“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: «سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل -35- عالم الما بعد، بين كراهية النساء وبين الذات

لا يمكن إلا أن نلحظ نوعا من بين الذات لدى نبوئيي وادي السيلكون. تابع «بتيرتيال» و»ايلون ماسك» دراستهما، معا، بجامعة ستانفورد الحاضنة الإيديولوجية الحقيقية للجهة، والتي جنت ثروة طائلة بفضل إعادة بيع موقع «باي بال» لفائدة موقع «إي بايeBay/» مقابل مليار ونصف المليار من الدولارات. العديد من اطر «باي بال» أنشأوا، مذاك مقاولاتهم وأصبحوا فاعلين أساسيين في السوق، كما هي الحال بالنسبة إلى «ريد هوفمان/Reid Hoffman» الذي أسس الشبكة المهنية»لينكدن/linkedin»، و»شادهورلي/chadhurley»، و»ستيف شين/stevechen»، و»جاود كريم/jawedkarim» الثلاثي الذي كان وراء تأسيس يوتوب وأيضا وراء إنشاء تطبيق «YeLp».
ولتأهيل هذا الفريق الذكوري، أطلقت عليه الصحافة الأمريكية لقب «مافيا باي بال»، أي فريق من الفتيان الذهبيين»Golden Boys»، على استعداد دوما للتكاثف.»ثيال» و»ماسك» أصبحا مستشارين لدونالد ترامب، هذا الملياردير الآخر، الذي يعتمد بكيفية واسعة، وعبر الاستثمار، موارد بلاده مستديما، بذلك، الأعمال التجارية بدءا من «بلانتير»، وحتى «سبيس إكس». «بيتر ثيال» مازال عضوا في مجلس فايسبوك الإداري، وكان أول مساهم خارجي فيه. «جيف بيزوس» يشاطر «ثيال» هوس الإنسانية الفائقة بدعم جامعة التفرد الخاصة «بكورزويل»، تماما مثل كوكل الذي أقام مؤسسه الشريك، «لاري باج/lary page» حفل زفافه داخل جزيرة صغيرة بالكاريبي في ملكية «ريشاردبرونسون/Richard Branson».
لن يفوتكم أن كل هؤلاء الأشخاص رجال بيض، وتلك واقعة تفضح السياسة المحافظة لقطاع التقنية الذي، تحت ذريعة تثوير العالم، يكرس ردود الفعل الشوفينية القديمة.تكافح النساء المقاولات من أجل أن تكن محترمات، ومن أجل إثارة اهتمام المستثمرين الذين هم ذكور في غالبيتهم العظمى، بدءا من «بيل غيتس»، وصولا الى «ستيف جوب»، مرورا بـ»مارك زوكيربرغ» ظلت، دوما، الصورة الإعلانية لقصة النجاح «succes story» هي تلك الخاصة برجل غريب الأطوار، راء، يتمكن رفقة أصدقائه، من مغادرة مرأبه ليعتلي سطح العالم.
ومع ذلك، فالنساء لعبن دورا حاسما في تاريخ تكنولوجيا المعلومات، لكنهن بقين أكبر المنسيات.
«تيل آدا لوفلاس/Telle Ada lovelace» ارستقراطية لندنية، زوجة عالم الرياضيات «شارل بابيج/charlesbabbege»، مبتكر المحرك التحليلي، وهو بين الآلة الحاسبة وبين أشكال البواكير الأولى للحاسوب. سطرت هذه السيدة، خلال سنة 1842، أول برنامج معلوماتي. يمكننا إذن، أن نؤكد: أول مبرمج كان مبرمجة، وهذا ما يدحض الحكم المسبق، كون النساء لم يخلقن لمثل هذا الوسط الأشد تقنية أكثر مما يمكن أن يطقن.
مع ذلك، تبقى الأرقام التي يقدمها «فوربس/Forbes» معبرة: لدى فايسبوك ولآبل وكوكل، سبعة مستخدمين من أصل عشرة رجال. الافتقار إلى الحضور النسوي يترجم جيدا، تحيز جنسانيا سائدا. لنذكر، هنا، أن «مارك زوكيربرغ» بات معروفا، في جامعة هارفرد، عبر موقع «Face mash» وهو برنامج تنقيط يصنف النساء طبقا لمواصفاتهن الجسدية.
وأبدا،لم يخف «بتير ثيال» كراهيته للنساء. إبان شبابه، شارك في إنشاء «مجلة ستانفورد/StanfordReview»، صحيفة محافظة ومناهضة للمساواة بين الرجل والمرأة، وعنصرية. كان الرجل خلال ذلك العهد معارضا لاندماج الأقليات داخل الوسط الجامعي، لأنها (الأقليات) قد تخاطر بإضعاف المستوى العام للجامعة. فيما يلي مقطع مستخلص من اعتقاده الليبيرتاري، والذي لم يفوت فرصة إثارته للجدل: «منذ سنة1920 ، حول التزايد الملحوظ للمستفيدين من الإعانة الاجتماعية توسيع نطاق حق التصويت ليشمل النساء مفهوم الديمقراطية الرأسمالية إلى نوع من السفسطة. «وأمام الاستنكار الذي لاقاه، سيقدم «ثيال» هذا التدقيق دون أن يتراجع، جوهريا، عن أقواله. «ومع أنني لا أعتقد في حرمان فئة من الأشخاص من حقوقهم، فلدي القليل من الأمل في أن يحسن التصويت الأشياء». في كلمة واحدة لـ»ثيال» رؤية نخبوية يتعين أن يضطلع بها، لا السياسيون، ولكن أفضل الأخصائيين ضمن كل قطاع، أدمغة ذكورية، بالأحرى، كما في ذهنه. لا يعتقد «ثيال» في جذوى حق التصويت. الأشخاص بحسبه ليسوا قادرين، جميعهم، على ممارسة الاختيار الأفضل بالنسبة إلى «الصالح العام». يمكننا أيضا أن نسوق حالة المهندس لدى كوكل، السيد «جيمس ديمور/jamesdemore»، والذي تم تسريحه من قبل مشغله، سنة 2017، إثر تسريب مذكرة داخلية يشرح فيها كيف «تختلف الاختيارات والقدرات لدى الرجال والنساءّ، في القسم الأكبر منها، اعتبارا لأسباب بيولوجية. ويمكن لهذه الاختلافات أن تفسر لماذا ليس لدينا تمثيلية نسائية متكافئة في القطاع التقني وفي قطاع الإدارة». ثمة فضيحة اندلعت قبل صدور مقال في «نيويورك تايمز» يظهر كيف تكتم كوكل بشأن مجموعة من قضايا التعنيف والتحرش الجنسي. عقب ذلك، شارك الآلاف من المستخدمين (17000 طبقا للمنظمين) في مسيرة احتجاجية من أجل فضح ممارسات المقاولة، وذلك في فاتح شهر نونبر من سنة2018، جابوا خلالها، أزقة العالم برمته، بدءا من مدينة «كوبرتينو/cupertino» بكاليفورنيا، وصولا إلى المقر بـ «بنيويورك»، مرورا بدبلنوسنغفورة، أوزوريخ.تعبئة غير مسبوقة في عالم التقنية، أجبرت الرئيس، المدير التنفيذي للمقاولة (Le PDG) «سانداربيشاي/sundarPichai» على الاعتراف بالمستوى الدوني الذي ابداه كوكل إزاء المسألة.
طبعا، التكنولوجيات الجديدة، ليست قطاع الأنشطة الوحيد الذي لم يحترم المساواة بين الرجل والمرأة، والذي تلطخ بفضائح التحرش الجنسي، أو أيضا، أدين بمعاداة النساء. لكن، يتعين أن ألا تكون هذه حال أولئك الذين يتباهون بإعادة ابتكار العالم نحو الأفضل بشطب أخطاء الماضي. مع ذلك، هذا العالم المسالم، الجديد، والمتكافئ، لا يمكن أن يتحقق دون الاحترام، ولا دون إشراك كل الفئات السكانية المعرضة للتمييز.


الكاتب : محمد الشنقيطي و عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 23/04/2024