محمد جمال الصباني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» : إصلاح الجامعة رهين بتوحيد التعليم العالي في جامعة موحدة المعايير ومتعددة التخصصات

 

تعرف الساحة الجامعية جوا من الاحتقان والتذمر العارم من طرف الأساتذة في كل مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي مما أدى إلى خوض النقابة الوطنية للتعليم العالي لإضراب عام وطني لمدة 72 ساعة شل جميع مرافق الساحة الجامعية، بسبب سياسة ربح الوقت من طرف الوزارة الوصية، والتي سارعت إلى دعوة النقابة الوطنية للتعليم للقاء برمج يوم 23 يونيو .
وتعتبر النقابة الوطنية للتعليم العالي أن المدخل الوحيد لأي إصلاح جدي هو توحيد التعليم العالي في جامعة موحدة المعايير ومتعددة التخصصات.
في هذا الصدد نحاور محمد جمال الصباني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي لتوضيح كل النقط التي تخص إصلاح الجامعة المغربية …

– ما هي الأسباب التي أدت إلى دعوة النقابة الوطنية للتعليم العالي إلى إضراب وطني أيام 7 و8 و9 يونيو 2022؟
– قررت اللجنة الإدارية في اجتماعها ليوم 29 يونيو خوض هذا الإضراب لأنها اعتبرت أن المقاربة الشمولية لعملية إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي لا يمكن أن تعطل أجرأة الملفات الجاهزة والمتفق بشأنها بين النقابة الوطنية للتعليم العالي والوزارة الوصية. وبأن الإسراع بإخراج النظام الأساسي للأساتذة الباحثين من شأنه أن يرفع المعنويات ويضمن الانخراط الفعلي والتام للسيدات والسادة الأساتذة الباحثين في إنجاح الإصلاح المنشود. في المقابل يعيش الأساتذة الباحثون حالة من الاستياء جراء مسلسل حوار دام مدة طويلة، دون أن تتم أجرأة ما تم الاتفاق بشأنه. إن هذا الاستياء يفسر نجاح الإضراب بنسبة مشاركة غير مسبوقة بلغت 99,99%.

– ماذا تقصدون بـ»مدة طويلة من الحوار»؟
– المدة، باعتراف السيد الوزير نفسه، تفوق 20 سنة، وهذه مدة طويلة جدا! طرح المكتب الوطني سنة 2001 استعجالية مراجعة النظام الأساسي الحالي.

– لماذا طالب المكتب الوطني بمراجعة نظام أساسي بعد بضع سنوات فقط من صدوره في الجريدة الرسمية؟
– النظام الاساسي لسنة 97 جاء بحل بعض المشاكل (توحيد دبلوم الدكتوراه، إقرار المباراة عند دخول المهنة، تسريع وتيرة الترقيات…) لكن تضمن عدة عوائق (مدخل واحد، مباراة للترقي إلى أستاذ التعليم العالي والتي لم تنظم، جمود في الترقي…). اعتبرت النقابة آنذاك أن هذه النواقص ستنعكس سلبا على تشجيع البحث العلمي في بلادنا مما دفع بالمكتب الوطني أن يطالب بنظام أساسي جديد سنة 2001 لكن الحكومة فضلت مراجعة قيمة التعويضات تفاديا للمس بالنصوص المؤسسة للإصلاح حتى تراكم تجربة كافية لتقويم الاصلاح.

– وما هي مبررات الحكومة؟
-هذا راجع إلى تمسك الحكومة آنذاك بإنهاء مسلسل الإصلاح. هذا المسلسل الذي انطلق بتشكيل «اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم» والتي بدأت أشغالها في غشت 1994، ثم جاء النظام الأساسي للأساتذة الباحثين (سنة 1997) ثم الميثاق الوطني (سنة 1999) بعد ذلك تمت المصادقة على القانون 01.00 المنظم للتعليم العالي (سنة 2000)، وانتهى المسلسل بالإصلاح البيداغوجي (سنة 2003). وهكذا ستؤجل الحكومة النقاش حول الإصلاح إلى وقت لاحق. حكومة 2007 بدورها ستحاول استدراك بعض النواقص في الإصلاح وستقترح ما سمي بالبرنامج الاستعجالي 2009-2012، في هذه الفترة (بين 2005 و 2011)ستنكب النقابة على طرح بعض المشاكل الفروية العالقة (حاملي الدكتوراه الفرنسية، المدارس العليا للأساتذة، المجنسين، حاملي دبلوم الدراسات العليا…) في انتظار فتح الحوار حول الإصلاح الشمولي. الشيء الذي سينطلق مباشرة بعد دستور 2011.بالفعل ستطرح الوزارة ملاءمة القانون 01.00 مع الدستور الجديد، وبطبيعة الحال سيفتح نقاش حول إصلاح جديد يهم مراجعة القانون المنظم للتعليم العالي، والنظام الأساسي، والإصلاح البيداغوجي. بدأ الحوار حول الإصلاح الشمولي مع وزير التربية الوطنية والتعليم العالي السيد اخشيشن، ثم استمر مع السادة الوزراء: الداودي ثم حصاد ثم أمزازي.
بالنسبة للقانون المنظم للتعليم العالي فتح هذا الورش مع السيد اخشيشن، في البداية من أجل بعض التعديلات البسيطة، لكن مع الحكومتين السابقتين وقع تلكؤ غير مفهوم، كثرت فيه التسريبات لعدة صيغ، آخرها صيغة 21 يونيو 2021، وتبين بالملموس أن الحكومتين السابقتين لم تهتما بالتعليم العالي إلا في مجال خوصصته.

– وماذا عن النظام الأساسي؟
– بالنسبة للنظام الأساسي للأساتذة الباحثين بدأ النقاش حوله سنة 2012، صودق على المبادئ العامة في المؤتمر العاشر سنة 2013. بعد ذلك تشكلت لجنة مشتركة بين النقابة والوزارة الوصية وبدأت تشتغل منذ سنة 2014، وقدم المكتب الوطني بخصوص هذا الموضوع ورقة في فبراير 2015، وبعدها تم عقد سلسلة من الحوارات الماراتونية توجت بالاتفاق على مشروع مرسوم في أبريل 2021. لم يبق سوى إطلاق مسطرة اعتماد مشروع المرسوم.

– لماذا مراجعة القانون 00-01؟
تهدف مراجعة بعض بنود القانون 00-01، إلى المساهمة في إصلاح منظومة التعليم العالي، باعتبارالقانون 00-01 الإطارَالذي يحدد مهام منظومة التعليم العالي وأهدافها وحكامتها وكيفية اشتغالها. مراجعة بعض البنود لهذا القانون كانت مطلبا لنقابتنا، لكن منذ الدستور الجديد لسنة 2011 أصبحت هذه المراجعة تفرض نفسها من أجل ملاءمة هذا القانون بالمقتضيات الجديدة للدستور. وبالفعل، تم فتح هذا الورش مباشرة بعد يوليوز 2011 من طرف وزير التعليم العالي ذ. اخشيشن آنذاك، ومنذ ذلك الوقت والنقابة الوطنية للتعليم العالي تطالب باستئناف الحوار حول هذه المراجعة قصد الانتهاء منها في أقرب الآجال.

– ماهو تصوركم لأهم التعديلات من أجل إصلاح المنظومة؟
– إننا نعتبر، في النقابة الوطنية للتعليم العالي، أن المدخل الوحيد لأي إصلاح جدي هو توحيد التعليم العالي في جامعة موحدة المعايير ومتعددة التخصصات.
كما نعتبر أن إبقاء المعرفة في المجال العام شرط أساسي لإنتاجها وبالتالي شرط أساسي لتقدم البلاد.كما ونعتبر كذلك أن استقلالية المعرفة شرط أساسي للمحافظة على مسافة نقدية بالنسبة للمجتمع وللسلطات المختلفة، لأن هذه الاستقلالية هي الضامن لدمقرطة المؤسسات. نعتبر كذلك أن الربط الجوهري بين التكوين والبحث العلمي هو الذي يضمن نقل معرفة نقدية تمكننا من بناء المجتمع الحداثي.وأخيرا إننا نعتبر أن ولوج التعليم العالي لكل المواطنين، وفق الآليات والضوابط العلمية، شرطٌ ضروريٌ لتحقيق العدالة الاجتماعية.

– وماذا عن الإصلاح البيداغوجي؟
– الإشكالية الكبرى في منظومة التعليم العالي لا توجد في النظام البيداغوجي.الإشكالية الكبرى تكمن في عدم احتكار الجامعة العمومية لمهامها الطبيعية والمتمثلة في تكوين النخب وإنتاج المعرفة خلافا للتجارب الناجحة للدول النامية. من وجهة النظر النقابية تتمثل ‹›الخطيئة الأصلية›› والقاتلة في ‹›البلقنة›› التي عرفها التعليم العالي منذ منتصف الستينات وأدت إلى الفصل بين مؤسسات تابعة للجامعة ومؤسسات غير تابعة للجامعة. مؤسسات ذات استقطاب محدود تلقن معرفة مهنية صرفة حرمت من البحث العلمي، ومؤسسات ذات استقطاب مفتوح تلقن معرفة أكاديمية صرفة بإمكانات دون الحد الأدنى الضروري لبحث علمي جدي. بعد هذا التقسيم في الفضاء التعليمي إلى جزء داخل الجامعة وجزء خارجها، جاء في الثمانينات تقسيم الزمن التعليمي إلى تعليم باللغة العربية قبل الباكلوريا وتعليم باللغة الفرنسية بعد الباكلوريا. ثم ظهر تقسيم جديد، منذ منتصف التسعينات، بين مؤسسات مؤدى عنها وأخرى غير مؤدى عنها. فالمؤسسات المؤدى عنها تستفيد من الدعم العمومي ومن شروط للترخيص أقل بكثير من الشروط المفروضة على المؤسسات والجامعات العمومية. هذه الازدواجية بين مؤسسات مؤدى عنها وأخرى غير مؤدى عنها، ستؤدي إلى تعليم عالي بسرعات مختلفة ضدا على مبدإ تكافؤ الفرص المنصوص عليه دستوريا.تُعتبر إذن هذه الوضعية التي يعرفها التعليم العالي والتي تتميز بشتات وبلقنة أهمَّ عائق في وجه أي إصلاح حقيقي. من هنا نستنتج أن الإصلاح البيداغوجي ربما سيعالج الأعراض ولا يعالج الأسباب الحقيقية. لذلك نعتبر في النقابة الوطنية للتعليم العالي، أن المدخل الوحيد لأي إصلاح جدي هو توحيد التعليم العالي في جامعة عمومية موحدة المعايير ومتعددة التخصصات. إن هذه القناعة لم تبق قناعة نقابية فقط، بل أصبحت منذ 1999 محط إجماع وطني كما هو مكتوب في الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي لا يزال ينتظر الأجرأة!


الكاتب : حاوره : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 14/06/2022