لتوفير بيئة صحية سليمة تساعد على التحصيل الجيد .. نظافة المؤسسة التعليمية كنشاط تربوي اجتماعي

 

المدرسة التعليمية هي الفضاء الخارجي للطفل ما بعد الفضاء الأسري المحدود ، وفيه تنطلق أولى خطواته نحو مساره التعليمي ، وكل سلوك مكتسب من المدرسة هو سلوك سيلازم الطفل عبر مختلف مراحله العمرية ، بحيث يتشبع الطفل بكل السلوكات الجيدة والقيم المجتمعية والإنسانية النبيلة وفق الهوية الوطنية والعقائدية ، ومثلما تشكل النظافة في شموليتها أحد دعائمها ، فإن نظافة المدرسة تشكل مدخلا من مدخلاتها الأساسية .
وتعتبر نظافة المؤسسة التعليمية ، بما فيها فصولها الدراسية ومرافقها الصحية وفضاءاتها الترفيهية، من مقومات الجذب الذي تسعى المؤسسة التربوية التعليمية لتحقيقه في أفق تحبيب المؤسسة للمتعلم والتصدي غير المباشر لظاهرة الهدر المدرسي الذي يشكل الانقطاع المبكر عن الدراسة أحد أبرز تجلياته .
ولترسيخ سلوك نظافة المكان أيا كان ومنه المدرسة كسلوك متشبع به ، فإن ممارسته داخلها يعتبر بمثابة الموجات التي يخلقها أثر الحجرة التي تسقط وسط بركة الماء، إذ لا يقتصر ظهور الأثر في نقطة ملامسة الحجرة للماء، بل تتمدد لتصل حركتها إلى محيط أوسع ، وهو مثال ينطبق على تثبيت قناعات لدى الطفل منذ صغره بعدم القيام بسلوكات وممارسات من شأنها أن تكون معيبة ، على اعتبار أن المؤسسة التعليمية هي البيت الثاني للطفل بعد بيته الأسري .
ومن هنا كان أحد مرتكزات اليوم الوطني للتعاون المدرسي الذي يحتفل به في المؤسسات التعليمية بالمغرب مع بداية الأسبوع الأول من نونبر كل سنة، وفيه تنظم إلى جانب الأنشطة الترفيهية والتثقيفية والتوعوية أنشطة تنظيف المدرسة وتجميلها وإضفاء رونق جمالي عليها.
ونظافة المدرسة تشمل نظافة مرافقها الصحية التي تبدأ بواجب نظافتها مباشرة بعد كل استعمال لها من طرف الطفل على مستوى الحيز المكاني الضيق منها الذي استعمله كصب الماء لصرف الفضلات أو لصرف البول حتى لا تنعكس رائحته في المكان ، وقضاء الحاجة في المكان المخصص لها وعدم التبول بعيدا عنها أو على الحائط.
ونظافة المدرسة تشمل نظافة حديقة المدرسة ومجالاتها الخضراء من خلال ممارسة عمليات تهييء التربة والغرس والسقي والعناية بالمغروسات لخلق فضاء يكون بهجة للناظرين الذين هم الأطفال أنفسهم أولا وأخيرا ، ويزرع في نفوس الأطفال حب الطبيعة بكل مكوناتها والمحافظة عليها وعلى مصادرها.
ونظافة المدرسة تشمل نظافة الساحة بعدم تمزيق الأوراق ورميها فيها، واستعمال سلل المهملات مكانا للتخلص مما يلف بعض المنتجات الغذائية والاستهلاكية التي يجلبها الأطفال معهم من خارج المؤسسة.
ونظافة المدرسة تشمل نظافة جدران المؤسسة، سواء الداخلية منها أو الخارجية، وعدم خدشها أو الكتابة عليها، وعدم المس بالرسوم المؤطرة التي قد تضفي عليها جمالية خاصة ضمن الرسومات الجدارية.
ونظافة المدرسة تشمل نظافة حجرة الدرس ومقاعد الدراسة ،على اعتبار أن الطفل يستنشق لساعات هواءها ويلامس تجهيزاتها ، وكلما كانت نظيفة كلما لم تحمل أطراف جسمه مكونا من مكونات الأذى .
ونظافة المدرسة تشمل كذلك نظافة الزي المدرسي الذي يعطي الانطباع بالمحافظة على الهندام ويزيد من ثقة الطفل بنفسه ما بين زملائه ويعزز قدراته على التواصل والتفاعل الإيجابي .
إن نظافة المدرسة في عمومها لا تقتصر على عمال تنظيفها الموكولة إليهم هذه المهمة نظرا لطبيعة عملهم ومهامهم، وإنما يتعين أن يمارسها الطفل في حدودها التي تناسب قدرته عليها بشكل انتظامي وتحت إشراف هيئة التدريس وهيئة الإدارة التربوية لذات المؤسسة، ومتى علم الآباء وأولياء أمور التلاميذ قيمة النتائج الإيجابية التي تتمخض عن ممارسة أبنائهم لمسألة تنظيف مؤسستهم ، كان ذلك عونا لأبنائهم بالدرجة الأولى في اكتساب سلوكات تفيدهم هم في حياتهم كلها، لأن نظافة المدرسة توفر لهم بيئة صحية سليمة تقيهم عددا من الأمراض التي تنتشر عدواها ، ولأن نظافة المدرسة تساعد المتعلمين على التحصيل الدراسي الجيد من خلال التركيز الذي ييسر لهم الاستعداد الأمثل لتلقي التعلمات واستيعابها على النحو الأفضل…


الكاتب : عبد الكريم جبراوي

  

بتاريخ : 23/09/2019