مبدع من أصيلة : سعيد مساري «اللامرئي »

 

يضع سعيد المساري بين أيدينا رؤية للعالم عازمة على التخلص من الاحتمالات المادية، وتجاوزها. وقد يبدو الفنان التشكيلى التيطواني، الذي عاش لسنوات عديدة في مدريد حيث استطاع أن يجد كل التقدير الذي يمكن للفنان أن يطمح إليه، كنسخة ثانية لنحاتتنا ابنة طنجة عطاف بنجلون. نفس الأشباح تراود مبدعينا ويملكان نفس الموهبة لاستكشاف جذيرات الذاكرة كتلك القابعة في بحر النسيان. كلاهما يعمل على ظاهرة اختفاء العالم وربما كذلك على احتمال ظهوره من جديد لأنهما يكشفان عن الحقائق بنفس الطريقة التي يرميانها بها بحجاب. وهو فن الزوال الذي يجد صداه في أعمال خليل الغريب الفنان التشكيلي الصوفي من أصيلة والتي تدور حول التلاشي والفناء.
فإذا كان هذا الأخير يعالج قضية تدهور وتفكك العالم والبشر، وهو خطاب ثابت كرد منذ نشأة فنه، عبر الاستعانة بالآثار التي التقطها في الشوارع وعلى جدران المدينة القدي لمدينته الصغيرة، فإن سعيد المساري من جهته يميل إلى إيقاف الوقت ووضع العالم في حالة من التشويق والانتظار، تحت الجرس وفى حماية قوقعة أو طبقة من الجبس.
إنه عمل على الذاكرة سيدوم للأبد، فعالمه عالق في بياض وهذه قد تكون إشارة على النقاء والحياد المطلق، وعلامة على غياب المكان والزمان أعماله الدائرية التي تشبه العديد من الميداليات، ترسم فقاعات من اللاوجود لتجريد الكائن من الأشياء والتعبير عن جوهره الخالص، حيث تُجرد هذه الأعمال من أي أثر للزمن أي من كل وجود.
إن فقاعات الجوهر الخالص، شأنها في ذلك شأن الأشباح، هي بقايا الروح التي تظل تتألم عندما يختفي المحبوب.
إن الشخصيات التي يقدمها لنا الفنان مهما كانت المادية التي تثيرها، فهي تظهر في شكر صور أطفال أثناء جولة مرحة أو صور سجناء في نزهة: الجولة تعبر عن التكرار وأبديته وبطريقة أخرى، هذه الصور المرسومة بأسلوب واحد تستحضر بلا شك تلك الصور في النقوش البارزة المنحوتة على الصدفة أو على العقيق الأحمر بنفس الطريقة التي يقشر بها الطرس وننفض بها الغبار عن بقايا التراب في موقع التنقيب الأثري، ونقشر بها الفاكهة المحرمة: عن طريق الاستمرار في البحث عن جوهر الأشياء وذاكرتها. هذه اللوحات الدائرية تشكل شعارات نبالة غريبة، حيث يعبر السمندل الذي يتحدى النيران خرائط العالم الخيالية أو النصوص المقدسة المفككة. هاته النقوش التي نبقيها قريبة من القلب، تجعل المشاهد يستحضر ذكرى صورة كل شخص عزيز.
يقوم سعيد المساري بنحت نقوش العالم لتستشعر احساسه ورقته، وهو نوع من البسكويت مصنوع من الخزف الثمين الصافي مصمم لتذكيرنا بالقيمة والقداسة هذا الفنان التشكيلي يعرف كيف يقدم للعالم كل ما يحويه من كنور غير مرئية.


الكاتب : فيليب جويجيه

  

بتاريخ : 25/10/2023