مسلسل «بابا علي» إثارة وإمتاع

عرف مسلسل «بابا علي» متابعة قياسية من قبل المغاربة الناطقين بالأمازيغية وغيرهم، بل إن المسلسل أثار جدالا بين محبذين لمضامينه وهم كثيرون، وبين منتقدين يرون فيه الكثير من الثغرات والنواقص المؤثرة على فنيته وهم قلة.
المسلسل مثير للمشاهد المغربي الناطق لعدة أسباب تعود إلى تركيبته الفنية، وإلى الفضاء الذي جرت فيه أحداثه، وإلى طبيعة شخصياته، وإلى طابعه المزاوج بين الفكاهي والتراجيدي.. وانطلاقا من هاته الحيثيات نال المسلسل تحبيذا واستحسانا من قبل شريحة كبيرة من الجمهور المغربي، بل إن صيته تعدى المغرب إلى أقطار أخرى. ولن يكون ذلك غريبا، فالفيلم الأمازيغي منذ بدايته كانت له شعبية فريدة، وقد شهدت التسعينات اتساع التفرج عليه عبر الأقراص الصلبة.
ولأن مشاهد المسلسل لم تعرض ما يخدش المروءة والحياء، فقد أتيح التفرج عليه من قبل أفراد الأسر المغربية بلا تحفظ ولا حذر.
وكان يبث متزامنا مع وجبة الفطور مما مكن الكثيرين من التفرج عليه طيلة شهر رمضان المبارك. ولا بد أن نشير إلى أن الفيلم الأمازيغي منذ بداياته إلى الآن ما يزال يحمل قيما تربويا ونقدا اجتماعيا جعله تربويا بامتياز،فالدراما الأمازيغية «دراما القضايا الاجتماعية ، ومنذ بداية الفيلم الأمازيغي وهو منكب على معالجة القيم الإنسانية النبيلة التي يتميز بها المجتمع الأمازيغي على مر التاريخ ، ولا نبالغ إذا قلنا إن الفيلم الأمازيغي في مجمله فيلم تربوي تصحيحي للمعتقدات والمعاملات السلبية ، ومنفر من السلوكات الخادشة لنبل الأخلاق والتواصل والتفاعل الإيجابيين أسريا واجتماعيا. ورغم بساطة المعالجة الجمالية والتقنية للفيلم الأمازيغي استنادا إلى مستوى الوسائل والدعم المعتمد عليه في الانتاج والإنجاز ، فإن هذا الفيلم كان وما يزال وسيلة هادفة وفعالة في توجيه الجمهور للتفكير في وجودهم وعلاقاتهم ومصائرهم».
ونجاح المسلسل يعود بالأساس علاوة على الإخراج والسيناريو انتقاؤه لأبرز وخير الممثلين الذين لهم قدم راسخة في مجال الدراما الأمازيغية منذ بدايتها كالحسين برداوز ،وأحمد نتاما ،وأحمد عوينتي ، وعبد اللطيف عاطف …

قصة المسلسل
تدور أحداث المسلسل المقتبسة والمستوحاة من قصة «علي بابا» الأسطورية، ويتعلق الأمر برجل يبدو بسيطا فريدَ التصرفات ، لكنه ذكي يُكْتَبُ له الانتصار أمام كل من يواجهه في محيطه وأهم معركة خاضها تمثلت في مواجهته غير المتوقعة لعصابة من اللصوص ليتمكن من القضاء عليهم في الأخير.
وللتذكير ، فقصة علي بابا والأربعون لصا في أصلها من القصص الشهيرة الملهمة لكثير من الكتاب والأدباء والدراماتولوجيين في شتى أنحاء المعمور،بطلها رجل حطاب يسمى علي بابا ، متميز بذكائه الأمر الذي جعله يحتال على لصوص ويأخذ كنوزهم بعد أن سمع بالصدفة كلمة السر التي بها تفتح بوابة المغارة التي يحتفظون بها فيها.
عوامل الجذب في المسلسل
رغم ما تلقاه المسلسل من بعض الانتقادات من ذا وذاك ،يبقى مسلسلا له وزنه ووقعه في المجال الفرجوي المغربي ، وإذا كان لكل جذب سر، فإن عوامل الإثارة والجذب في هذا المسلسل تتجلى في جوانب كثيرة منها:
1- حسن التصرف في القصة المقتبسة
فقد تمكن السيناريست والمخرج من الاشتغال على القصة قصد جعلها ملائمة للتقاليد والأوساط المغربية الأمازيغية قديما ،فأحداث الفيلم تعود بالمتفرج إلى الستينات والسبعينات وما قلبها ، فالمسلسل يقدم عادات وتقاليد وأجواء بسيطة بعيدة عن التكنلوجيا التي زاحمت الإنسان ـ اليوم ـ في كل شيء.
ونشير إلى أن القصة حين تعزز بابتكارية المقتبس لها بحيث يجدد معالجة فكرتها تصير من عوالم الجودة في المسلسلات ،والأفلام بصفة عامة ،فليس العيب في تكرار الثيمة وإنما العيب في طبيعة التناول والرؤية.
2 ـ تأجيج الصراع
المتتبع لأحداث المسلسل يقف على وحدات صراعية ،متنوعة تنتقل بالمتفرج من صراع إلى آخر، ومن وسط إلى أخر، ويمكن إيجاز هذه الصراعات المبثوثة في :
ـ صراع بابا علي مع امرأته (عيشة) وأمها، صراع ثلاثي شهده المسلسل منذ بدايته حتى نهايته : تبادل التهامات ،والسباب والتهكم الذي يصير حادا أحيانا ولا ينتهي إلى المقاطعة.
ـ صراع الشاب»حمو» مع أمه الأرملة التي تعاتبه بصدد عدم زواجه ، وعدم بحثه عن عمل لمساعدتها في معيشتها. وحين يترافق مع صديقه « عابد « يكونان ثنائيا غرضه التطفل من أجل نميمة وتجسس مقابل وجبة غذائية من ذا أو ذاك ،فهما يمثلان قيمة سلبية تتعلق بالبحث عن الأخبار وإفشاْ الأسرار ،الأمر الذي يجعلهما مكروهين من قبل أفراد القرية بلا استثناء.
ـ صراع «بريك « خادم الشيخ مع ابن بابا علي بصدد التزوج من ابنة الشيخ ،صراع ينحو ببعض حلقات المسلسل نحو رومانسية محاطة بانضباط معروف لدى الأمازيغ بصفة عامة ، صراع انتهى بزواج ابن بابا علي من ابنة شيخ القبيلة بفضل ذكاء بابا علي الذي أغراه بكنوز حصل عليها ادعاءً وليس حقيقية.
ـ صراع التاجر بلقاس مع امرأته بسبب شحه الشديد الذي تعداها إلى كل سكان القرية بما فيهم إمام المسجد الذي لا يجود عليه بأي شيء.
ـ صراع بابا علي مع عصابة اللصوص وفي طليعتهم رئيسهم الشرير «الداغور»، صراع مثير لكونه صراعا غير متكافئ بين طرف قوي له ما يسانده وطرف بسيط معتمد على نفسه وحيلته فحسب.
هذه الصراعات المتنوعة جعلت حلقات المسلسل حلقات لا تعرف الأحداث فيها رتابة تضعف تشويقيتها وإثارتها، علاوة على ذلك فالصراع بين الشر والخير أكسب المتفرج التعاطف مع بابا علي في رحلة تحديه للصوص .
3ـ فكاهة مغلفة بالذكاء والاحتيال
من عناصر القوة في الفيلم متانة حواراته المفعمة بالطابع الكوميدي المغلف بالردود الذكية والعبارات التي تستقي مضامينها من الدين والتجربة الحياتية والتراث. وهذا مؤشر على نضج السيناريو من هذا الجانب ، حيث نجد التعبير عن المواقف والردود عليها منسوجين بعمق وبصيرة فنية بارزة. وقد جاء كل ذلك ضمن قالب درامي وكوميدي يتخذ عدة مجريات من حلقة إلى أخرى.
ومن هذا المنطلق امتلك المسلسل القدرة ليفتح أمامنا كثيرا من المسارات الماتعة التي تأسرنا بتنوعها وانتظاراتها المتوقعة وغير المتوقعة.
4 ـ روعة وبهاء الفضاء
قدمت أحداث الفيلم عبر فضاء قروي جميل ،ببيئة نقية عذراء وبغطاء نباتي متنوع تخترقه أنهار رقراقة ،وقد زادته روعة التصويرحُسنا مما جعله مغريا يذكرنا ببهاء الطبيعة في زمن خال من عوامل التلوث الذي صار يخنق البيئة ويضايقها.
تلك عناصر تعاضدت فأفضت إلى مسلسل أمتع الجمهور المغربي طيلة شهر رمضان الأبرك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
مسلسل «بابا علي» ـ سيناريو وجوار: إبراهيم علي بوبكدي وأحمد نتاما ـ إخراج: مصطفى أشور ـ بطولة الزاهية الزاهري، الحسين بارداوز، عبد اللطيف عاطف وآخرون.


الكاتب : لحسن ملواني ـ المغرب

  

بتاريخ : 25/06/2021