لافيــراي

 

هو مكان خاص بالمتلاشيات، الأشياء التي لم تعد صالحة كليا أو جزئيا في الاستعمال، هكذا هي في التداول العام. وعندما تستعار كعنوان لعرض مسرحي تثير الانتباه والفضول الفني، للوقوف على ما يميز عملا ابداعيا في تداوله لقضايا مجتمعية. للوهلة الأولى يتبادر إلى الدهن أن «لافيراي» سيوظف كفضاء لعرض قضايا المهمشين ومن يتخذونه مكانا للعيش والاستقرار أو موردا لتدبير متطلبات الحياة. غير أن ما اعتمده انس العاقل معد النص، وأراد أن يثير الانتباه إليه، هو وجود متلاشيات من مستوى آخر في المجتمع، لابد أن تعرف طريقها إلى « لافيراي». فهي لم تعد صالحة ولا تتناسب ومتطلبات العصر، هي أفكار وتصورات تتداول بأشكال مختلفة، لم تعد تستقيم وما انتهت إليه البشرية من تطور في العلاقات الاجتماعية، وما أصاب الروابط المجتمعية من تفكك، أو تحول يتناسب ومتطلبات الفعل الاجتماعي المستجيب لمقتضيات الحياة وتمتين الروابط.
تناول العرض بكل جرأة أهم القضايا المجتمعية المثيرة للجدل، وفي جوهرها العلاقة بين المرآة والرجل، وما يلفها من إشكالات في مختلف مستوياتها، والايحاء بضرورة تجاوز آثارها السلبية. وه ما عكس بشكل صريح جوانب مما عقدت من أجله ندوات ورفعت بشأنه شعارات تدعو إلى التغيير، أو التحريض على التجاوز الفعلي لما أصبح في الاعتقاد معيقا للتطور، والحد من فعاليات كل المكونات المجتمعية على المستوى النفسي والمجتمعي.
لقد توفق العرض، بالمستوى الرفيع للأداء المسرحي والحركية السينوغرافيا، إلى جانب الانسجام الكامل بين الممثلين، في شد انتباه عموم الجمهور وتحقيق تفاعل إيجابي مع أغلب فتراته، وذلك في عرض مشاهد متلاحقة ووقائع متباينة تحيل على ما يعيشه الناس في تواصلهم وتفاعلهم مع مختلف الأحداث. شخصيات يجمعها الجوار وتتباين آراءها على مستوى الفعل المجتمعي المباشر، خمس حيوات بشرية تحكي بعضا من مسار تجربتها وما اعتبرته شكلا معيقا في تحقيق بعضا من مآربها، أعراف مسنودة بتأويلات وأحكام لا تصمد أمام الحقائق المجتمعية وما تتطلبه دواعي الحياة ومستلزماتها، تصبح على الهامش المعاش اليومي، ككل المتلاشيات التي يقتضي التخلص منها وضعها فيما يشبه « لافيراي «. لكل ذلك كان لابد من عرض تفاصيل حياة كل شخصية على حدة وما اكتسبته في تقابل ممارساتها ومختلف تفاعلات محيطها المجتمعي في ممارسة اختياراته وتقبل ردود فعلها.. تقابل يؤكد أطروحة ضرورة التخلص من كل ما أصبح يعيق تثبيت المساواة، وكشف زيف كل الادعاءات التي تستغل المشرك واخضاعه لتأويلات خاصة لتحقيق مآرب وأهداف. وكذا التأكيد على الحقوق الفردية والجماعية وتجاوز كل تمييز على أساس الجنس أو المعتقد. خلاصات أبرزها العرض، وأكد من خلالها ما يمكن أن يضيفه المسرح كمجال التعبير الثقافي والفني، في عرض القضايا المطروحة على المجتمع والانخراط المباشر والفعلي في توسيع دائرة النقاش المجتمعي وتعميم أشكال إطاراته.


الكاتب : أحمد حبشي

  

بتاريخ : 27/09/2023