مثل شيء يشبه الغرق

(إلى فرجينيا وولف)

عبرت المرج مثل غزالة تمضي نحو فخ منصوب لطريدة،
كانت عين السماء دامعة،
كانت جبهة النهر تتفصد ماء،
كان رفات «بينكا» هو الآخر يراك بعينين لم يغمرهما التراب بعد،
كانت شجرة الدرداء قرب البيت تصلي صلاة خرساء،
وكان الأصدقاء الذين عرفتهم في ما مضى
يذوبون مثلما تذوب قطعان سكر في قعر كأس،
ألم يكن يكفي القليل من الغرق يا فرجينيا ..
لتحرري الجيوب من الحجارة ،
والمعطف من الماء
والنهر من الرعد
والحرب من الحمقى،
لم تكن «صدمة القذيفة» يا فرجينيا سوى صرخة في الدماغ ،
لم يكن العقل سوى دراجة مهترئة بعجلة مملوءة بالريح،
لم تكن الحرب سوى مزحة رجل معتوه
ويداك المرتعشتان
لم تكونا سوى شجر راقص،
أليست اليد التي كنت تكتبين بها مجرد غصن في شجرة الدرداء؟
أليست الكتابة مجرد جرح في جدار؟
أليس الحزن كوخا صغيرا سكنته وحشة محبطة؟
فلم حملت حجارة ثقيلة على كتفيك النحيفين ونزلت النهر يا فرجينيا؟
مخفورة بالصمت رميت جسدك الخفيف
مثل ريشة تدفعها ريح عطوف
ولم ترأفي بالماء، لم ترأفي بالتماسيح التي سكنت نهر» أوز» منذ آلاف السنين،
ولا بالضفادع التي هالها ما رأت ،
كان يكفي أن تقفي أمام النهر وتصرخين من شدة الهول،
ليحس الماء بفظاعة الحياة ،
كان يكفي القليل من الغرق لتفكي الأسماك من الشراك ،
كان يكفي أن تومئي لشجر اللبلاب
لتفر الطريدة بجلدها الأملس وتقف على كتفيك ،
مثل حمامة خذلها الشريك،
كان يكفي أن تحطمي الفؤوس التي خبأها الحطابون تحت معاطف الليل
كي تعيدي ورق الكتابة إلى حضن الغابة ،
كان يكفي أن تري الضباع الجائعة في الطرقات
لتكرهي الحياة أكثر يا فرجينيا،
تلك الحياة التي جفت على شفتيك الرقيقتين مثل قبلة يابسة ،
كأن نهر «أوز» – كان – مثل مسرح للدمى،
وكنت اللاعب الوحيد على الركح الذي تجاسرت عليه الخسارة،
كأن الماء لم يحتمل كل هذا الحزن الطاعن في اليأس يا فرجينيا،
فالكتب التي تركتها مفتوحة في باحة البيت
هجرتها الحكايات ،
والقصص التي كتبتها على حائط مخفور بالغياب
تهشمت حبكاتها،
والحبر الذي كتبت به الرسائل والأسرار صار دموعا عزلاء،
والكرسي الهزاز الذي كنت ترمين عليه جسدك المتهالك صار صخرة،
والموسيقى التي تحبين صارت نشيجا على كتف الحياة،
والكلاب التي نبحت في الليل صارت ذئابا،
وفراشا


الكاتب : عبد الله مهتدي

  

بتاريخ : 15/04/2022