مبارك ربيع يناقش قدرة الرواية على الرصد التاريخي للواقع المغربي

في إطار فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي أسدل ستار دورته الثامنة والعشرين الأحد 12 يونيو 2023 بالعاصمة المغربية الرباط ، وضمن برنامج الندوات واللقاءات الفكرية التي نظمت على هامش هذا الحدث الثقافي الدولي، احتضنت قاعة الاوداية برحاب نفس فضاء المعرض يوم السبت 10 يونيو 2023 في الساعة السادسة والنصف مساء، لقاء حواريا فكريا مع الأديب و الكاتب المغربي مبارك ربيع، حيث كان اللقاء الذي تمت إدارة فقراته و حواراته من طرف الصحفي والشاعر ياسين عدنان، لحظة احتفاء بالمنجز الأدبي والروائي للكاتب مبارك ربيع، ومحاولة أيضا لرصد ممكنات الرواية المغربية كجنس أدبي يتداخل فيها ما هو واقعي بما هو خيالي، في التقاط وتمثل المجتمع المغربي في حركته الاجتماعية من خلال استحضار أهم ملامح التجربة الروائية لضيف اللقاء. ضمن هذا السياق أشار الصحفي ياسين عدنان في البداية إلى أن حضور صاحب رواية «الطيبون كضيف» على هذا الحوار الفكري هو في حد ذاته تكريم لأحد الأسماء التي أسست لتجربة الكتابة الروائية في مغرب ما بعد الاستقلال، أمثال آخرين كصاحب رواية «جيل الظمأ»الراحل محمد عزيز الحبابي، معتبرا أن مبارك ربيع يمثل قيمة إبداعية في مشهدنا الثقافي بما راكمه على مدى عقود طويلة من الكتابات الأدبية والإنتاج الروائي التي أكدت تفوق نفسها الإبداعي من خلال حصول الكاتب ربيع على عدد من الجوائز داخل الوطن وخارجه مثل جائزة المغرب للكتاب سنة 1969 أو الجائزة الأولى للرواية في المغرب العربي في تونس سنة 1971، بالإضافة إلى أخرى. المثير في هذه الندوة أنها أعادت طرح السؤال من جديد حول القدرة الممكنة للأعمال الروائية خاصة، تلك التي أنتجها مبارك ربيع، على ممارسة فعل التأريخ لجوانب ومساحات اجتماعية مهمة من الواقع المغربي. صحيح أن الشاعر ياسين عدنان ذهب في اتجاه اعتبار الرواية المغربية وروايات الضيف المحتفى به على وجه الخصوص، هي عمل توثيقي لمشاهد من الحياة الاجتماعية لمغرب ما بعد الاستعمار، خصوصا إذا علمنا أن المتن الروائي بطبيعته، وحسب وجهة نظره دائما قادر على أن يسجل لنا التاريخ الاجتماعي للمجتمع، حتى وإن بدا أن عنصر الخيال كمعطى بنيوي وعنصر وجودي حاضر في تشكل الرواية يعيق نظريا هذا الأمر، فإن ما سماه باستمرارية تماس الكاتب الروائي مع واقعه مهما بلغ أفقه التخيلي، هو الكفيل بأن يمنح للرواية على الأقل صفة مسجل لحركة المجتمع.
في المقابل، أكد مبارك ربيع على أن الطابع الانفعالي الذي يحكم كاتب الرواية والذي يجعل هذه الأخيرة في أقصى الحدود الممكنة، مشخصة أو ممسرحة لوقائع اجتماعية تجعل القارئ إلى حد ما أمام تاريخ متحرك. أما الكتابة التاريخية حسب تعبيره فتظل هي القادرة عمليا، على ممارسة فعل التأريخ والتوثيق لحركة المجتمع، ذلك أن المسافة الموضوعية النسبية وغير الانفعالية للمشتغل بهذا الجنس الفكري، تمنحه إلى حد ما شروط إنتاج كتابة هادئة وموثقة.
لقد حاولت الندوة في جانب آخر مساءلة النفس الروائي داخل بعض أعمال مبارك ربيع خاصة رواية «غرب المتوسط» التي اعتبرها ياسين عدنان ذات شحنة درامية قوية استطاعت أن تجمع عبر متنها الحكائي قصص شخوص، عاشت تجربة هجرتين اثنتين، هجرة من إفريقيا جنوب الصحراء نحو المغرب وهجرة من هذا الأخير نحو العالم الأوروبي. الأمر الذي أوضحه صاحب الرواية حينما أشار إلى أن هذه الرواية تتضمن حكيا روائيا، تتداخل فيه عدة عوالم تحركها ما سماها العلاقات الماسكة و الطاردة، ضمن مشاهد درامية قاسية بعضها عرف لحظات من الانفراج الواضح في متن الرواية. وقد شكل أدب الجريمة موضوعا هو الآخر، نطقت بها أنفاس هذا الاحتفال الفكري حيث اعتبر الشاعر ياسين عدنان أننا مازلنا في المشهد الثقافي المغربي مفرطين إلى حد ما في هذا النوع من الجنس الأدبي على مستوى الإنتاج، خصوصا أن إمكانياته تظل قوية في رسم ملامح الصراع الأبدي بين الخير والشر. ضمن هذا الإطار جاء الحديث عن رواية «أحمر وأسود» التي اعتبرها مبارك ربيع محاولة لرصد المناطق الرمادية في السلوك البشري من خلال الاشتغال روائيا على واقعة حقيقية من المجتمع، كانت بطلتها هي القاتلة والبريئة في نفس الآن، بشكل أكد حسب الكاتب نفسه أن الروائي، يمكن أن يتعامل مع وقائع معينة ليحولها و يشكل منها إبداعا أدبيا معينا.
شهد هذا الحوار الفكري في نهايته تدخل عدد من الأسماء الادبية والفكرية و بعض المهتمين بالحقل الادبي في بلادنا والتي حاولت أن تتماهى مع أهم القضايا التي طرحتها هذه الندوة الحوارية. حيث تساءلتالكاتبة رشيدة ينمسعود عن ماهية اللغة أو اللغات المستعملة داخل المنجز الروائي لمبارك ربيع، وأكد هذا الأخير أن طبيعة الموضوع هي التي أطرت لغة كل رواية، في حين ذهبت مداخلة الدكتور أنورالمرتجي في اتجاه الانتصار لحضور الأدب كحقل معرفي وسرد روائي يحركه السرد التخيلي بعيدا عن السردية المتوالية للأحداث التي تطبع حسب وجهة نظره التاريخ. الأمر الذي حاول مبارك ربيع التفاعل معه حينما أشار إلى أن عددا من رواياته حاولت حقيقة إنتاج خطاب روائي لكن بشحنة تقريرية، ناقلة لوقائع حقيقية، ذلك أن ما يهم في الأديب، حسب نفس الكاتب، ليس ما يقول ولكن كيف ينجح في القول. في حين طرحت مداخلة أحد الباحثين في التاريخ من جديد السؤال حول إمكانية اعتبار الرواية كتابة تاريخية بشكل من الأشكال، خاصة إذا تعلق الأمر بإمكانية رصدها لهوامش المعقول واللامعقول في حركة الانسان المغربي. وقد حرص الدكتور مبارك ربيع على التأكيد بأن الرواية تستطيع الكشف عن المسكوت عنه في الكتابة التاريخية، خاصة في ما يتعلق باستنطاق ذاكرة عدد من الشخوص الحقيقيين الذين ساهموا في صناعة هذا الحدث أو ذاك، ضمن نسق كتابة يحضر فيها الخيال الروائي كرابط بين حقائق الحكي داخل هذا النوع من الروايات.


الكاتب : سمير السباعي / تصوير: كوثر معروف

  

بتاريخ : 15/06/2023