لمعاينة جثث الموتى وتبسيط مساطر الدفن .. «ندرة» أطباء حفظ الصحة بالدارالبيضاء تدفع إلى « إحياء » أدوار شرطة الجنائز

 

سطّر المجلس الجماعي لمدينة الدارالبيضاء، الذي يعقد الجلسة الأولى العلنية للدورة العادية لشهر فبراير 2020 يومه الخميس 6 فبراير 2020، جدول أعمال لهذه الدورة يضم 70 نقطة، تتوزع ما بين تقرير الرئيس وتقارير المقاطعات، والنقاط المتعلقة بالمالية والميزانية والتعمير والممتلكات، إلى جانب الاتفاقيات والمرافق، بمجموع 70 نقطة، والتي من بينها النقطة رقم 36 المتعلقة بالدراسة والتصويت على مشروع ملحق رقم 2 لاتفاقية إطار بين جماعة الدار البيضاء وشركة التنمية المحلية الدارالبيضاء للخدمات موضوع المقرر عدد 20/ 2016، «من أجل إحداث فرقة خاصة بشرطة الجنائز»، التي تعرف نقاشا واسعا، سواء من حيث التسمية أو الغاية منها، وهي النقطة التي ستتم مناقشتها في أشغال الجلسة الثانية التي ستُعقد يوم الأربعاء 19 فبراير.

شرطة الجنائز وشرطة المقابر

شرطة الجنائز، وهي التسمية القانونية، والتي يرتبط ذكرها بشرطة المقابر أيضا، هدفهما تنظيم مراسم هذه العملية من دفن ونقل واستخراج للجثث من القبور، المؤطرة بمجموعة من النصوص القانونية والمراسم التنظيمية، إضافة إلى قرارات ومنشورات وزارية، أسندت مهامها الفعلية لرئيس المجلس الجماعي حضريا كان أو قرويا، ابتداء من الميثاق الجماعي لسنة 1960 مرورا بميثاق 1976 وصولا إلى ميثاق 2002، هذا الأخير الذي نظمها بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 50 منه والتي تقضي بأن»يمارس رئيس المجلس الجماعي شرطة الجنائز والمقابر ويتخذ على وجه السرعة الإجراءات اللازمة لدفن الأشخاص المتوفين بالشكل اللائق. وينظم المرفق العمومي لنقل الجثث ويراقب عملية دفنها و استخراجها من القبور طبقا للكيفيات المقررة في القوانين و الأنظمة الجاري بها العمل»، علما بأن هناك شقا مرتبطا بالولاة في النقطة المتعلقة بنقل الجثث خارج أرض الوطن أيضا.

الضرورة الملحّة

قرار إحداث شرطة الجنائز بالجماعة الحضرية للدارالبيضاء، أملته الحاجة الملحّة، بالنظر للخصاص الكبير في عدد أطباء مصالح حفظ الصحة بالمقاطعات البيضاوية، الذين يمنحهم القانون صلاحية معاينة الوفيات وتقديم التصاريح بشأنها لدفن جثث أصحابها، الذين تقاعد عدد منهم مما ترك فراغا كبيرا خاصة في ظل عدم القدرة على توظيف آخرين، الأمر الذي طرح مجموعة من الإشكاليات، منها ما وقع قبل سنوات ، في الحي الحسني وفي سيدي بليوط وغيرهما، فتمت الاستعانة بالمديرية الجهوية لوزارة الصحة في شخص مديرتها التي تتحمل المسؤولية أيضا في المجلس الجماعي باعتبارها رئيسة لجنة البيئة والصحة، من أجل توقيع اتفاقية للاستفادة من خدمات مجموعة من الأطباء، وهو الأمر الذي كانت «الاتحاد الاشتراكي» سبّاقة في تسليط الضوء عليه آنذاك، لكن الاتفاقية لم تخرج إلى حيز الوجود بعدما أصيبت بالشلل على مستوى مصالح وزارة الصحة، فتم الالتجاء إلى تعاقد مباشر مع مجموعة من أطباء القطاع العام والخاص المتقاعدين، وتم تدبير مرحلة تتراوح ما بين سنتين و 3 سنوات، لكن طفا على السطح إشكال تسديد أجور الأطباء المتعاقد معهم الذين يجب أن يتوفروا على رقم الانخراط في الرسم المهني، مما خلق الأزمة من جديد.

شركة التنمية المحلية

أمام هذه المعضلة التي تتفاقم حدتها يوما عن يوم، وبسبب أسئلة النجاعة المرتبطة بتدخلات العاملين في مصالح حفظ الصحة، وإشكالية الصلاحية «الشرعية» لتحديد طبيعة الوفيات والتمييز بين الطبيعية وتلك التي تكون غير ذلك، والتي ظلت مثار نقاش بل وجدال كذلك حول الاختصاصات، تم التقدم بالمقترح الجديد المتمثل في الاستعانة بإحدى شركات التنمية المحلية، ويتعلق الأمر بشركة الدارالبيضاء للخدمات، من أجل تبسيط مساطر التعاقد مع مهنيين للصحة، لهم التكوين والدراية العلمية لمعاينة وفيات البيضاويين، والسماح من خلال هذه الخطوة لشرطة الجنائز بمباشرة صلاحياتها القانونية التي تمكنها من توفير كل الخدمات المتعلقة بتدبير الجنازة، ابتداء من معاينة الوفاة وصولا إلى عملية الدفن.
تنبيه وزاري

سبق لوزارة الداخلية أن وجهت دورية حثت من خلالها على إحداث شبابيك لإكرام الموتى، لمنح رخص الدفن والتصريح ونقل الجثث، المنصوص عليها في القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، والعمل على تبسيط مساطر إنجاز هذه الوثائق، ودفن موتى المسلمين بالشكل اللائق وتنظيم المرفق العمومي لنقل الأموات ومراقبة عملية الدفن واستخراج الجثث.
وتنظم عملية دفن الجثث في المقابر بظهير شريف رقم 986.68 صادر في 31 أكتوبر 1969 المغير والمتمم بمقتضى مرسوم رقم 2.02.700 الصادر في 22 ماي 2003، وتتطلب هذه الخطوة الحصول على ترخيصين إداريين، الأول يخص معاينة الجثة من قبيل طبيب يشهد بصحة الوفاة، وهو الإجراء الذي يختلف حسب طبيعة الموت، ومكانه وسببه، ثم رخصة الدفن التي تتطلب إنجاز عدد من الوثائق، منها شهادة طبية للوفاة تسلم من طرف المستشفى او بيان معاينة الوفاة، ونسخة من بطاقة تعريف المتوفي أو ما يثبت هويته، وإذن المصالح القنصلية التابع لها الشخص المتوفي في الخارج.
وكان وزير الداخلية قد أصدر منشورا يحمل رقم 83 ق م م / 3 بتاريخ 29 ماي 2000، حول تدبير المقابر الإسلامية والمحافظة عليها وصيانتها، والذي وقف عند العديد من الملاحظات، ومن ضمنها على سبيل المثال لا الحصر، الدفن بالمقابر العشوائية بالقرى خصوصا، دون تصريح بالوفاة ودون ترخيص بالدفن، مع ما يعنيه ذلك من إلحاق أضرار بالصحة العمومية وبالأشخاص المتوفين الذين يدفنون دون معرفة أسباب وفاتهم، وتحدث عن الحالة المزرية للمقابر، وعن عدم ممارسة رؤساء المجالس الجماعية لسلطاتهم كاملة في مجال شرطة المقابر .
إكرام الميت

بعيدا عن إشكالية تسمية شرطة الجنائز، التي خلقت اعتراضا في صفوف عدد من المنتخبين، والتي يعتبر عدد من المتتبعين للشأن المحلي أن وقعها على المتلقي ليس بالأمر السلس، ورفع البعض لمقترح اختيار تسمية «إكرام الميت»، فإن تدبير هذا المرفق يعرف جملة من الإشكالات والاختلالات، التي تطرح علامات استفهام متعددة بشأنها وكذا قدرة وإمكانية خطوة جماعة الدارالبيضاء على إيجاد حلول لتجاوز هذا الوضع، الذي لا يقف عند حدود معاينة الموتى وتبسيط المساطر الإدارية لتتم مواراة الراحلين الثرى بشكل سلس، وإنما يشمل عملية النقل كذلك، وفي هذا الإطار فقد تضمن جدول أعمال دورة فبراير النقطة رقم 60، والمتعلقة بالدراسة والتصويت على مشروع كنّاش التحملات الخاص بتدبير مرفق نقل الأموات، فضلا عن طريقة الدفن والأجواء المرافقة لها، والمعايير، شكلا وموضوعا، بالنظر إلى أن عددا من المشاهد المرافقة لمواراة الموتى الثرى، باتت تدمي القلوب قبل الأعين، كما هو الحال مثلا في مقبرة الغفران، فضلا عن جملة من الممارسات الشائنة، التي تتحول فيها لحظة «إنسانية»، بكل حمولاتها ودلالاتها، إلى لحظة «ميكانيكية»؟


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 06/02/2020