مكالمة مريبة

 

في إحدى ليالي شهر مارس الباردة، تلقت سمر اتصالا غريبا من رقم مجهول على هاتفها، وفور أن أجابت سمعت صوتا رجوليا يقول بغضب:
أعلم أنك وحدك يا عزيزتي!!
عذرا من المتكلم؟
أنا أحمد… هل نسيتني بهذه السرعة؟
عذرا لكنني لا أعرفك…من أنت ؟
ذلك لا يهم …المهم هو أنني قادم للانتقام منك يا عزيزتي سارة !
علمت سمر حينها أن الاتصال غير موجه لها، وأن المتصل أخطأ بالرقم لتقول بلا مبالاة :
لست عزيزتك سارة أيها الأستاذ، يبدو أنك أخطأت بالرقم فلا يوجد هنا أحد بهذا الاسم .
سرعان ما ارتبك المتصل وبدأ يتحدث بصوت خفيض (و كأنه يكلم نفسه) وقال:
اللعنة، يبدو أنني أخطأت بالرقم الأخير سحقا لتلك الخمسة، كيف أصرف هذه المتطفلة الآن؟
سرعان ما عاد لها محاولا إقناعها بأن الاتصال خاطئ و هو يقول لها
بصوت متوتر مصطنعا خفة الدم:
اعذريني سيدتي ..فقد كنت أختبر ردة فعل زوجتي نحو الصدمات كما أن هذه كذبة ابريل تعلمين مقالب هذا الشهر …
ازدادت سمر شكا في إجابته المريبة عدا عن أنه ما زال شهر مارس ولم يحن أبريل بعد فسايرته قائلة :
-أرجو أن تكون حذرا …فقد كدت أموت رعبا من مكالمتك العبثية هذه!
أعان الله زوجتك… أنصحك بالكف عن مثل هذه المقالب قبل أن تصيبها بسكتة قلبية وتندم بعد ذلك .
-اه. أعتذر منك يا سيدتي حسنا سأتوقف عن فعل مثل هذه المقالب .
لكن سمر لم تقتنع بكلامه وظلت تفكر في ما إذا كان سينفذ تهديده حقا ولن تتعجب فعله لذلك، فقد كان جادا في قوله ، هذا ما أحست به من كلامه . لم تدر أبدا ماذا ستكون ماهية انتقامه لكنها أدركت شيئا واحدا وهو أن عليها حماية هذه السارة بأي طريقة كانت. هل تتصل بالشرطة؟
ماذا تفعل؟ كانت الحيرة تكتنفها وسرعان ما خطرت ببالها فكرة…
لم لا تجرب رقمها مع تغيير الرقم الأخير إلى خمسة ؟
و بالفعل نفذت فكرتها واتصلت
لتبادر بقول :
-عفوا ….هلا أوصلتني بالسيدة سارة ؟
– أنا هي…. من معي؟
– أنا سمر وحضرتك لا تعرفينني شخصيا لكن هلا أجبتني فالأمر مستعجل حقا : هل أنت وحدك الآن بالمنزل ؟
-نعم.. لم هذا السؤال الغريب؟
فقط أجيبيني يا سيدتي :
-هل تعرفين شخصا اسمه أحمد؟
-نعم إنه خطيبي سابقا ….لماذا ؟
– وهل هو من النوع القاسي ؟
تنهدت سارة وأجابتها :
قولي بل من النوع المتوحش الذي لا يتوانى عن فعل أي شيء لبلوغ هدفه…
من إجابة سارة الأخيرة أدركت سمر خطورة الأمر لتصبح نبرتها أكثر جدية وتخبرها بنبرة آمرة:
-اخرجي الآن و اهربي بسرعة فهو قادم إليك !!!!
كانت سمر لا تدري إن تسرعت بقول هذا لها لكن جواب سارة طمأنها بقدر ما أخافها ….
و الغريب أنها أجابتها بصوت هادئ:
يبدو أنه سيفعلها أخيرا ، فمنذ أن رفضت خطبته قد حول حياتي جحيما… لم يكتف بتشويه سمعتي …بل بلغ الأمر به إلى إرسال رجال لإرهابي في منزلي .. لكن و الحمد لله لم أصب بأي مكروه… وعلى الرغم من هربي منه في كل مرة إلا أنه يجد طريقة ليعرف موقعي بعدها …
لا تقلقي سوف تخرجين من هذه المحنة اهربي والتجئي إلى أقرب مركز شرطة…
بعدما أغلقت سمر مع سارة ظلت الكثير من الأفكار تراودها هل استطاعت الهروب ؟ أم وصل إليها ذلك الوحش؟
لماذا ظلت تفكر في سارة؟ ربما لأنها تعرضت لنفس التجربة مع زوجها مروان الذي قلب حياتها رأسا على عقب بعدما علمت صدفة أنه يعمل مروجا للمخدرات، وأبلغت عنه الشرطة لتخلعه رغما عنه ويدخل السجن بعدها ….
مازالت تتذكر كيف كان أفراد الشرطة يمسكونه كي لا ينقض عليها… وهو يحاول التملص منهم بينما يرميها بوابل من السباب هو وأخته الرقيقة سابقا المتحولة لوحش حاليا ، تلا ذلك بعثه العديد من الرجال للتخلص منها حتى أن أحدهم في إحدى المرات حاول إلقاء الأسيد الحارق على وجهها، لكن العناية الإلهية لم تسمح بذلك لكنها أصيبت في يدها …وعاشت ثلاث سنين بعدها في رعب… و هي تحاول الهروب منه. ذلك أنها يتيمة بعد موت كلا والديها بعد وصولها سن الثامنة والعشرين و الآن هي طالبة جامعية في إحدى المدن البعيدة عن مدينتها السابقة، لكنها سمعت عن خروج طليقها من السجن مؤخرا ليتجدد خوفها من أن يتكرر جحيمها القديم مرة أخرى…..
لم تنتبه أثناء تذكرها للماضي لتلك اليد التي ظهرت من ورائها تحاول خنقها، حينها حاولت سمر كل ما في جهدها كي تستطيع الالتفات من أجل معرفة هوية صاحب تلك اليدين لكن كلما حاولت باستماتة أن تستدير كلما ازداد ضغط تلك اليد على عنقها، لتتفاجأ برفيقة سكنها أمل وهي تحاول كتم ضحكاتها. تنفست سمر الصعداء عاقدة حاجبيها بغضب..صارخة عليها بانفعال:
– أرجوك اتركيني ودعي عنك مقالبك السخيفة فقد كدت تقتلينتي حقا…
تغيرت تعابير وجه أمل الضاحكة لحزن عميق وقالت:
رأيتك غارقة في أفكارك مجددا فحاولت إلهاءك بالمزاح معك لا أكثر، لكنني لم أتصور أنني سأخيفك هكذا.. اعذريني .. ثم خرجت من الغرفة وهي تحبس دمعها .
عادت سمر لحياتها الإعتيادية وراضت صديقتها أمل ليتصالحا فليس من عادتهما السماح للمشاكل بإفساد علاقتهما ولم يظهر طليقها مروان بعدها في حياتها مرة أخرى.
واطمأنت على سارة بعد الإتصال بها لتواصلا عيش حياتهما بعد ذلك وقد تعززت علاقتهما لتصبحا من أعز الأصدقاء.


الكاتب : أمينة بورواض

  

بتاريخ : 11/05/2024