مليكة الزخنيني تقرأ واقع النظام الدولي الراهن

يعيش العالم في بداية العشرية الثالثة من القرن الحادي والعشرين على «فحيح» الأزمات، وإعلانات قوى المراجعة نهايات القبول بالنظام القائم، والسعي لتعرية ضعف أسسه ومفارقات قيمه، التي بدأت تنكشف مع تدبيره للجانحة ، وتعمقت مع عجزه عن ضمان أمن دول ومجتمعات على امتداد الخريطة العالمية، وتأكد ذلك مع تفاقم الأزمة البيئية التي عجز عن خلق توافق حول تدابير الحد منها، لتكشف طوباوية القاعدة التي بنى عليها النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة هيكله والتي بمقتضاها ستعوض الأسواق الدول، ويكفي التنظيم الذاتي والحكامة الجيدة لتوحيد العالم. وبذلك تتأكد ضرورة عودة الدولة إلى مساحات من الفعل الذي سلب منها، من أجل التصدي لمجموع التهديدات الأمنية التي تواجه العالم، والتي وإن كانت شِدَاتها تختلف من منطقة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، إلا أنه لا يمكن معالجتها إلا في إطار جماعي لأن طبيعتها تستعصي على الحلول المنفردة للدول مهما تعاظمت عناصر قوتها ، كما تستعصي بدون وجود دول قائمة الذات ينبغي أن تجدد «عقدها الاجتماعي « وفق موازين القوى الحالية، وليس تلك التي أنتجتها الحرب العالمية الثانية.
في سياق رصد هذه التحولات، صدر بداية هذه السنة عن «مركز تكامل للدراسات والأبحاث»، كتاب للباحثة مليكة الزخنيني بعنوان «النظام الدولي الراهن: أية ضمانات للأمن الدولي؟»
الكتاب الهام قدم له الدكتور تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، نورده كالتالي:
«ربما يعتبر هاجس الأمن الجماعي الحافز الأساسي لإقامة التنظيم الدولي، سواء في ظل عصبة الأمم، من خلال مجلس العصبة، أو الأمم المتحدة من خلال جهازها التنفيذي مجلس الأمن. علما بأن الهدف الأساسي هو حماية الأمن والاستقرار، وذلك إما بالتسويات السلمية، كما نص على ذلك الفصل السادس من الميثاق، أو ما يمكن اتخاذه من تدابير في حالة تهديد السلم ووقوع العدوان، وفق الفصل السابع.
إن كتاب الدكتورة مليكة الزخنيني حول إشكاليات ضمان الأمن في النظام الدولي، هو بالفعل محاولة جادة في تفكيك هذه الإشكالية التي أصبحت أزلية بكل المقاييس إذ بقدر ما يجتهد الكثيرون في البحث عن الطريقة المثلى لمسح مشكلة الحرب من الوجود، بما في ذلك اعتبار الأمن الجماعي، بمثابة عملية تضامنية تقوم على مبدأ أن الكل للواحد و الواحد للكل، إلا أن كل هذه الافتراضات سرعان ما تتحطم مع طبول الحرب وتجدد المعارك وسقوط الضحايا، وبالتأكيد فإن الجميع لا يزال عاجزا عن فك رموز هذه المفارقة الغربية في وقت تحولت فيه وسائل العدوان من حروب الماضي المحدودة إلى حروب اليوم الجماعية الشاملة؛ بل إن السلام الذي نشر ظلاله بين القوى المتفوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يتحقق إطلاقا بفضل النوايا الطيبة للعيش في سلام، بل فقط نتيجة لتوازن الرعب النووي الذي أصبح هو الآخر يفلت من قيوده نتيجة تزايد أعضاء النادي النووي.
كان الكثيرون يعتقدون أن ظاهرة العولمة ستؤسس للقرية الشمولية بما تحمله ثورة الاتصالات، وانهيار الحدود الوطنية، وتشابك سلاسل الإنتاج والتوزيع، ومهارات الذكاء الصناعي؛ إلا أن الحضور المستمر للحرب بكل صورها البشعة والمقززة، وبقدر ما يدفع إلى التشاؤم واليأس، إلا أنه واقع يحث الباحثين والمفكرين على مزيد من البحث في الوسائل المثلى لحل هذه الإشكالية ومعالجة مضاعفاتها.
وبالتأكيد، فإن ما أنجزته الدكتور مليكة الزحنيني يعتبر مساهمة جدية في هذا المجال، فبعد أن بادرت إلى البحث في محددات النظام الدولي ومنظومة النظريات المؤطرة لديناميته تعرضت إلى التحولات التي يعرفها مفهوم الأمن الجماعي، والمخاطر والأزمات المرتبطة بها، ولعل أخطرها على الإطلاق هو التحطيم الشامل للحضارة البشرية في حالة استعمال السلاح النووي.
لقد استخلصت الباحثة ضمن هذه الدراسة أن العالم يعيش اليوم على إيقاع تهديدات أمنية لا حدود لها، وقد تفضي إلى اختلالات خطيرة لتوازن القوى الإقليمي والدولي، معتبرة في نهاية المطاف أن تزايد دور التنظيم الدولي، وكذلك المنظمات غير الحكومية والشركات العابرة للقوميات، وتشابك وسائل الاتصال؛ قد تفضي جميعها إلى إنتاج مشترك للإنسانية يمتص العنف ويؤسس للحكومة العالمية المنشودة.
لكن الكاتبة ورغم تقديمها لهذا الحلم الطوباوي، إلا أنها سرعان ما تمسكت بأن الظرفية الحالية تقتضي الإصلاح بإجراء تعديلات حقيقية على النظام الدولي بشكل لا يقتصر على مصالح البلدان الليبرالية المستفيدة من النظام القديم، بل بشكل يخدم مصالح الجميع ويُبعد شبح الحرب عن المجتمع الدولي».


بتاريخ : 18/04/2023