مدينة بدون مراحيض عمومية : الدارالبيضاء ترفع شعار «ابحث عن أين تقضي حاجتك»! ا

مخجل جدا ما سيقدم في هذه الورقة من أرقام تتعلق بالمراحيض العمومية، في مدينة ميتروبولية تعول عليها الدولة أن تصبح عاصمة للمال والأعمال وقاطرة للتنمية في القارة الإفريقية، قبل ذلك هي واجهة لملايين الزوار يوميا سواء من داخل المغرب أو من خارجه، وأنت تتجول في هذه المدينة الإسمنتية الفقيرة من حيث المساحات المخصصة للاستجمام ولمتنفسات خاصة بالأسر، إذ بالمقارنة مع عدد سكانها الذي يفوق الأربعة ملايين نسمة، نجد أن هذا النوع من المرافق يكاد ينعدم بحكم أنها غير معممة على جميع تراب المدينة وتأتي في ذيل اهتمامات العديد من المناطق، خاصة الأحياء الشعبية كمولاي رشيد وسيدي مومن واسباتة وابن امسيك والحي المحمدي والبرنوصي … حيث تضطر ساكنة هذه المناطق إلى قطع مشاق طويلة لبلوغ مرفق للاستجمام والترويح على النفس، أما المراحيض العمومية بها فتعني شيئا واحدا هو ” كل الخلاء مرحاض لك “، أو ابحث عن أين تقضي حاجتك، لتخلص إلى استنتاج واحد، وهو أن من تعاقبوا على تدبير هذه المدينة كان لهم عدو مشترك هو المراحيض العمومية، وينضاف إليه في الدرجة الثانية المسابح العمومية، وكأننا بصدد كائنات نسجت عداوة وطيدة مع المياه في مدينة بحرية كانت تعج بالعيون، وهي ذات العداوة المسلطة على استرخاء البدن ..
في جولة بسيطة داخل تراب مقاطعات العاصمة الاقتصادية سنقف على هول عدم الاكتراث بالحاجة البدنية الطبيعية للبشر، يكفي أن تحشر هذه الأبدان في تجمعات سكنية دون أن نوفر لها مرافق ذات أهمية تصون آدميتها وتنقذ مفهوم تحضرها مادمنا بصدد أكبر حاضرة في المغرب، نرميها بعناوين وشعارات ليس فيها ما يعكس تلك العناوين والشعارات والتعريفات .
بمقاطعة مولاي رشيد، ذات التراب الشاسع الذي يأوي ما يفوق 300 ألف نسمة، ويزورها آلاف البشر هي ومقاطعة سيدي عثمان بحكم أن كل أسواق الجملة متمركزة هناك، سنجد صفر مرحاض عمومي.
ذات الرقم الصفري نجده في مقاطعة سيدي عثمان التي يفوق عدد سكانها 200 ألف نسمة.
غير بعيد عنها وفي مقاطعة اسباتة التي يفوق عدد سكانها 75 ألف نسمة، سنجد ذات الصفر يلوح في سمائها .
الصفر أيضا يأبى أن يتحرك بمقاطعة ابن امسيك التي يفوق تعداد ساكنتها 100 ألف نسمة، رغم أن هذه المنطقة كانت لها حصة الأسد في جلب مشاريع على مستوى المنطقة التي يطلق عليها عند البيضاويين ” الزيرو كاط “، ومع ذلك لم يفكر المدبرون في إنشاء مرحاض واحد يجانب تلك المشاريع .
مقاطعة عين السبع ذات الصراعات الأزلية بين أعضائها حول من سيحكم ” السيكتور ” ، تتوفر أيضا على صفر كبير في ما يخص هذه المرافق البيولوجية رغم أن عدد سكانها يفوق 90 ألف نسمة .
الصفر يتمدد فاردا جناحيه أيضا بمقاطعة سيدي البرنوصي، يظلل بهما أكثر من 170 ألف نسمة من البشر .
حينما تسمع منطقة آنفا، تعتقد أنك بصدد رقي وتحضر معينين، لكن سرعان ما يراقصك غول الصفر على مستوى أمكنة صحية لقضاء الحاجة البدنية، وهي منطقة يسكنها أكثر من 65 ألف نسمة، وهي مسكن أيضا للأجانب الذين لهم أعمال في المغرب أو من يقيمون به .
ما قيل عن مقاطعة آنفا هو نفسه ما ينطبق على منطقة المعاريف التي تضم حوالي 300 ألف نسمة، وهي المنطقة التي تتمركز فيها إدارات ومحلات تجارية راقية ومطاعم فاخرة، حيث يتخلل صفر مرحاض عمومي كل الطرق التي تؤدي إلى هذه المحلات والإدارات والصالونات والحمامات الراقية وما إلى ذلك .
أكثر من 200 ألف نسمة تتجمع بتراب مقاطعة الحي المحمدي تعاني هي أيضا من انعدام هذه الخدمة البيولوجية .
منطقة الصخور السوداء التي تضم فئات واسعة من الطبقة المتوسطة تجثم هي الأخرى في هذا الصفر المتضامن مع الأصفار الأخرى في باقي المقاطعات .
مقاطعة عين الشق التي تعد من أكبر المقاطعات بالدارالبيضاء، وتضم أكثر من 400 ألف نسمة، وتحتوي على أرقى حي على المستوى الوطني، تتوزع على فيلاته ذات الضفاف الشاسعة فئة واسعة من “الدوماليين”، بدورها تحضن صفر مرحاض عمومي وتعانقه أيما عناق .
مقاطعة الحي الحسني التي يطاول عدد سكانها المليون نسمة، وتضم اليوم مرافق اقتصادية رفيعة بدورها لا تراوح الصفر مرحاض .
مرحاضان بتراب مقاطعة مرس السلطان التي تضم حوالي 190 ألف نسمة، وتتمركز بها طبقة متوسطة شاسعة تؤثث فضاءاتها أسواق كبيرة كثيرة تستقطب ملايين الزوار في السنة وتنتشر فيها المطاعم الراقية تناطح المطاعم الشعبية، وتشهد حركة تجارية واسعة تغري الناظرين، لكن المتجولين بها عليهم توسل الخلاء أو مقهى شعبيا لقضاء الحاجة لأن مرحاضين ما هما سوى نقط في صفر كبير يكتسح المنطقة برمتها .
مرحاضان أيضا بتراب مقاطعة الفداء التي تتشابه مع مرس السلطات من حيث تمركز الأسواق التجارية ويزورها يوميا آلاف الناس من مختلف أنحاء المغرب ويتراوح سكانها ما بين 150 و170 ألف نسمة .
الحاضنة لجل الإدارات الكبرى ومقرات الشركات المالية والخدماتية وتجاور الميناء، مقاطعة سيدي بليوط التي تزورها أكثر من 40 ألف سيارة في اليوم وتحتضن أكبر عدد من الطاكسيات وسيارات السياحة دون الحديث عن محطات الحافلات والطراموي، وتعد أكبر مستقر للفنادق والمطاعم والمحلات التجارية وإدارات المؤسسات المالية وغيرها، بطول تراب هذه المقاطعة والحركية التي تشهدها، لا يتعدى عدد المراحيض العمومية بها 14 مرحاضا، معظمهم خارج الخدمة أو محتل من طرف الأغيار، هي المنطقة التي تضم أكثر من 180 ألف نسمة، ويكفي أن نعرف بأن داخل سور مدينتها القديمة تستقر أكثر من 45 ألف عائلة لنقيسه بعدد ما توفر من مراحيض، وهي على أية حال مراحيض تركها المستعمر الفرنسي ولم نضف عليها شيئا .
عندما كنا نستفسر عن هذه المعطيات التي بين أيدينا، كل مجيب ردد علينا بأنه في الأفق سيتم تشييد مراحيض عمومية في هذه المقاطعات، هو جواب جديد قديم صراحة، لأنه في الولايات السابقة كان الحديث عن هذا الموضوع وقدمت مقترحات لكن لم نر على أرض الواقع نتائجها، وقد أجريت دراسات في الموضوع اليوم نسأل عن نتائجها ومآل أموالها، بالفعل قدمت في لمحة ما نماذج من مراحيض متحركة لكن سرعان ما اختفت ولا أحد من المدبرين أو لجن المراقبة سأل عن مآلها وعن حقيقة ما يجري في هذا الموضوع .
يعلم المدبرون أكثر من غيرهم بأن أزيد من 600 ألف مواطن بيضاوي يعانون من داء السكري، ونقلنا هذا الرقم فقط لأنه الرقم الذي يزور المصالح البلدية للحصول على دوائه، لأنهم من الفئات المعوزة، دون أن نحتسب عدد المواطنين الذين يعانون من هذا المرض ويقتنون أدويتهم من مالهم الخاص، وبحسب وزارة الصحة، كما يعلم بذلك المدبرون، فإن بين كل أربعة رجال هناك حالة مصابة بهذا الداء، وبين كل ثلاثة نساء هناك واحدة، تعللنا هنا بالمرض دون الحديث عن الأطفال والشيوخ وحتى الإنسان العادي، فقضاء الحاجة أمر ضروري ولا يحتاج إلى مبرر ما.
معضلتنا الكبرى هي أنه ليس فقط من يجلسون على كراسي التدبير لا يفكرون في هذا الأمر، بل حتى التجمعات المهنية، وأخص هنا بالذكر أصحاب الطاكسيات، فالدارالبيضاء يتخلل شوارعها 16 ألف طاكسي، وكلنا يعي ما تعنيه ساعات طويلة وسط سيارة، ومع ذلك لم يضغطوا لبناء مرفق يقيهم من اللجوء إلى المقاهي أو غيرها، شركة “ألزا” صاحبة أسطول النقل الحضري، لم تفكر بدورها في مهنييها وتشيد لهم في محطات معينة مراحيض يلجأون إليها، نفس الشيء بالنسبة لشركة “الطراموي” التي قد تجد هذه المرافق في محطة الانطلاق بسيدي مومن لكن لا مرحاض عند نهاية الخط !
في النهاية لابد من القول إنه لا يمكن الإقلاع بمدينة دون الإقلاع بالعنصر البشري وأولوياته، وهذا ليس خاف على أي مدبر، وكل منهم يعرف بأن العديد من الأزقة و”الركينات” والفضاءات وحتى القناني تحولت إلى مراحيض بديلة حتى إشعار آخر !

ا


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 13/12/2023