مخزون منصة الوات ساب بين تدبير المخاطر وانجراف التمثلات

تم تأسيس منصة التواصل الاجتماعي WhatsApp سنة 2009 من قبل الأمريكي بريان أكتون والأوكراني جان كوم (الرئيس التنفيذي أيضاً)، وكلاهما من الموظفين السابقين في موقع ياهوYAHOO ويقع مقرها في سانتا كلارا بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
وكلمة واتساب(بالإنجليزية WhatsApp) هو تطبيق تراسل فوري متعدد المنصات للهواتف الذكية، ويمكن بالإضافة إلى الرسائل الأساسية للمستخدمين إرسال الصور والرسائل الصوتية والفيديو والوسائط. ويتنافس WhatsApp مع عدد من خدمات الرسائل الآسيوية. ويتم إرسال أكثر من 47 مليار رسالة يومية على ال WhatsAppوقامت شركة الفيس بوك بشراء الواتسآب في 19 فبراير من العام 2014 بمبلغ 19 مليار دولار أمريكي
في عملية استمزاج تفاعلية استقصائية على منصة الموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، شملت عينة من الأشخاص التواصليين بامتياز وتوخت الصراحة والموضوعية بالأساس، تم طرح السؤال التالي «ضاع منك هاتفك الذكي في ظروف غامضة، مالذي يحزنك فقدانه – ذاكرة أرقام الأصدقاء- أم وثيقة معينة- رسالة صوتية أوديو أو صورة شخصية؟
وعلى الرغم من طبيعة السؤال الاختيارية وغير الملزمة، فقد كان مذهلا حجم التفاعل الكبير والاندماج العفوي مع السؤال، بدا ذلك واضحا من خلال حجم الردود والتعقيبات وما تحمله من صراحة وموضوعية، مما يفرض إحالتها على متخصص نفسي وعالم اجتماع لتفكيك وتحليل معطياتها، وترصيد ما يمكن أن تسفر عليه هذه العملية من خلاصات مركزة تؤسس لممارسة إيجابية لمنصات التواصل الاجتماعي بشكل يضمن استعمالها واستثمارا على النحو الأفضل.
كانت اللحظة بمثابة وضعية مشكلة،انخرط الجميع في أتونها، فسحة حقيقية للبوح ومساحة بلا أفق للتفريغ والمكاشفة، بالموازاة مع ذلك، كانت الحاجة ماسة لخلية للتفكيك والتحليل للتصنيف وجرف الخلاصات، نحو فهم استكناهي لتمثلات الأشخاص لعملية تخزين الملفات والمعطيات الخاصة عامة، وطبيعة الصورالمخزنة في هواتف السيدات على تطبيق «الوات ساب» على نحو خاص.
والحقيقة، أن طبيعة الردود وتفكيك رموزها يحتاج إلى حيز علمي وتواصلي على قدر من الجرأة والموضوعية وإذا كانت الردود في مجملها تعبر عن رغبة حقيقية في التواصل بهدف المعرفة، فإن طبيعتها المرمزة والمشفرة تحتاج إلى آليات ومنهج عمل يستند إلى المنطق العلمي، وهو ما سنتبعد عنه إلى حين. فثمة ردود جاءت على شكل علامات مرموزة، وأخرى هامسة غير قابلة للتفكيك للوهلة الأولى، وأخرى عسيرة الهضم تماما. وقد أفضت عملية التفريغ والتصنيف في نهاية المطاف إلى تصنيف ثلاثي الأضلاع، آراء تكشف حجم القلق لضياع المخزون، وأخرى تنشرح لفقدانه، وثالثة تكاد تصاب بالجنون لمجرد التداول في الأمر.
في هذا السياق، تكشف إحدى المتواصلات اجتماعيا أنها لا تثق في هاتفها المحمول، لأنها يمكن أن تخسره في أي لحظة، وتضيف في نبرة متفائلة: «غالباً ما أحافظ على إحداثيات الأقارب والأصدقاء في دفتر خاص صغير جانباً أضمنه ملاحظاتي ومشاعري وأحيانا خصوصياتي، لذلك وبالموازاة مع الاحتفاظ بالصور في هاتفي هناك نسخة محفوظة في جهاز الكمبيوترالخاص بي، ولا أستخدمها على هاتفي «
وتورد زميلة لها مستطردة لقد سبق وتقاسمت حالة معينة وقعت لي شخصيا وعشت ارتباكا ملحوظا تزامنا مع ضياع هاتفي، لكني وبصراحة، تضيف المتحدثة، بادرت إلى القيام بكل الإجراءات التقنية الممكن تفعيلها بخصوص الحد من هذه الخسارة اللامادية سواء عبر اليوتوب أوغوغل، كانت هناك صور حميمة مخزنة وأخرى لن يجود الزمان بمثلها ثانية. تسكت ثم تتابع الكلام»اليوم صار تتبع مكان تواجد الهاتف الضائع ممكنا، ويمكن تخريبه عن بعد «تضيف في انتصارواضح.
وتلفت نظرنا متواصلة أخرى إلى خيار تعتبره من المسلمات في مجال ثقافة تدبير الهواتف الذكية، فتكتب صديقتنا بتعالم « كما تعلمون أستاذي، هناك تطبيقات تجعل الهاتف الذكي لا يفتح إلا برقم سري، ولا يمكن إزاحة هذا الرقم إلا بإزاحة كل محتويات الهاتف كله ما يعني أن المخزون من المعطيات مآله التدمير في كلا الحالتين.
ولا تنكرناشطة فايسبوكية رابعة حزنها وتقول في أسى ظاهر «سيحزنني فقدان بعض مذكراتي التي أدونها تقريبا كل ليلة، وكذلك الصور. أما عن الأرقام والبيانات فأغلبها لاتهمني، إن لم أقل كلها، أن الهاتف الذكي حامل عالمي، ومقبرة أسراري، وتضيف في مرح «لله يستر لي تيلفوني».
فيما يوضح مروان أبو زايدة مواطن فلسطيني من غزة مخاطبا الجميع»اليوم مع التقدم التكنلوجي المتسارع في عالم السوبيرناتيكا، بإمكانكم تخزين محتويات الجهاز الذكي على حسابكم في غوغل الخاص بالصور، وكذلك قائمة أرقام الأصدقاء، وحتى ملفات أخرى بحجم كبير يتسع تقريبا لذاكرة الجهاز. ويضيف أبوزايدة» بالإمكان استعادة بياناتكم المسجلة على حسابكم في أي وقت ومن أي جهاز، أما الصور والمستندات الموجودة على الجهاز فيمكنم حذفها بالدخول إلى حسابكم. ويختم المتواصل الغزاوي تعليقه قائلا: في الأجهزة الرقمية الحديثة، لا يمكن استخدام بياناتك على الهاتف الذكي إلابفتحه بالبصمة، أو الرقم السري الخاص. وبالتالي لايمكن استخدام الهاتف إلا بعد مسح جميع محتوياته، وما خفي كان أعظم.
ويثري النقاش محمد حداد صحفي وفاعل جمعوي وناشط إعلامي «ما يحزن بل يثير الغضب كون هذا البلد من البلدان القليلة التي تنتشر فيها سرقة الهواتف بهذا الشكل، بحيث لا يخرج أي مواطن من بيته أو مقر عمله وهو مطمئن على ممتلكاته وحياته. ويقارن الوضع بحالة دول أخرى» تتجول أوروبا كلها وحتى ليلا. ولا تشعر بالخوف. هنا لا ينفع شيء بعد الضياع، حتى التصريح لدى الشرطة يكون دون جدوى، سيما إذا كان المواطن الضحية من الدرجة الثالثة فما فوق. أما إذا كنت مسؤولا كبيرا أو هرما في السلطة سيختلف الوضع رأسا على عقب، وقد تسترجع هاتفك بعد ساعات من ضياعه، وهذا ما يشجع اللصوص والمجرمين على التمادي.
ويحكي خالد الصنهاجي قصة ضياع هاتفه بحسرة بالغة «ضاع مني هاتفي قبل يومين حين سقط من يدي في الماء. في الحقيقة لم أفقد أي شيء، أرقام الأصدقاء والصور وحتى بعض الألعاب التي كنت أنشغل بها، كل شيء عاد للهاتف الجديد فور استعماله وإدخال»جيميل». ما ضاع في الحقيقة هو ثمن الهاتف.»
لا تتأسف طالبة جامعية على ضياع الهاتف بقدر أسفها على فقدان حجم كبير من رسائل الأوديو ذات النكهة الخاصة من غيرأن تستطيع فرزها وتمييزها بعناوين محددة، وتتلقف زميلة لها التعقيب مستطردة «قبل تقاسم رسالة صوتية أوديو على الواتساب أو أي منصة أخرى، لابد من وضع عنوان لها، أي كتابة جملة تعرف بمحتواها قبل إرسالها إمعانا في التقاسم الذكي وتفاديا للحذف المبكر».
ويعقب الشاعر الدكتور عبد الرحيم أبو صفاء بقوله «كم من مرة خطرت لي هذه الفكرة، كنت أتوجس من اقتراحها على الأصدقاء، قد يحسبونها رغبة في عدم التواصل.
وتبدي متواصلة أخرى شغفها بالواتساب، لكن حزنها الظاهرلا تخفيه أبدا عندما يتعلق الأمر بفقدان بعض الصور الموثقة للحظات جميلة سواء مع العائلة أو مع بعض الأحبة ثمة صور تذكارية لا تقدر بثمن، وهناك المواضيع المكتوبة المخزنة فيه، تقول صديقتنا قبل أن تضيف «بعض التسجيلات الخاصة والمهمة لا يجب أن تكون عرضة للضياع والفقد، في مثل هذه الحالات وجب تدمير محتويات الهاتف ولو عن بعد حتى لا تستغل من قبل أحدهم .
ويشعر صاحبنا بألم عميق حين يتذكر واقعة الفقدان هذه ويترجمها قائلا «اﻷرقام، وصوري التذكارية ضاعت، وللأسف، وقعت لي أكثر من مرة، ولم أتعلم من الخطأ، لكني اليوم أحتفظ بهذا المخزون في شريحة أخرى، إنه عمل مضن لكنه آمن ولا تتردد حنان سعيدي في اعتبار ضياع هاتفها أمرا عاديا، حيث تقول بثقة بالغة»سأشتري واحدا آخر، وسأضطر لدفع مبلغ مالي إضافي كنت في غنى عنه، في إشارة إلى أنها لا تمتلك مخزونا تحزن على فقدانه.
وإذا كان ذ عبد الكريم الموخي يعتبر الهاتف الذكي مثل بيت النوم مليء بالأسرار، فإن أمل العلوي التايكي ترى عكس ذلك تماما، فلا أسرار ولا ستائر، للهاتف دور مهم في حياتنا اليومية، نختزن فيه بعض المعلومات المهمة بخصوص نوعية عملنا، إضافة إلى مجموعة من الصور التذكارية، وزد على هذا أرقام هواتف مهمة. وتستشهد أمال بجرأة حادثة اختفاء هاتف نكافة وقعت الصيف الماضي بإحدى المناسبات. قد لا تتصورون ما حدث ..انهار كل شيء وتغير كل شيء في لحظة واحدة.
أما شيخ المصورين وعميد عشاق اللقطة حميد حاجي 74 سنة لايخفي قلقه قائلا:أن فقدان الهاتف يترك غصة غائرة في القلب. إنها الشماتة نحس بها للتو. ولتفادي مثل هذه الارتباكات سيربط حاجي هاتفه بشريط خاص مع المفاتيح وغيرها من الأشياء التي تحدث صوتا، وقد تنبه عندما تسرق أو تلتف. نحن المسنين نعاني من النسيان، يقول حميد حاجي والحل الوحيد هو المحافظة علية (رباط) خاص. كما أنني عملت على شحنه بطريقة (الرنين) كل ساعة ليسهل ضبط مكانه وبالأخص في المناسبات والمخيمات الصيفية .»
ويورد صحفي مهني ماجرى له بساحة فلورانس بفاس، أثناء تغطية تجمع خطابي لحزب الاستقلال، كان ذلك على أبواب الإنتخابات التشريعية، حين ضاع منه هاتفه الذكي وسط جمهور الهاتفين بحياة الزعيم، ويضيف بحسرة بالغ « لم أحزن إلا لمستوى المناضلين الجدد، الذين تراهن عليهم ديمقراطية الوطن».
اليوم أصبح كل شيء لدي مسجل بالهاتف، يقول ناشط تواصلي، وكأن حياة الناس ستتوقف. لقد تملكنا إحساس رهيب، وأصبحنا رهائن لدى التكنولوجيا، ويرويعبد المجيد جرومي من كندا تفاصيل ما جرى»حدث معي هذا الأمر بالأمس، وكدت أجن لولا لطف الله، إنني وجدته بعد فترة، كدت أفقد فيها عقلي.
ونختم بالتحذير الذي وجهه أحدهم لأصدقائه على تطبيق المنصة التواصلية: واتساب Whatsapp داعيا الى استحضار منشور النيابة العامة الجديد المتعلق بحماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل القانون رقم 103.13 الذي ينص على أنه” يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.” ويضيف المنشور» وترتفع هذه العقوبة لتبدأ من الحبس سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم، في حالة ارتكابها من طرف الزوج أو الطليق أو الخاطب أو أحد الأصول أو الكافل أو شخص له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلف برعايتها أو ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد قاصر.»


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 31/12/2018