مستقبل القارة السمراء: قمة «القادة الأفارقة في واشنطن»، أول اختبار «حقيقي» للاستراتيجية الأمريكية الجديدة؟

كتب «بوب ويكيسا» (نائب مدير المركز الإفريقي للدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية)، مقالة «تحليلية» لصالح موقع (allAfrica) يتحدث عن السياسة الخارجية لإدارة بايدن تجاه إفريقيا التي اتخذت شكلا نهائيا في شهر غشت، عندما كشف وزير الخارجية «أنتوني بلينكن» النقاب عن «استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء»، معللا إياها بأن»النهج طويل الأمد، أصبح غير كاف لمواجهة التحديات الجديدة في عالم أكثر تنافسية من ذي قبل»، بحسب ما جاءت به الوثيقة السياسية للبيت الأبيض المكونة من 17 صفحة.
وعليه، سيتم اختبار الاستراتيجية الجديدة خلال قمة «قادة الولايات المتحدة وإفريقيا»، التي ستعقد في الفترة ما بين 13 إلى 15 دجنبر في واشنطن العاصمة. وبالتالي، ما هي نقاط الاختبار مع انتقال الولايات المتحدة من إعادة ضبط الاستراتيجية نحو إفريقيا، إلى إجراءات السياسة وتنفيذها؟
إن استراتيجيات السياسة الخارجية الجديدة هي مناسبة لكل من التغيير والاستمرارية، فالتحول الرئيسي في النهج الأمريكي الجديد هو لهجتها، وباقتراحها «اللارتقاء بالشراكة الأمريكية – الإفريقية» حيث تنص الاستراتيجية الجديدة على أنها «ستوسع رؤيتنا وتوقعاتنا للشراكات رفيعة المستوى، وتتعامل مع الاجتماعات مع النظراء الأفارقة على أنها فرص لتعزيز العلاقة بالولايات المتحدة… حتى عندما يكون لدينا خلافات، سنجلس ونتفاوض لنصل إلى حلول لنعالج الخلافات وجها لوجه».
* ما هي المعايير المحددة لاستدعاء القادة الأفارقة لقمة واشنطن؟

تتحدث هذه التصريحات وما يماثلها في الاستراتيجية، عن الانتقادات المستمرة منذ فترة طويلة حول «موقف ديكتاتوري ظاهري»، وحتى غير محترم من قبل واشنطن تجاه الدول الإفريقية وقادتها خاصة، لذا هل ستدعو الولايات المتحدة جميع القادة الأفارقة إلى القمة، حتى أولئك الذين تختلف معهم بشكل أساسي في مسائل «الديمقراطية» و «الحكم»و «انتهاكات حقوق الإنسان»؟
هذا اعتبار مهم، لأن مسائل «الديمقراطية» و»الحكم» و «حقوق الإنسان» تشكل أسسا راسخة للمجتمع الأمريكي ومجالات لاستمرارية السياسة.
ومن الجدير بالذكر، أن مسألة من ينبغي دعوته هي مسألة «متناقضة»، فخلال «القمة الافتراضية» من أجل «الديمقراطية» في ديسمبر 2021، كان من المفهوم أن «العديد من القادة الأفارقة تم استبعادهم لأنهم لم يستوفوا أوراق الاعتماد «الديمقراطية» للمشاركة في القمة، ولكن في بعض الأوساط، اعتبر هذا خطأ لأنه حرم الولايات المتحدة من فرصة «التغيير» ولكنه لا يزال يشجع القادة المستبدين ويقنعهم بالانتقال للمثل الديمقراطية.

*القادة في مواجهة المجتمع المدني؟

وتهدف الاستراتيجية الأمريكية إلى «تعزيز الانفتاح وقيم المجتمعات المفتوحة» مثل «الشفافية» و»المساءلة»، وتسعى إلى العمل مع منظمات المجتمع المدني ودعمها، ومن المسلم به، أن «الانفتاح» يعني مشاركة كل من الحكومات والمجتمع المدني بشكل عام، ولكن في وضع حيث لا يتقابل القادة والمجتمع المدني وجها لوجه في العديد من البلدان الإفريقية، إذ أن الجمع بينهم يشبه خلط النفط والماء. إن دعوة الديمقراطيين، من شأنها أن تسيء، إلى حد كبير، إلى نفس الأنظمة الاستبدادية التي تسعى الولايات المتحدة إلى التعامل معها بشكل بناء، إذ أن عددا قليلا جدا من القادة الأفارقة سيرحبون بمشاركة القمة مع نفس النشطاء الذين يقاتلون معهم في الداخل، ما يجعلنا نتساءل عن الكيفية التي ستقلص فيها الولايات المتحدة – وتحديدا خلال القمة –الهوة بين التعامل مع القادة المعروفين بمعاداة الديمقراطية والعمل في الوقت نفسه مع المنظمات المؤيدة للديمقراطية؟
ولوقف موجة «التراجع الديمقراطي وانتهاكات حقوق الإنسان»، تقترح الاستراتيجية «مزيجا مستهدفا من الحوافز الإيجابية والتدابير العقابية مثل الجزاءات»، إلا أن التحدي يكمن في نهج «الجزرة والعصا» كون بعض القادة الأفارقة سيصلون إلى واشنطن لحضور القمة وهم ينظرون إلى إيجابية المشاركة لكنهم حذرون من العقاب الكامن في الظلال، على أن»بعضهم» على استعداد للابتعاد عن الظل الأمريكي عند أدنى تلميح إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضدهم. من جهتها، تحاول الولايات المتحدة جذب الأفارقة مرة أخرى إلى صفها، لربما ليكونوا حلفاء لها في «مواجهة الصين وروسيا» أيضا. لكن، هل استخدام «القوة الصلبة» يدعم»القوة الناعمة» المتصورة لكل من روسيا والصين. إن الكيفية التي سيتم بها التعامل مع مثل هذه الحالة المتناقضة خلال مؤتمر القمة، ستكون مدعاة لإثارة الدهشة.

*هل ينبغي دعوة الحكام العسكريين؟

بالنظر إلى البنود المتعددة للاستراتيجية، الهادفة «إلى وقف المد الأخير من الاستبداد والاستيلاء العسكري»، إذ من المحتمل أن يكون هذا أحد أكثر بنود جدول الأعمال تعقيدا، سيتعين على الاستراتيجيين الأمريكيين التفكير فيها خلال تخطيطهم للقمة.
أولا، هل ينبغي دعوة القادة الذين استولوا مؤخرا على السلطة عسكريا أم لا؟ بالنظر إلى النقطة السابقة، سيتم تفسير الفشل في دعوة مثل هؤلاء القادة على أنه «انتقاء» و»تهميش» لفكرة التعامل مع القادة حتى عندما تختلف الولايات المتحدة معهم. وفي الوقت نفسه، فإن دعوة مثل هؤلاء القادة ستكون بمثابة «مضايقة» للقادة الذين يستخفون بأيديولوجية سيادة القانون التي توجه السياسة الأمريكية في الداخل والخارج.
ثانيا، ترتبط الانقلابات العسكرية بشبكات معقدة من القضايا الأخرى، منها: «الاستبداد»، «الحكم السيء»، «سوء توصيل وتوفير السلع العامة»، «تغير المناخ ومشاكله المتعددة»، «التطرف العنيف والإرهاب» الناتج عنه وغيرها… أي أن تحديد السبب والنتيجة في هذا السياق يعتبر مهمة شاقة، على غرار تقليص استراتيجيات «مكافحة الإرهاب» إلى حد ما مع التركيز على ميزة «النهج غير الحركي» في الاستراتيجية. ومع ذلك، جادل الكثيرون ب»أن التجارة والاستثمارات هي اقتراح أفضل لإفريقيا أكثر استقرارا»، لأن الفقر هو السبب الرئيسي لانعدام الأمن.

* الاقتصاد في مواجهة التجارة !

إذن، ما هي المقترحات التجارية والاستثمارية التي ستضعها الولايات المتحدة على طاولة القمة ك»ترياق» لآفة الانقلابات العسكرية وغيرها من المخاوف في الواقع؟ وإلى أي مدى سيكون «التخطيط المسبق» لمؤتمر القمة عاملا في تغيير أفكار الشعوب «الأصلية» بشأن كيفية معالجة هذه المشكلة؟
من المرجح أن يستقطب التعهد «بدعم الانتعاش الاقتصادي في المنطقة»، أكبر قدر من «اهتمام» الوفود الإفريقية، ومع ذلك، فإن القادة الأفارقة سوف يسألون أنفسهم عدة أسئلة، منها :»هل ستطالب الولايات المتحدة الدول الإفريقية بتجنب تراكم غير مستدام خاصة من الصين؟». إذا كان الأمر كذلك، ف»هل الولايات المتحدة مستعدة لتقديم شروط أفضل للقروض لسد العجز في الميزانية؟»، وإن لم يكن لدى الولايات المتحدة إجابات مقنعة على هذه الأسئلة، فمن المرجح أن يستمع القادة الأفارقة بأدب ويعودون كما ذهبوا.
وكما يوحي التحليل أعلاه، فإن القضايا السياسية ستختبر العلاقة التي تتطلع الولايات المتحدة إلى صياغتها في القمة، مع ما تضعه الولايات المتحدة من القيم الديمقراطية في صميم نهج سياستها الخارجية. ومع ذلك، فإن العلاقات الاقتصادية أقل انقساما على الرغم من ارتباطها بالبنية السياسية.وهذا يثير السؤال التالي: «ألن يكون من الاستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة أن تبدأ بالمقترحات الاقتصادية ثم تجذب القادة الأفارقة نحو مثلها السياسية؟». فعلى سبيل المثال، لا يتفق سوى عدد قليل من القادة الأفارقة مع «الأقسام الفرعية» من الاستراتيجية المسماة «تعزيز التجارة والعلاقات التجارية» التي توفر مسارات للاستثمار في قطاعات متعددة. في الواقع، سيصل القادة الأفارقة إلى القمة وهم حريصون جدا على فهم الشكل الذي سيتخذه قانون فرص النمو الأفريقي (AGOA) بعد انتهاء صلاحيته في عام 2025، وكيف سينسجم «خليفته» مع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
واحدة من السبل الاقتصادية المقدمة في الاستراتيجية الجديدة، هي «الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار» (PGII) ، وهي مبادرة مشتركة بين دول مجموعة السبعة (G7) من خلال الولايات المتحدة «لتقديم مشاريع تغير قواعد اللعبة» وخاصة البنية التحتية. منذ إطلاقه في يونيو 2022، ينظر إلى شراكة (PGII) على أنها»مضادة لمبادرة الحزام وطريق الحرير الصينية الجديدة». السؤال الأبرز في أذهان القادة الأفارقة سيكون: «ما مدى قوة مبادرة الحزام والطريق الصينية مقارنة بما ستقدمه المبادرة الأمريكية؟ وهل ستقدم شراكة (PGII)شروطا أفضل لتطوير البنية التحتية من الناحيتين «الكمية» و»النوعية»؟
*الدول الإفريقية الصغيرة ضد الكبيرة !

تسعى الاستراتيجية أيضا إلى « مواصلة الاستثمار في أكبر الدول الإفريقية، مع تعميق علاقاتنا مع الدول الإفريقية الصغيرة والمتوسطة». غير أنه من الصعب تحقيق هذا التوازن، باستثناء عدد قليل من البلدان مثل «رواندا» و «سيشيل»، فإن معظم البلدان الصغيرة ليس لديها «الوزن» المطلوب لمتابعة الأهداف على مستوى المنطقة التي وضعتها الاستراتيجية الأمريكية في المقام الأول. بالإضافة إلى ذلك، فإن قادة القوى الإقليمية مثل «نيجيريا» في غرب إفريقيا، وجنوب إفريقيا في شرق إفريقيا، ومصر والمغرب في شمال إفريقيا، وكينيا في شرق إفريقيا، سوف يصلون إلى القمة حذرين بشأن ما يعنيه تحقيق التوازن بين الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة لمصالحهم الخاصة.
والاقتراح الأفضل هو أن يتمسك منظمو القمة بالمخطط القاري، أي «أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063».
من الجدير بالذكر أن جدول أعمال عام 2063 لا يظهر إلا بشكل عابر في الاستراتيجية الجديدة، أي بالمعنى الدقيق للكلمة «لا يتعين على الولايات المتحدة التمسك بأفق2063. ولكن، سيكون من الاستراتيجي القيام بذلك لأنه سيساعد في الحصول على موافقة القادة الأفارقة مبدئيا. والواقع أن الاستراتيجية تقترب من الاعتراف بمشكلة «التقسيم البيروقراطي المصطنع بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء»، حتى وإن كانت الاستراتيجية مخصصة حصرا لإفريقيا جنوب الصحراء (مع استثناء شمال إفريقيا). وعلى نفس المنوال تقريبا، فإن «اغتنام الفرص لدعم الانفتاحات الديمقراطية الواعدة» في أماكن مثل «زامبيا» و «ملاوي» هو نهج جيد، إلا أن الجانب السلبي قد يكون في إثارة كراهية الديكتاتوريات الراسخة.
* ماذا عن الجغرافيا السياسية ؟

من المؤكد أن جدول الأعمال «الحساس»، هو «جدول أعمال العلاقات الجيوسياسية لإفريقيا»،إذ تركز الاستراتيجية الجديدة على «تقليص» وجود «الصين» و «روسيا» في إفريقيا سواء في النقاش السياسي أوالمناقشات التشريعية. ومع ذلك، فإنها تطمح ل»تسهيل ودعم التجمعات الجغرافية الجديدة»، مما يشير إلى أن إفريقيا سوف تنجذب إلى تحالفات جديدة كإجراء لاحتوائها من الهيمنة الصينية والروسية.
وعلى وجه التحديد، تتطلع الاستراتيجية الأمريكية إلى «دمج الدول الإفريقية في منتديات دول المحيطين الهندي والهادئ»، ما يشير إلى اهتمام الولايات المتحدة ب»سلب إفريقيا من منافستها الجغرافية الصين في المحيطين الهندي والهادئ»، حيث سيكون هذا «اقتراحا صعبا على الدول الإفريقية التي كثيرا ما تفضل مواقف عدم الانحياز للاستفادة من الغرب والشرق على حد سواء وعدم إثارة غضب أي منهما»، مع تعهد ب»تعميق التعاون مع البلدان الساحلية الأطلسية الأخرى في جميع أنحاء إفريقيا». في عدة أقسام من الاستراتيجية، يتحدث واضعوها عن العمل مع «الحلفاء الأوروبيين». ومع ذلك، فإن المشكلة تكمن في أن «الأوروبيين سوف يراقبون باهتمام شديد عندما يكون لديهم قمة خاصة بهم بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا، والتي قد تتعارض مع الرؤية الأمريكية لإفريقيا في بعض النواحي».
من الواضح أن التعهد ب «إشراك إفريقيا في النموذج القاري الأمريكي»، هو نقطة قوة للولايات المتحدة، لكنه يأتي مع تحد يصعب التغلب عليه، لما يتواجد من منظمات في كل من الولايات المتحدة وإفريقيا التي تتبع أجندات مختلفة، سيكون من الصعب تحديد التي ينبغي دعوة القائمين عليها إلى المناقشات والقمة على حد سواء، كما أن إدراج بعضها واستبعاد أخرى قد يؤدي إلى انتشار «الاتهامات بالمحسوبية». بالنسبة للبلدان الإفريقية، وبعيدا عن «القيمة الرمزية» لهذه القمة والنقاشات بها، فإن التحويلات المالية أمر بالغ الأهمية، إذ سيكون التركيز على «التحويلات المالية» إلى جانب «الأفكار المبتكرة» و»كيفية الاستفادة» من هذا المورد، عامل الجذب الأبرز لقادة إفريقيا.


الكاتب : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 12/10/2022