“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: «سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل -36- سيلفي عالم يتهاوى

غدا، إن لم تعد تحكمنا دول ديمقراطية تضمن مبدأ كونية الحقوق، فثمة احتمال كبير لأن تحل القدرة الشرائية، التي هي غير متكافئة بطبيعتها، محل السلطة الانتخابية. التدخل في الصلاحيات العمومية، بات أمرا موضع التنفيذ، أيضا، بالنسبة إلى كوكل الذي تابع، بإنشائه «كوكل سيتي/googlecities» مشروعا أكثر واقعية من الجزر العائمة، أو من استيطان المريخ.
نوعا ما، بادئ الأمر، كان يتعين الإقامة في تورونتو.
مهمة منوطة بواحدة من شركات كوكل الفرعية «sidewalklabs» مقاولة يديرها «دانيال دوكتروف/danieldoctoroff»، نائب عمدة نيويورك السابق بموجب ولاية «مايكل بلومبرغ/Michael Bloomberg». منذ سنة 2017، طورت «sidewalk»، بشرق العاصمة الكندية، مدينة جديدة على مساحة خمسة هكتارات، منطلقة، في ذلك، من الصفر. مدينة متصلة وذكية ومؤمنة تستهدف إقامة «نماذج معيارية جديدة من أجل كوكب أكثر صحة»، وفقا لكلمات «دوكتروف».
مشروع يتطلع إلى أن يمتد، في مرحلة ثانية، على مساحة سبعة وسبعين هكتارا. استثمر كوكل، بالفعل، ما يقارب خمسين مليونا من الدولارات، وسطر، على امتداد 1500صفحة، رؤية مدينته التي تحمل نفس الاسم، هناك حيث ستكون مجسات إشارة المرور قادرة على التأقلم مع سرعة الراجلين، وبوسع جنبات الطريق تغيير موقعها طبقا لحركة سير السيارات ذاتية التحكم او طبقا لأحوال الطقس. حتى نسبة احتلال المقاعد العمومية، ستكون مراقبة على المباشر الحي، بالطبع ضمانا لأكبر قدر من الأمن. مدينة داخل مدينة منتظمة كدقات الساعة. تعد تورونتو بعشرات الآلاف من مناصب الشغل، وبمحلات سكنية حديثة للإيجار. يعتزم كوكل، أيضا، تمويل المواصلات العمومية متطلعا إلى تزويد منطقته بنظام قانوني استثنائي. دوما أثار هذا المشروع العديد من الانتقادات، وعلى الأخص ما يتصل منها بحماية البيانات الكندية التي ينشئها السكان، يغامرون بأن يكونوا عرضة للعثور على أنفسهم داخل الخوادم الأمريكية (Serveurs Américains). «بيانكا ويلي/Bianca wylie»، ناشطة من تورونتو، تتقدم الفعاليات المقاومة داخل المجتمع المدني، يساورها القلق بشأن التفاوتات في موازين القوة. القوانين، بالنسبة إلى المرأة الشابة، غير كافية للتفاوض بندية مع بنية قوية مثل كوكل، عملية سطو»Hold up»، وحرب «bataille»، حيث تلعب التكنولوجيات دور حصان طروادة «cheval de troie « لخوصصة المدينة. بكامل الوضوح، يصرح «جيم بالسيلي/Jim Balsillie» المدير السابق للشركة الكندية «Black Berry» لا يتعلق الامر بخارطة طريق تخص مدينة ذكية. إنه انقضاض على ديمقراطيتنا. أمام هذا التمرد، فكر المجلس البلدي لتورونتو، وفي وقت على قدر من الحساسية إزاء إغراء النداء الكاليفورني، في ما إذا كان هذا المشروع مفيدا للساكنة قدر إفادته كوكل. لم تنتظر مقاولة «SideWalk» قرار المجلس البلدي وأعلنت 7 ماي 2020 آخر أجل للتخلي عن متابعة مشروعها بسبب من «عدم الاستقرار الاقتصادي الناجم عن الأزمة التي رتبها كورونا فيروس». تخل عن تورونتو لا يمس في شيء تطلعاتهم.» على الرغم من أننا لن نواصل هذا المشروع المتميز، فإن حالة الطوارئ الصحية الحالية تشعرنا، وبقوة أكبر، بأهمية إعادة ابتكار المدن من أجل المستقبل». وإذا كانت الأزمة الصحية وراء هذا التوقف في تورونتو، فإنها قدمت للسيد «إيريك شميدت/Eric Schmidt»، الرئيس المدير العام لكوكل، الفرصة – الحلم لإقامة تقارب مع حاكم ولاية نيويورك بصفته خبيرا استشاريا من أجل إعادة ابتكار المدينة العملاقة في عصر ما بعد كوفيد. التكنولوجيات الجديدة، بالنسبة إلى «إيريك شميدت» كانت ترياقا خارقا ضد الجائحة، وقد حان الوقت للذهاب أبعد من ذلك، لاسيما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترفض أن تلحق بها القوة الصينية. تشكل هذه الشراكة، بالنسبة للباحثة «نعيمي كلين/Noémie Klien»، تهديدا بالنسبة إلى الباحثة ذلك أنه «يوجد في الصميم من هذه الرؤية تكامل كلي بين الحكومة وبين كمشة من عمالقة وادي السيليكون- فمع المدارس العمومية، والمستشفيات، والعيادات الطبية، والشرطة، والجيش، الجميع يتعاقد، من الباطن، على العديد من وظائفه الأساسية مع مقاولات تكنولوجية خاصة»، بالنسبة إلى الباحثة، ترى المقاولات أن «الوقت قد حان للتحلل من كل التزام ديمقراطي كيما يكون لها نفس نمط السلطة الذي لمنافساتها، المقاولات الصينية التي تنعم برفاهية في الاشتغال دونما عرقلة من خلال التدخل في حقوق العمال، أو في الحقوق المدنية…. تمنحنا التكنولوجيا أدوات قوية، لكن الحلول ليست، جميعها، تكنولوجية».
غدا سنكون، دائما في مواجهة أكثر مع هذا الاختيار المجتمعي الحاسم في شأن تصميم فضاءاتنا وتصور حريتنا، سواء أعهدنا بذلك إلى مقاولات خاصة، حتى وإن أملت قانونها، أو إلى منتخبين ضمن احترام ديمقراطي. يتعلق الأمر، هنا، بمسألة إقامة نموذج لـ»كوكل-مدينة الذكي/Smart Google Cities»، والذي يمكنه، في نهاية المطاف، أن يظفر بالجزء الأعظم من الكوكب. أحياء، في البداية، ثم مدنا، وجهات، وربما يوما ما بلد بأكمله. يتناغم هذا التطلع وطموحات «بيتر ثيال» أو «ايلون ماسك». ذاك ما رأيناه على امتداد فصول الكتاب.
تستثمرالكافام في مجالات الصحة، والدفاع، والتعليم، والعملة، والثقافة، والتربية، وتبقى اللائحة بعيدة عن أن تكون محصورة. الدولة الحديثة ذات السيادة، طبقا للفيلسوف «جون غابريال غاناشيا/jean gabrielganascia»، «والتي يفترض أن تضطلع بعدد من الوظائف، تجد نفسها، من الآن وصاعدا، متجاوزة من قبل الفاعلين الصناعيين الكبار في مجال التكنولوجيات عالية الدقة، والذين يرغبون في الاضطلاع بنفس هذه الوظائف عوضا عنها، وأفضل منها، وبأقل تكلفة». لو غدا، قدمنا أرضا للكافام، فستكون لها الإرادة، والأدوات، والدراية العملية لكي تستثمرها من أقصاها الى أقصاها، مشيدة بذلك دولة. لئن جازفت بتقديم بورتريه لعالم المستقبل كما ترسمه التقنية، فلأن من صاغ هذا العالم، حتى حدود هذه اللحظة، هم رجال بيض مهووسون بشيخوختهم، باحثون عبر أحياء محجوزة سلفا، وعبر المحيطات، أو عبر غزو فضائي، عن إمكانية أن يوفروا لأنفسهم أرضا مضيفة بهدف مواصلة البحث عن الخلود: كل ذلك ضمن حضارة جديدة ذات منزع ليبيرتاري. ووحدنا، نحن، من يعود إلينا أمر رفض الحضور داخل هذه الصورة، كما إلينا، وحدنا، يعود أمر التحصن حول إنذار حميمي وجماعي لتنظيم المقاومة، متصورين، جماعيا، منظورا آخر.
(انتهى)


الكاتب : محمد الشنقيطي و عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 24/04/2024