معرض تشكيلي لعبد الله الرامي بقاعة محمد الفاسي بالرباط

يقيم الفنان التشكيلي عبد الله الرامي معرضا لأعماله الفنية في الفترة الممتدة ما بين 08 و23 يونيو من هذه السنة (2024) بقاعة محمد الفاسي (شارع غاندي) بالرباط. وقد اختار الفنان لمعرضه الحالي عنوان (مقتنيات Œuvres choisies)، باعتباره معرضا يضم أعمالا فنية منتقاة من تجاربه التشكيلية السابقة. وبصدد هذا المعرض يكتب الشاعر والنقاد الفني د. بوجمعة العوفي في كلمة تقديمية لكاتالولغ المعرض جاءت تحت عنوان (اللوحات الموضوعاتية لعبد الله الرامي: من العلامة التشكيلية إلى التمثيل الأيقوني) : «ترتكز التجربة التشكيلية الحالية لعبد الله الرامي – في هذا المعرض (منتقيات) بشكل عام – على إنتاج موضوعاتي بدلالة ترميزية واضحة داخل حقل التجريد، سواء الأعمال التي تتخذ من الجسد الأنثوي، بتمثيلاته المختلفة، موضوعا للوحة، أو تلك التي تعتمد تقنية الكولاج collage باستعمال مجموعة من المواد لتشكيل العمل الفني بشكل أساس.
بالنسبة للأعمال التي تتخذ أيقونة الجسد موضوعا لها، يعمل الفنان على تنويع حضور هذا الجسد وتَموضُعاته Positionnements داخل مساحة اللوحة، فضلا عن عملية التكرار الملحوظ لأيقونة هذا الجسد داخل شكل دائري تحيط به علامات تشكيلية متشظية وغير مكتملة، أو أيقونات متشابهة تكتسح مساء اللوحة كاملة. صحيح أن الفنان ينوع هذا التمثيل الأيقوني والعلاماتي للجسد، على مستوى الأسلوب والتقنية من عمل إلى آخر: أحيانا بأسلوب تجريدي وأحيانا أخرى على شكل علامات ورموز، لكن هذا الجسد يكتسب دلالة ومعنى في كل مرة، من خلال بنية هلامية وترميزية يمكن أن تحيل إلى مجموعة من المعاني والتصورات التي تصب في تمثيلات الخصوبة والمظاهر الجنينية الأولى لهذا الجسد.
ومن هنا، فإن التمثيل العلاماتي والأيقوني للجسد في أعمال عبد الله الرامي، تسعى إلى منح المتلقي إشارات ترميزية واضحة الدلالة، ولو ضمن تأثير واضح لمرجعيات فنية سابقة ومعروفة في ريبيرتوار التشكيل المغربي (أعمال أحمد الشرقاوي والجيلالي الغرباوي على سبيل المثال). إذ نلاحظ نفس الحضور للعلامة والرمز في أعمل الرامي بشكل قوي، هي التي غالبًا ما تنعكس في الشكل والحجم والاتجاه الذي يظهر به الجسد الذي غالبًا ما يبدو هلاميا وغير مكتمل الأطراف، أو حتى في شكل عناصر تحيل إلى المراحل أو المظاهر الأولى لتَشَكُّلٍ جنيني في الرحم الأنثوي وفي العناصر التشكيلية على حد سواء. ومن هنا، تبدو رؤية الفنان مسكونة بالعناصر الأولى للحياة، هي العناصر التي تحمل في شكلها مرحلة البدايات وما يمكن أن تشير إليه من دلالات متعددة؟
ثم إن الاستعمال التشكيلي L’usage plastique المتعدد والمتكرر للجسد، في أعمال عبد الله الرامي، كعلامة ورمز (كدال ومدلول)، من خلال كثافة عالية من اللون (الرمادي والبني الغامق بشكل أساس)، يتم من خلال خطوط ولمسات حادة تبرز بشكل واضح حدود الشكل ومحيطه، وفي ذلك معنى خاص في الرؤية الجمالية للرسام وثقافته وتعبيره التشكيلي: هذا الاستعمال الذي يشير، في الواقع، إلى استخدام جمالي واجتماعي ورمزي للجسد، تحدده أيضًا العديد من التدويانات التشكيلية والجمالية المشفرة.
أما بالنسبة للأعمال التي تعتمد تقنية الكولاج، وتتخذ من المواد المختلفة وسيلة أساسية لتشكيل موضوع اللوحة (أكياس الخيش، خشب، معادن، قماش منسوج، متلاشيات…)، فتتحول هذه المواد إلى عناصر تشكيلية وتصبح في خدمة طبيعة ومتطلبات وسياقات التكوين الفني للوحة، حين يعمل الفنان على تجميعها في أشكال هندسية تتراوح أساسا ما بين الدائرة والمربع والمستطيل، إضافة إلى إخضاعها لمعالجة لونية خاصة (من خلال مادة الصباغة)، تحولها إلى أعمال فنية بدلالات مختلفة. ومن هنا، تظهر قدرة الفنان على إخضاع هذه المواد إلى رؤيته التشكيلية الخاصة ووفقًا لأسلوبه الفني الخاص، بما يجعلها بارزة وملموسة باليد وبالعين، وهذه إمكانية الفنان في أن يحول كل شيء تقع عليه عينه إلى عناصر فنية تصلُح للعمل الفني، انطلاقا من عملية اختيار الفنان لسنده son support الخاص (غير الورق) كما هو معهود.
من هنا، وبالإضافة إلى تفسير ثقافي وجمالي ودلالي مقدَّر، فإن القراءة السيميولوجية لأعمال عبد الإله الرامي، ستكون هي القراءة الممكنة والأفضل لتجربته الفنية الحالية، خاصة وأن هذه الأعمال لا تستبعد التفاعل بين المرجعيات الفنية والثقافية للفنان وباقي الأساليب الممكنة التي توظف العلامة والرمز وبعض المواد والخامات ضمن رؤية فنية خاصة، بما في ذلك الحضور الترميزي للجسد في تمثيلاته وسجِلاّته الإشارية».


بتاريخ : 25/05/2024