مثل سنبلة ..

مثل سنبُلةٍ نبتت على شُرفات التَّاريخِ
يتمايلُ يمسحُ أدمع المقهورينْ
يُقاوم ريح الحاقدينْ
تستيقظُ شمسُ الكون بين راحتيه،
وتغفو عند قبره الزُّجاجيْ،
وينقرُ طيرُ المساء أولى النُّجومِ
يقتفي آثار الغائبينْ
من تُخومِ التَّاريخ جاء وفي يده
باقةُ الياسمينْ
يقطفُ الخلود من عين السَّماءِ،
وآيتهُ…
وردةٌ تطلقُ
أوراقُها صرخاتِ أنينْ
تمشي الميَّاه على أرضها، وهْي حافيةٌ
تُرشد الذِّكريات إلى من هُمْ على الجمر قابضينْ
من أغانيهمْ تفوحُ روائحُ أريج الياسمينْ،
والدَّمُ الدَّفَّاق يفرُّ مذعورًا
من وجه الظَّالمينْ
خوفًا من صدى صوتِ القادمينْ
خوفًا من رُفات المقهورينْ
في المساءِ على أثير البرقِ برقيَّةٌ في الظَّلامْ
«اختطفوا من هُناك القمرْ…»
كان سائرًا نحو حدائق النِّضالْ،
فلمْ يمهلوهُ بُلوغ الأجلْ
قتلوهُ على عجلْ
خافوا أن تستيقظ النُّجومُ،
وتطالبهمْ بدمِ «القدِّيس» الأعزلْ
غيَّبوه…فكان أوَّل الحاضرينْ
أيُّها الحاضرُ
فينا، لمْ تغبْ أبدًا عن رسومِ اللَّيالي،
وعن دفاتر السِّنينْ
كفراشةٍ تحومُ ذكراك بين الدُّروب العطشى
ترتدي الرَّماديَّ، تسافرُ عبر الجوِّ العاري
تدفعُ الورد نحو الحنينْ
مثل سُنبلةٍ نبتت على شُرفات التَّاريخِ
يتمايلُ يمسحُ أدمُع المقهورينْ
يقاومُ ريح الحاقدينْ
تتململُ أحلامهُ النَّدية على كتفيِّ الزَّمنْ
تنثرُ الأمل الماشي على ضوء القمرْ
فوق الحقول الذَّهبيَّة، تلك رسالتهُ
للسَّنابل في حقل الثَّائرينْ
سنابلُ خضرٌ، وأخرى يابسات
يسقها من روحه كيما تعود الحياةُ فيها من جديدْ
ألفُ سُنبلةٍ من زمان الألفيات
في الظَّلام البطيئ تضيئُ الدَّرب نحو مجدٍ تليدْ
رغمًا عن أنفِ الحاقدينْ
كمْ سعتْ ريحُهمْ لتمزيقِ خيوط السَّنابل…كمْ سعتْ معاولهمْ لخلعها من تُربتها، وهْي تأبى رغم عصف السِّنينْ
مثل سنبلةٍ تشرقُ الشَّمس من عينيها يبدِّد الخوف المزروع في الحقول
يحرِّضُ العصافير في أعشاشها على الغناءِ
تصطكُّ فرائصُ الظُّلمة حين ينامُ عند كتفيه
قمرُ تشرينْ
فسلامٌ على من تحملُ رياحُ القبور جذوره
لتزرعها في وادٍ غير ذي زرعٍ
كيما ينشُب فيه الرَّبيعْ
سلامٌ…على من ظلَّ قبلة السِّنين فوق كلِّ جبينْ


الكاتب : شعر: أحمد المهداوي