“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل 05 : دليل الحياة في المجتمع الصِّينيّ

كونوا صرحاءَ، وأَعِدُّوا قائمةً بالسُّلوكات غير المدنيَّة الَّتي ارتكبتموها في الآونةِ الأخيرة.
هل قمتم صبيحة هذا اليوم مثلاً، بِرَمْيٍ مُهْمَلٍ على الرَّصيف؟ أو اجتزْتُم الطَّريقَ خارج ممرِّ العبور؟ أو نسيتُم أداءَ آخِرِ فاتورةٍ في الوقتِ المحدَّدِ لذلك؟
في الصِّينِ، دونما شكّ، سيكلِّفُكُم هذا السُّلوك المُخِلُّ مجموعةً من النُّقَط. نعم، نُقَطٌ تُخْتَصَمُ من رأسمالكم المبدئيّ. تُجَرِّبُ حوالي 40 مدينة في الصِّين، منذ سنة 2014، نظامَ «القرض الاجتماعي/Crédit Social «، والَّذي يتطلَّع لأن يجعلَ من 1.4 مليارمن السَّاكنة، مواطنين نموذجيِّين.
يُشْبِهُ الأمر من بعيد لعبةً حقيقيَّةً، يتولَّى الَّلاعبُ خلالَها البحثَ عن مكافآتٍ، وكذا عن إِقرارِ وتأْييدِ الآخرين. غير أنَّ العقوباتِ المُتَكَبَّدَة للأسف ليست وهميَّةً، إنها واقعٌ فعليٌّ ومحسوس.
تَتَشَكَّلُ الفكرة لدى الدَّولة بالفعل، عبر إنشاءِ نظامٍ للمراقبة على شكل نمطٍ لَّلعِبِ، أي في النِّهاية لعبٌ بقواعدَ غريبةٍ.
ينهضُ هذا النِّظام على مَبْدَأيْن اثنَيْن : العقابُ والإهانة، يتوجَّه المواطنون المعنيُّون، في حالةٍ من التَوَتُّر إلى مَقَرِّ البلديَّة، لِيسحبوا عبر شبَّاك آليٍّ، بطاقةً تُحَدّدَ مَدى انضباطِهم، وفي حالةِ عدمِ تجاوزِ عتبةٍ من النُّقط، يفقِدون بعضاً من حقوقِهِم، بما في ذلك إمكانيَّةَ السَّفر( أَلْغَتِ الصِّين، سنة 2018، ما يقارب 23 مليون تذكرة سفرٍ بالطَّائرة، أوِ القطار، وذلك وِفْقاً لتقرير المركز الوطنيّ للمعلومة حول القرض ).
يُمْكِنُ أيضاً منعهم من تقديم طلباتٍ لتقلُّدِ بعضِ المناصبِ، أوِ المطالبةُ بالسَّكن، أو من أجل استرجاعِ حسابٍ ائْتمانيٍّ. في حين أنَّ المواطنين النموذجيِّين الَّذين يُشارِكون طَوعاً في أعمالٍ جماعيَّةٍ، كالعمل لفائدةِ الحزبِ الحاكمِ، أوِ الَّذين يتولَّوْنَ فضحَ سلوكٍ غير متمدِّنٍ، فَهُمْ في عِداد الأبطال، تُعَلَّقُ صُورُهُم مُكَبَّرَةً في الفضاءِ العامّ، كَعُرْبُونِ امتنانٍ وتقديرٍ.
حِسابُ «القرض الاجتماعيِّ» هذا، بطاقةُ هوِّيةٍ ثانية، يُبْقِي الشَّخص تحت المراقبة.
إنه مُرَاقَبٌ بمئاتِ الملايين من كاميراتِ البلد، أكثر مِمَّا هو مُراقَب بنظراتِ مواطنِيه.
«پانوپتيك» قائمٌ في كلِّ لحظةٍ، يَتَعَذّرُ الإفلاتُ منه، أولئك الَّذين في أسفلِ التَّصنيف، يَلْحَقُهُم شيءٌ من الإهانة، تُعْرَضُ أسماؤهم ووجوههم تِباعاً تحت أنظارِ الجميعِ، على شاشاتِ السينِما، أو في محطَّات الحافلات. وفي بعض الولايات، كما هي الحال في «غاينون/Guanyun « قَدْ تَذْهَبَ مقاولةَ الوشايةِ إلى ما هو أبعدُ من ذلكَ.

*اللولاي / Laolai، أو رنَّة العار.
أصبحَ المستأْجِرونَ السيِّئون، المعروفونَ باسم « اللُّولاي بولاية غاينون / Guanyun « شرق البلاد، ومن خلال هواتفهم المحمولة، موضوعَ معاملةٍ خاصَّةٍ.
ففي سيَّاقِ تعاونِها الوثيقِ مع المحاكمِ القضائيَّة، أَلْزَمَتْهُم شركات الاتِّصالات الصينيَّة بِرَنَّةٍ مخصوصةٍ عند كلِّ اتِّصالٍ هاتفيٍّ لهم.
تتردَّدُ أصداءُ رَنَّةِ العارِ ِهاته، داخلَ الفضاءِ العامّ، ولا يستطيع « اللُّولاي « إخفاءَ وضعيَّتِه التَّعِسَة. وحالمَا يحاول أحدُ الأشخاص الاتِّصالَ به، تُستبدَلَ الرنَّة التقليديَّة بهذا الإعلان : «الشَّخصُ الَّذي أنتم بِصَدَدِ الاتِّصالِ به، تَمَّ وضعُهُ ضمن قائمةٍ سوداء مِنْ قِبَلِ المحكمة، أدعوكم إلى حَثِّه على الوفاء بالتزاماته القانونيَّة».
رسالةُ إهانةٍ، تُدَمِّرُ في رَمْشَةِ عيْنٍ (على الخطّ المباشر) سُمْعَتَه.
لِنُقِّرَّ، ليس ثمَّةَ ما هو أفضل من هذا لِثَنْيِ أي مشغِّلٍ محتملٍ عن تشغيل « اللولاي «.
الأنكى من ذلك، انتشر في ولاية «هيبي/ Hebei» تطبيقٌ يسمح بالضَّبْط ِالمَوْقعيّ، الجغرافيّ، للأشخاص المَدينِين، على مساحة 500 متر مداريَّة، وهي صيغةٌ تَحُضُّ المواطنين المتحَمِّسِينَ على زيَّارةِ « اللُّولاي « قصدَ إهانتِهِم أكثر.
في ظِلِّ شروطٍ كهذه، أنْ يستعيدَ «اللُّولاي» تماسُكَهَ، فذاك ما يبدو مهمَّةً شبه مستحيلة.
يَمْحَقُ هذا التَّشهير الدَّائمُ كلَّ نزوعٍ للتَّمرُّدِ، فالغالبيَّةُ العُظْمى من المواطنين تنحني مستسلمةً للرَّفع من رصيدِ رأسمالها من النّقط. أمَّا المنشقُّون، وهُمْ نُدْرَةٌ، فيُلْقَى بهم إلى سجون «شي جين بينغ / Xijin Ping «.
تَعْتَزِمُ الصِّين، حتَّى تَعُمَّ تدابيرُ «القرض الاجتماعيّ» كافَّةَ أرجاءِ البلادِ، مضاعفةَ أُسْطُولِهَا من كاميرات المراقبة بالفيديو. قبل مَتَمِّ سنة 2020، سيكون الأسطول مشكَّلاً من 450 مليون كاميرا، أي بمعدَّل واحدة لكل ثلاثةِ أشخاصٍ. تغطيةٌ لا نظيرَ لها عالميّاً. ثمانُ مُدُنٍ من أصل عشر، الأكثر مُراقَبَة في العالم، هي في الأصلِ صينيَّة.
نقلةٌ كِّمِّيةٌ ونوعيَّةٌ على حَدٍّ سواء، فالنِّظام يَعُجُّ بالكفاءاتِ البارعةِ في هذا المجال، كهذا الطَّائر الغريب المسمَّى «يمامة»، وهو عبارة عن كاميرا مُدْمَجَة ضمن طائرةٍ مسيَّرَة ( Drone )، ومزوَّدة بنظامٍ للتَّحديدِ المَوْقِعِيّ( GPS )، كي تُحَلِّقَ بِسِرِّية كاملةٍ فوق السَّاكنة، وفوق الحدود الجيوسيَّاسيَّة.
إنَّ الكاميرا الأكثر دقَّةً في العالم، والمزوَّدة ب 500 ميغا بيكسل، هي أيضاً، في الأصلِ، صينيَّة، ففي رمشة عين، تتمكَّن من رصد كلّ شخص مشبوهٍ، حتى وإن كان قد أوشك أن يَضِيعَ داخل حَشْدٍ من الجُمُوع، لقد باتت الصِّين سيِّدَةً في ما يُعْرَفُ بتقنيَّة «التعرُّف عبر الوجه / La Reconnaissance Faciale».
ابتداء من سنة 2019، تَعَيَّنَ على كلّ من يرغبُ في الحصولِ على هاتفٍ محمول، أن يُسَلِّمَ صورتَه إلى شركة الاتِّصالات التي تُحِيلُهَا بِدَوْرِها على الحزبِ الحاكمِ. هاتفٌ محمولٌ، سَيَكُونُ من الشَّائِعِ المُسْتَحَبِّ تَحْمِيلَهُ تَطْبِيقَ «Xueixiqiangguo»، احتفاءً بمجدِ رئيسِ الجمهوريَّة الشعبيَّةِ.


الكاتب : محمد الشنقيطي / عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 16/03/2024