كيف استوعبت الرواية العربية الوسائط البصرية؟

الأشعري: علاقتي بالتشكيل تتم في صيغتها الأكثر قلقا
مي التلمساني: العلاقة بين الأدب والفن تنفي التراتبية والأسبقية

 

كيف استوعبت الرواية العربية الوسائط البصرية لإغناء البناء الروائي وفتحه على ممكنات التجريب والتخصيب؟ كيف وظف الروائيون العرب هذه الأشكال الإبداعية، أدبيا، بما يغني تجربتهم الكتابية في محاولة منهم خوض تجريب جمالي يرفد من مختلف الفنون، وخاصة البصرية كالتشكيل والسينما ليواكبوا ما تمنحه المرحلة من إمكانيات جمالية تجعل تفاعل القارئ مع النص الروائي يتم من مداخل غير تقليدية.
هذه الإمكانات وفرص الاسترفاد، هو ما حاولت ندوة «الرواية العربية والخطاب البصري» من بين ندوات جامعة المعتمد بن عباد، وضمن موسم أصيلة الثقافي الرابع والأربعين، مقاربته يومي الجمعة والسبت 20/21 أكتوبر الجاري من خلال مداخلات قيمة لنقاد وباحثين جماليين وروائيين.

طرح الأ،كاديمي والناقد شرف الدين ماجدولين وهو يضع الإطار العام للندوة التي تبحث تعالقات الروائي والفني، عددا من الأسئلة التي تستدعيها أية مقاربة لهذا الموضوع في تعدد جوانبه، من قبيل الإقبال الكبير على توظيف المشهد التشكيلي أو الشخصيات التشكيلية ضمن الفضاء الروائي العام، والتمييز بين ثقافة العين والأذن داخله.
في هذا السياق، اختار الروائي والشاعر ووزير الثقافة الأسبق محمد الأشعري، من خلال مداخلته الموسومة بت «الرواية والأثر» مقاربة هذا الموضوع انطلاقا من تأمل الوشائج التي نسجت بين الكتابة عموما والرواية بالخصوص وتجربة الفن التشكيلي بالمغرب بحداثتها التي، رغم جِدتِها، كانت « تجربة مخلخلة».
وتساءل مؤلف «العين القديمة» في معرض حديثه عن هذه العلاقة: «هل اللغة تتفاعل وتتأثر وتغتني حسب تطورات النظام البصري المحيط بها إذا أخذنا بعين الاعتبار تفاوت مستويات تلقي هذه التجربة التشكيلية التي لم تكن، في لحظات سريعة من تاريخنا الثقافي، موضوع تفكير وتحليل وحوار مشترك».
إن حداثة التجربة التشكيلية في المغرب والحديث عن مرحلة انفجارها، وتصادم النماذج والمدارس لا يجب أن يفهم منه، حسب الأشعري، أنها تجربة ولدت في أرض خلاء لأن النظام البصري «كان موجودا قبل ذلك، لكن بطرق وحوامل مختلفة كالمعمار والطرز والحلي والوشم، وكانت له وشائج قوية مع اللغة». إلا أن هذا النظام بالمغرب ظل مفتقرا الى ما وسم الظاهرة التشكيلية في الغرب من ربط للمنتوج التشكيلي بالفرد المبدع وليس بالتراث الجمعي فقط، وهي المرحلة الانتقالية التي سيعيشها نظامنا البصري المغربي بما يشبة الصدمة، حيث تطلب هذا الانتقال، التعامل مع معطيات وأسئلة جديدة ومستفزة تتطلب بدورها جرأة في الطرح، كقضايا النحت وإنتاج الجسد» كبعد روحي وجمالي»، وهي قضايا يرى الأشعري أنها لا تزال مفتوحة ومطروحة في ثقافتنا البصرية الحديثة.
أما على مستوى التلقي، فقد توقف صاحب «ثلاث ليال» عند سؤال تلقي الروائيين والشعراء لهذه اللغة الجديدة داخل الرواية، أي الصورة، باعتبارها لغة «لها جملها وأبجديتها وبلاغتها». ولعل الغليان الذي عرفته نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات، والمتعلق بعلاقة الأدب بالفن والتشكيل، يوضح الإقبال الكبير على هذا الاستدماج بين الصورة والأدب وخاصة في الكتابة الشعرية.
ولفت مؤلف «القوس والفراشة» إلى أن هذه التجربة تتم اليوم من منظور نقدي يسائل ما أنتجته هذه الحركة في ارتباط بجذورها التاريخية من حوار متعدد الأبعاد والمقاربات، حوار لامس قضايا خارج دائرة الإبداع المحض، واهتم بما هو مجتمعي وحقوقي كقضايا الهوية والحرية واستقلالية الحقل الإبداعي، دون إغفال ما كانت تعيشه الفنون التشكيلية بالمغرب من أزمة هوية تسائل في عمقها مسألة استيراد التجربة الغربية من حيث التقنيات والمواد، والبحث، في نفس الآن، عن جذور حقيقية يمكن استنباتها في التربة الثقافية المغربية التي سرعان ما انفجرت فيها الفقاعة التجارية للفن لتحدث شبه انفصام بين الروائيين والتشكيليين، انفصام شبيه بما حدث بين السينمائيين والتشكيليين.
وكان الأشعري واضحا عن حديثه عن الأثر البصري في الرواية حين أكد أن هذا الأثر «لا يمكن قياسه بحضور العوالم التشكيلية عبر شخصيات ومحكيات الرواية، بل بعلاقة التفاعل المباشر بين النصوص والتجارب الفنية» ، وبصورة خاصة بكيفية حضور الأثر التحديثي داخل الساحة الثقافية المغربية بواسطة التشكيل قبل أن يخلص إلى أن «علاقته بالتشكيل تتم في صيغتها الأكثر قلقا، وفي ارتباطها بإشكالات التحديث والإقامة بين الضفاف».
الروائية المصرية وأستاذة الدراسات السينمائية بجامعة أوتاوا الكندية، مي التلمساني، انطلقت في تحديد العلاقة بين الأدب والفنون البصرية من ثلاثة محددات يمكن أن تؤطر هذا التفاعل، أولها أنها ليست علاقة ثنائية، بل تنتظم داخلها»شبكة من الخطوط تتجاوز النص وتنفتح على الخطاب الجمالي»، وثانيها وظائف هذه العلاقة ثم ماهيتها والتي هي في المحصلة عملية « تراكب وتحاور وتجاور بين نصوص سابقة وأخرى تالية على عملية التناص»، لافتة إلى كونها، أيضا، علاقة نفي للتراتبية والأسبقية بينهما باعتبار الأدب وسيطا عابرا للوسائط والثقافات. لذا تركز التلمساني على بناء العلاقة الذي يعتبر أهم ما يميز الفعل الثقافي، سواء بين الفنانين أو السينمائيين.
وختمت مي مداخلتها بالقول إن سؤال الفن والأدب ألهم ، تاريخيا، كثيرا من الكتابات النقدية والفلسفية، خصوصا الكتابات التي انشغلت بربط أطراف هذه العلاقة وفق شبكة المعارف الأدبية والفنية، مقدمة في هذا الصدد مثالين بالفيلسوف جيل دولوز والمفكر إدوارد سعيد.
من جانبه، وبحكم ممارسته العملية من داخل حقل الكتابة الروائية وكتابة السيناريو، تناول الروائي اللبناني والفائز بجائزة محمد زفزاف للرواية في دورتها الثامنة هذه السنة بأصيلة، رشيد الضعيف، تناول هذه العلاقة من عدسة التصوير اللاقطة بذكاء لما سماه «عصب الرواية»، وهي الزاوية التي تساهم في تطوير الكثير من أشكال الابداع: في السينما كما في المسرح والتشكيل لأنها تغني النص، وتجعل القارئ ينصهر أكثر في عوالم الرواية، مضيفا أن ما يحدد في عملية التبادل والتلاقح بين هذين العالمين، الرواية والسينما، هو كيفية استثمار ما تمنحه كل واحدة للأخرى..
هذا الاستثمار هو ما أكد عليه، أيضا الروائي اليمني، حبيب عبد الرب سروري حين شدد على أن لا ديكتاتوية للمشهد البصري على المشهد الوصفي التخييلي، لأن المهم في الكتابة هو الإيقاع بالقارئ وإدهاشه ، وتغيير عدد من المسلمات لديه بشكل جذري.
في حديثه عن علاقة التشكيل والأدب، ميز الناقد والمترجم والروائي المغربي حسن بحراوي بين نمطي اشتغال كل منهما ،حيث أن لكل طرف نسقا سيميائيا مختلفا، حيث النسق المرئي في اللوحة يتسم بالثبات، فيما النسق اللغوي في الرواية يحكمه الزمن والفضاء السرديان، لكن هذا الاختلاف، يضيف بحراوي، لا ينفي وجود مشترك بين الطرفين في فترة غليان السبعينات وانخراطهما في مواكبة التحولات والاجتماعية والسياسية
وعرج صاحب» بنات ونعناع» على تجربة «الرواية الجديدة» في الغرب التي تأثرت بالحركات الفنية الطليعية، لتظهر اتجاهات روائية جديدة كالرواية المسرحية والرواية السينمائية والرواية التشكيلية، متوقفا عند التجربة العربية التي لم تستثمر في بداياتها، جيدا، هذا الغنى الفني بسبب فتاوى التحريم التي كانت تطال التصوير، ولمحدودية الإبداع قبل أن تبرز تجربة إدوار الخراط الذي وظف الخطاب البصري في أعماله الروائية، وليمتد هذا التلاقح في التجارب المغربية عند كل من محمد برادة، إدمون عمران المليح وأحمد جاريد.


الكاتب : أصيلة: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 23/10/2023