معالم تاريخية تعيش “أرذل العمر” 3 : مآثر «الجديدة» تحتضر بسبب إهمال بعضه ظاهر والآخر «مستتر» 2

في كل منطقة من مناطق المغرب، تواصل عدد من البنايات والمآثر، التي تشكّل جزء مهما وأساسيا من الذاكرة الفردية والجماعية، الوقوف بشموخ، وإن كانت تعاني الإنهاك، بعدما فعل فيها الزمن فعلته، حتى صارت تعيش مرحلة “أرذل العمر”، وتنتظر وقوعها أرضا، لتختفي كما لو أنها لم تكن يوما، فتلاقي بذلك مصير العديد من المعالم التي تم طمسها سابقا، وحلّت محلّها بنايات مفتقدة لأي روح، كان الهدف من وراء تشييدها الربح المادي الخاص بالأساس؟
بنايات، تتوزع ما بين أسوار، وفنادق، ومركبّات، ودور للسينما، وقصبات، وغيرها… بعضها تم التدخل من أجل إنقاذها و “إنعاشها”، وأخرى تُركت لحالها إلى أن جاء “أجلها” ووريث الثرى، في حين تنتظر أخرى التفاتة فعلية من الجهات المختصة للحفاظ على هوّيتها، وإعادة الاعتبار إليها…

تحت ضغط المقاومة الشرسة لأهل البلد، غادر البرتغال مدينة مازغان مجبرين، وقد ابتدأت أولى المحاولات من طرف السلطان مولاي عبد الله السعدي، وصولا إلى المجاهد العياشي الذي عمل على تجميع وتأطير السكان الأصليين، ليهاجم بعد ذلك القلعة سنة 1639م، انطلاقا من حصن الفحص الجنوبي وحصن تكني الشمالي، إلا أن ساعة الحسم لم تكن إلا على يد السلطان محمد بن عبد الله سنة 1769م . وأمام الحصار المفروض على ملك البرتغال ، أمر بإخلاء المدينة، والتوجه إلى البرتغال قصد البحث عن آفاق آمنة، فقرر أن يمارس سياسة الأرض المحروقة بعده وهو ما جعله يدفن 25 برميلا من البارود في السور الموالي للمدينة، أي قرب برج سانت أنطوان، وغادروها عبر باب البحر قرب برج الملائكة، فهدموا البنايات الداخلية وأتلفوا ما بقي من المؤونة وذبحوا القطيع وكسروا أرجل الخيول، وتركوا رجلا مسنا كلفوه بإشعال فتيل البراميل، وما كاد الجنود المسلمون، يلجون البوابة الرئيسية، حتى دوى انفجار هائل، أتى على جزء كبير من السور، تسبب في قتل العديد منهم قدر آنذاك بحوالي 5000 فرد، توفي أغلبهم تحت الأنقاض، حيث ظلت المدينة شبه خالية، أسوارها مهدمة وأزقتها مهجورة إلى حدود 1820م/1240ه، حيث يشير الناصري في كتاب الاستقصاء، إلى أن، سيدي محمد بن الطيب، أمر بإعادة إعمارها، وعمل على استقدام اليهود الذين كانوا مقيمين بمدينة أزمور، خاصة أنهم كانوا يتقنون التجارة والحرف اليدوية.
ومنذ مغادرتهم لمزاغان، ظل الحي البرتغالي يتعرض يوميا لتآكل مبانيه ومنازله، ولم يفلح تسجيله في 30 يونيو 2004 ضمن التراث العالمي في رد الاعتبار إليه. وتتعايش داخل القلعة البرتغالية إلى حدود اليوم، معالم الثقافة المغربية والبرتغالية والإيطالية والإسبانية منذ القرن السادس عشر، كما تعايش فيها المسلمون واليهود المغاربة منذ بدايات القرن التاسع عشر، وتعايش معهم الأوربيون الوافدون من كل دول أوربا من أجل التجارة والأعمال في مدينة الجديدة ومينائها النشيط. ويؤكد أبو القاسم الشبري أنّ قلعة «مازاكان» شكلت أول تمظهر لتلاقي البرتغال وأوربا – النهضة مع إفريقيا، وأول تطبيق لفلسفة النهضة في المعمار في إفريقيا.. ولهذه الاعتبارات التاريخية والعلمية والثقافية والعمرانية أقدمت منظمة «اليونسكو»، في دورة سوزهو في الصين، يوم 30 يونيو 2004، على إدراج «مازاغان» ضمن لائحة التراث العالمي.

المسقاة .. جوهرة مغلقة
كان وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، قد كشف أن لجنة مكونة من خبراء برتغاليين ستحل بالمغرب، لإبداء الرأي والتعاون في ما يخص الهندسة البرتغالية الخاصة ببناية المسقاة البرتغالية في مدينة الجديدة، والمغلقة منذ فبراير 2021. وأشار في إحدى توضيحاته بالبرلمان إلى أنه خلال الفترة بين سنتي 2019 و2020 تم إنجاز دراسة تقنية أكدت وجود مشاكل على مستوى البناية، ليتم إنجاز الرفوعات الطوبوغرافية وتكلفت الوزارة بمشروع التهيئة.
وأوضح الوزير أنه منذ يوليوز 2022، تم الشروع في المعاملات الإدارية الخاصة بتنزيل الصفقة، على أن يتم الإعلان عن الصفقة الخاصة بالاستشارة الهندسية، على أساس أن تنطلق صفقة الأشغال وبداية إنجاز أشغال الترميم والتهيئة، بعد تحديد الشركة الحائزة على الصفقة مع نهاية السنة الحالية، إلا أنه لاشيء انطلق لحد الآن . وأشار المسؤول الحكومي إلى أن كلفة ترميم وتهيئة ببناية المسقاة البرتغالية في مدينة الجديدة تصل إلى 25 مليون درهم.
وكان بنسعيد قد أكد أن وزارة الثقافة اشتغلت كذلك إلى جانب وزارة إعداد والتراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، على مشروع ترميم وتأهيل الحي البرتغالي، بما في ذلك المسقاة البرتغالية، ويتم الاشتغال على دراسة تقنية لهذا المشروع، على أن يتم بعد ذلك إعداد اتفاقية مشـروع مندمج يروم التأهيل الحضري للحي البرتغالي بالجديدة.وقال الوزير إن تأهيل هذه المعلمة التاريخية هدفه «إعطاء الحي البرتغالي جاذبية سياحية، وخلق دينامية اقتصادية انطلاقا من هذا المكان التاريخي لسكان الجديدة». يشار إلى أنه تقرر، في الثامن من فبراير 2021، إغلاق بناية المسقاة البرتغالية بمدينة الجديدة، بعد تدهور وضعيتها، على وجه أصبحت معه تشكل خطرا على الزوار.
وتعد المسقاة البرتغالية بالجديدة تحفة معمارية تاريخية، كان لها الأثر الأكبر في إدراج الحي البرتغالي بالجديدة سنة 2004 ضمن قائمة اليونسكو لحماية التراث العالمي. ويعود تاريخ بناء هذه المعلمة الأثرية إلى القرن الخامس عشر الميلادي، ويمتد الصهريج الذي يسمى اليوم بـ «السقالة» أو «المسقاة البرتغالية» على فضاء مربع ضلعه 36 مترا، مبني بالحجر وبه خمسة وعشرون عمادا، تقوم عليها أقواس بعقد كامل تسند القبو الوسطي ولا تتوفر إلا على فتحة واحدة في وسطها، وكان الماء يصل إلى داخل الصهريج عبر قنوات في باطن الأرض تجلبه من العيون ومن المطر عبر تلك الفتحة العليا.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 14/03/2024