانت )، ولكنها لم تكن ( تصفق ) دلالة على الفرح والسرور، والتحول من الألم إلى العلاج. يبدأ النص ( الأصل ) من ص 53 إلى ص 61 : درب الحياة يتجسد في : تكسير الأعراف – لوائح الخراب – تحول أسماء إلى أسماء متفوقة – الأراضي الواطئة مستريحة – أربكوا الجاهزة في الطريق والوصول إلى : « كما لو أن الحياة كانت تصفق « ص 56. « الخطو في أول الطريق «، ثم « نيتشه وبشار وبيرس وميله وهسه وبوزاتي والباقي من قامات الأبد « ص 58
قلق التأثر :
حسب الناقد هالورد بلوم، الشاعر بوجبيري له الفضل في إحياء هؤلاء الشعراء والكتاب عبر الإشارة إليهم. من الإهداء إلى المقدمة : الإهداء بيرس ، نسبة إلى الشاعر سان جون بيرس، والمقدمة توضح مسلكية الطريق، عبر غابة سوداء، طرق لا تؤدي إلى المعنى « واصل السير وترك المشي للطريق « ص 8. طرق لا تؤدي إلى أين؟ بمعنى الهايدغري. « كل صباح يلمع الحذاء لهذا الأمر « ص 11. هنا تحضرني قولة للفيلسوف الأبيقوري إبكتيتوس « القدم مقياس للحذاء، فإن تجاوزت مقاسك فسوف تسقط سقوطا مريعا على شفا جرف على الأرض «. بالنسبة للشاعر بوجبيري، أصعب الطرق ما التصق بالذات، العبور في الذات، وفي الكتابة، وفي القراءة، إرجاء دريدي لفتح النص، « كما لو أن الحياة كانت تصفق «، وبالفعل نصفق بحرارة لهذه التجربة، الثرية، والمنفتحة على كل القراءات والتآويل.


الكاتب : د- محمد عرش

  

بتاريخ : 22/10/2021