ماذا عن اتحاد كتاب المغرب؟

وفينْ غادي بنا؟

 

يحق للمرء أن يفخر بانتمائه إلى منظمة «اتحاد كتاب المغرب»، كما يحق له أن يعتز بارتباطاته بأهل الفكر والقلم والرأي والأدب. إنهم أهل ولا أعَزَّ، ولا أرفع وأسمى. فعبر سنين عديدات ومديدات، كان الاتحاد في قلب «المعركة»، ما يعني في قلب النهوض والإنهاض، وتحسس السبل السالكة بالفكر والإبداع والفن بمختف تعبيراته، وتمظهراته، حيث مضاء الوعي، وواقع التأخر والتخلف مهماز ينخس المثقفين الشرفاء، ذوي الرأي الحر المستنير، والضمير الحي، كي يتموقعوا التموقع المطلوب، والتاريخي، والفوري، إلى جانب معذبي الأرض، ولفائدة وطن يئن، بالكامل، تحت جزمة سياسية واجتماعية واقتصادية، وثقافية لا شعبية، سياسة أراد لها أصحاب القرار أن تعلي من شأن قلة «بَشِمَة» يفيض مالها حتى لا مزيد، وتدوس أكثرية مغلوبة، ساسها النظام –أيامئذ- بالتجهيل والتفقير، و»تنخيب» التعليم، ورفع العصا الغليظة في وجه كل من يقول : أنا مظلوم.
هو ذا الواقع الآسن المقبور والمقهور الذي شحذ الوعي بما يكفي، وورط –بالمعنى الإيجابي- الأقلام في حبر الدم الشعبي بمعنيَيْهِ: الحقيقي والمجازي. فلم يكن يطرأ طارئ، ويحدث حادث، أو تقع واقعة ليس لوقعتها كاذب ولا كاذبة، حتى تنبري الأقلام المنحازة إلى الشعب المغلوب، كاشفة وفاضحة، ومنددة، ومتموقعه في آخر المطاف، ما جعل الدولة تحسب لمنظمة اتحاد كتاب المغرب، ألف حساب، وتلعب وإياها، الإغماضة والإفاقة، بحسب بندول الوعي، وميزان القوى، وبوصلة التحولات والمتغيرات، والطوارئ.
وسواء أكان الأمر سياسيا يتصل بلا شعبية قرار ما، قرار مجحف وظالم، أو كان الأمر اقتصاديا يَمَسُّ القوت الخام للمواطنين كمثل: الخبز، والحليب، والسكر، والزيت، والقهوة، والشاي، أو كان الأمر ثقافيا، يتصل ب «فبركة» وتفريخ جمعيات «ثقافية واجتماعية وتربوية، تلك التي سميت في حينها ب»جمعيات الجبال والوديان والسهول» ووصفت ب «الجمعيات التي ولدت وبأفواهها ملاعق من ذهب». أو كان الأمر تربويا بحتا يشكك في مجانية التعليم، ويعتبر التعليم عبئا لا تطيقه الدولة، وينال من حق التمدرس وتعميمه، ودعم المنظومة التربوية كثابت وطني واجتماعي وحضاري وثقافي، لا مجال للتملص منه، وترك حبله على الغارب.
وإذن، سواء كان الأمر هذا أو ذاك، مما ذكرنا، ومما تركناه في الظل، فإن اتحاد كتاب المغرب كان حاضرا حضورا فاعلا ومنتجا، بالمرصاد لكل ما يمس حرية وحقوق الناس البسطاء، وحق التفكير والتعبير، والتشغيل، ومجانية الخدمات العامة. ما يفيد بأن الثقافة لم تتخندق وتتشرنق على نَوْل الإبداع والفن والفلسفة وحدها، مديرة الظهر لمجريات الواقع واليومي، وما يتصل اتصالا مباشرا بتدبير الشأن المحلي والشأن العام على صُعُد السياسة والاقتصاد والثقافة والصحة والتعليم، كما أسلفنا.
ومن ثم، يحق للمنتسب – عهدئذ – لاتحاد الكتاب، التفاخر والتباهي، والدعاية لمنظمة ديمقراطية عقلانية «مستقلة» تستحق الإشهار والانتشار والدعاية. إذ كان في صميم العراك، ومعمعان ما يجري، وما يحدث، ويقرر، ويسري.
فهل من موجب –اليوم- للافتخار بذاك الانتساب؟ نعم، ولا.
نعم: لأن الاتحاد منظمة ثقافية تاريخية عتيدة، لعبت أدوارا طلائعية لا أحد ينكرها، أو يجحد فعلها وأثرها في سياسة البلاد الثقافية، رغم محاولات الالتفاف عليها، بهذا الشكل أو ذاك، وتسخير مرتزقة مشوشين، يخلطون ثقافة التنوير بأصداء البندير، وبخرافة «منكر ونكير»؟.
ولا: لأنها آلت إلى أشخاص لم يعد يربطهم بالثقافة والعقل التنويري، أي رابط، إلا ما كان من تسخير مكرهم وجسارتهم في ما يخدم أجنداتهم، وبرامجهم الرحلية، والسفارية، والتنقلية من بلد إلى بلد، والتقاط الصور على الجسور المعلقة، وبين قضبان «لاَتُورِيفيلْ»، أو على ضفاف نهر السين، وحائط سور الصين العظيم، وكوريا «السمسونية»، أو ما كان من «جوائز» و»تكريمات»، لا نعرف سبب نزولها، ولا رأسها من رجليها، وكيف تَحَصَّل عليها فلان من دون فلان، أو بعض الذين يذهبون –ونحن غافلون- إلى بلدان عربية أو أجنبية، ممثلين لنا في الشعر والرواية، والندوات الفكرية، والتوقيعات .. إلخ؟
لقد قلتُ ما قلتُ في المؤتمر الثامن عشر بالرباط، الذي انعقد قبل عشر سنوات( 2012)، وها هو المؤتمر التاسع عشر الذي انطفأ في اللحظات الأولى من انعقاده بطنجة في يوليوز 2018 وسط ضجيج وعجيج، ونقع مثار، يثبت ما ذهبت إليه. يثبت لكل ذي عقل وقلب وغيرة، وبصر وبصيرة، أن حال الاتحاد هي حال الأيتام في مأدبة اللئام. وأن الذي لا يحمل للاتحاد الحب الخالص، ويحمل للثقافة الاعتبار والتقدير والمسؤولية، يكون وبالا على المنظمة الثقافية، وممثلا خطيرا لها في الأوساط هنا وهناك، يقايض تاريخها، وذاكرتها، وتراثها المنير، بثمن بخس، بثمن زهيد، وجرم كبير.
وأن هيئة الاتحاد التنفيذية والتسييرية، ما هي إلا هيئة مكلفة من قبل المؤتمرات والمؤتمرين، عليها واجب العودة إلى المؤتمر متى ما قر قرار، وطرأ طارئ، وزمر زامر، وصاحت قُبَّرة !!.
إذ أن الهيئة إياها لا فضل لها ولا ميزة على الكاتبات والكتاب، إلا بالخدمة الثقافية التي تسعى حثيثا في الزمان والمكان إلى تطبيقها وبلورتها على أرض الواقع في أفق خدمة تاريخ وواقع ومستقبل الثقافة المغربية، الخدمة الجُلَّى، الخدمة الشريفة والموضوعية والنزيهة من دون انتظار جزاء ولا شكور. فالأمر في البداية والنهاية، إِنْ هو إلا تكليف وتطوع وإنصات، وتشاور، وعودة إلى المجلس الإداري، وإلى رموز الثقافة المغربية، وإلى الأعضاء.
فهل فعل ذلك المكتب المسير، مكتب ما بين المؤتمرين الذي حاد عن الجادة، عن القانون بتجاوزه ثلاث سنوات المنصوص عليها، والمتفق حولها، والمنظمة لولاية «الرئيس»؟.
اليوم، دعا المكتب التنفيذي لمنظمتنا، أو بالأحرى رئيس المنظمة، إلى عقد مؤتمر وطني استثنائي بمدينة العيون أيام 25-26-27 يناير الجاري، تحت شعار «جبهة ثقافية لنصرة قضية الصحراء المغربية».
والحال، أن هذه الجبهة قائمة منذ المسيرة الخضراء، بل وقبلها وستظل قائمة الى الأبد، إذ المسألة تتعلق بقضية القضايا، قضية وحدتنا الترابية وخصوصيتنا الغنية وهويتنا العظيمة المركبة. فلا يحسن بأحد، كائنا من كان، أن يسترزق بها ويستثمرها لفائدته ولخدمة أغراض معروفة، وأن يستعملها شعارا يتاجر به. إنها خط أحمر إلى جانب ديننا الإسلامي ومؤسستنا الملكية.

ــــــــــــــــــــــــــــ

*ملحوظة: هل يصح قانونا وشرعا بل وعرفا وأخلاقا أن يعود رئيس المنظمة إلى « قيادة المنظمة « بعد أن استقال من المسؤولية بمحض إرادته، ومن تلقاء نفسه، أو تحت ضغط الكتاب والمثقفين الأعضاء؟، ويدعو إلى عقد مؤتمر جديد على « أنقاض» مؤتمر طنجة؟، وما قول اللجنة التحضيرية المنتخبة في النازلة؟
إنها المبادرات الواحدية المنعزلة التي لا تؤدي إلا الى الباب المسدود.


الكاتب : محمد بودويك

  

بتاريخ : 04/01/2023