ليْسَ لَديَّ ماأكْتُبُه..

 

عامٌ أَوْشَكَ
– قليلاً –
نَفْسُ الكائِناتِ الحالِمَةِ.
نَفْسُها حينَ أَنْفُخُ في الهَواءِ، وحينَ أَنْفُخُ في الرَّمادِ.

عامٌ أَوْشَكَ
لم أَرَ فيهِ وَجْهَ أبي في الصُّورَةِ المَدْقُوقةِ على الحَائِطِ.
لَمْ أرَ فيهِ جِباهَ المَوْتَى
وهي تَلْمَعُ مِنْ كَثْرَةِ الدُّهونِ.

عامٌ أَوْشَكَ
ولا أَثَرَ للفَراشاتِ التي كَانَتْ تَحطُّ فَوْقَ رَأْسيْنا
ثُمَّ تَطيرُ كُلَّما تَحَدَّثْنا عَنِ المَطَرِ.
لا أَثَرَ للفَراشاتِ.
حتَّى في هَذا النَّصِّ
لا أَثَرَ لها.

أنا كُلَّما حَفَرْتُ نَفَقاً يُؤَدِّي إلى اللُّغَةِ
قَفَزَتِ الأَرْواحُ كُلُّها مِنْ عَيْني
إلى قاعِ هذه الوَرَقَةِ.
ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْ أحْشائِي دَفْعَةً واحِدَةً :
الشُّخوصُ القَصَصِيةُ،
والألواحُ الطَّائِرَةُ،
وأزْرارُ القُمْصانِ القَدِيمَة.

عامٌ أَوْشَكَ

– قَريياً –
لاشَيْء أَفْعَلُهُ
أَقْضِمُ أَظافِري
فيما أَصَابِعي أَتْرُكُها تَطولُ – أكثرَ – في المَقاهي
والحَاناتْ.

لديَّ ما أكتبهُ..

العامُ الذي أَوْشكَ
ها أنا أمْشي وَراءَهُ.
أمْشي
بلا فائِدَةٍ
مِنْ دُونِ أنْ أجُرَّ الظِّلالَ،
والأَشْجارَ،
والوُجوهَ الحَزينَةَ.

العامُ الذي أَوْشكَ
ها أنا أرْكُضُ وَراءَهُ.
بلا جَدْوى
أرْكُضُ
مِنْ دُونِ أنْ أضَعَ سَقْفاً للجاذِبِيةِ.

فقط
ألُفُّ لَفَّتَيْنِ
أو ثَلاثاً
سُيورَ حِذائي القَديمِ.
وأعودُ إلى الرَّكْضِ.

الآنَ
لدَيَّ ما أَكْتُبُهُ
عَنْكَ،
وعَنِ الغِيابِ،
ومَوْتِ هيباتيا الذي يُشْبِهُ مَوْتَكَ.

لَدَيَّ ما أَكْتُبُهُ
عَنِ المَوْجِ والفَراشاتِ.
عَنِ الصَّدى،
والعاصِفة.
عَنْ قُمْصانِكَ وأَزْرارِها.
عَنِ المَطَرِ القَليلِ الذي سالَ في مَوْتِكَ.

كُنّا في أخِرِ لِقاءٍ
أنا وأنتَ نتحَدَّثُ عَنِ اللَّيْلِ،
تُدَخِّنُ سيجارتَكَ، تَنْسى وتُشْعِلُ واحِدَةً أخرى، تَقْتَرِبُ مِنَ النّافِذِةِ، تَفْتَحُها، تَسْأَلُني عَنْ قصيدةٍ ووَرْدة، تَطْلُب مِنِّي أنْ أضَعَ
يَدي على رَأْسِكَ، أضَعُها، نَزُمُّ شِفاهنا فجْأةً.
ثم تُغادِر.


الكاتب : مصطفى لفطيمي

  

بتاريخ : 26/04/2024