مناصب مالية محتشمة وأرقام لا تستوعب الارتفاع المرتقب للطلبات العلاجية في ظل تعميم التغطية الصحية

 العجز في الموارد البشرية في قطاع الصحة يتواصل مع مشروع قانون مالية سنة 2023

 

لم يأت مشروع قانون مالية سنة 2023، الذي تم إيداعه بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، طبقا للفصل 75 من دستور المملكة وللمادة 48 من القانون التنظيمي 130.13 لقانون المالية، بحلول عملية للإجابة عن إشكالية الموارد البشرية في قطاع الصحة، التي هي العمود الفقري للمنظومة الصحية، والتي ينتظر الجميع إصلاحها إصلاحا شاملا خاصة في ظل تنزيل الورش الملكي للحماية الاجتماعية وعلى رأسه تعميم التغطية الصحية، مع ما يعني ذلك من ارتفاع في حجم الطلب على الخدمات الصحية بمختلف أشكالها وعلى امتداد جغرافية المملكة.
خصاص في العنصر البشري، أكد وزير الصحة والحماية الاجتماعية في وقت سابق أنه يقدّر بـ 32 ألفا على مستوى الأطر الطبية وبـ 65 ألفا بالنسبة للأطر التمريضية، والحال أن مشروع قانون مالية سنة 2023 وللسنة الثالثة على التوالي، وفقا للمعطيات الأولية، يشير إلى تخصيص 5500 منصب مالي فقط، أي أن هذا الرقم لم يتغير منذ 3 سنوات، ولم يعرف أي ارتفاع جديد بعد آخر إضافة في سنة الجائحة الوبائية لكوفيد 19، التي تمثلت في زيادة 1500 منصب، علما بأن هذا العدد المخصص من المناصب المالية لا يعني بالضرورة التوظيفات الجديدة بل يشمل كذلك تسوية الوضعية الإدارية للمهنيين والترقيات وغيرها.
توجّه حكومي، سيكون إذا ما تم اعتماده مخيّبا للآمال مرة أخرى ومتناقضا مع التصريحات الرسمية التي تشخّص واقع الصحة وتدعو للنهوض بها، بل ومتضاربا مع توجيهات رئيس الحكومة نفسه، الذي أكد في منشوره رقم 2022/16 بتاريخ 3 غشت 2022 حول إعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2023 على الأولويات، وعلى رأسها كل ما يتعلق بتعزيز أسس الدولة الاجتماعية، حيث أشار إلى أن الحكومة أطلقت برنامجا لتعزيز الموارد البشرية بقطاع الصحة في أفق سنة 2030 للارتقاء بمستوى التأطير الطبي وشبه الطبي ولبلوغ معدل 24 إطارا لكل 10 آلاف نسمة في أفق 2025 ثم في مرحلة لاحقة تحديد الهدف الذي حدده النموذج التنموي الجديد بالوصول إلى 45 إطارا لكل 10 آلاف نسمة في 2030.
أرقام مالية تبيّن على أن هناك سرعة متفاوتة ما بين حجم الانتظارات وما يمكن تنزيله فعليا على أرض الواقع، بالرغم من الإشارة إلى انتقال ميزانية وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في مشروع قانون مالية سنة 2023 من 23.5 مليار درهم إلى أكثر من 27 مليار درهم أي بزيادة تقدر بحوالي 19 في المئة، والتي تشير المعطيات الرقمية إلى تخصيص 55 في المئة منها للاستثمار، والحال أن المنظومة الصحية لا يمكن أن تدار بدون موارد بشرية أو في ظل الضعف الكبير الذي تعانيه، فالعديد من البنيات الاستشفائية تم إحداثها وظلت مغلقة ولم تفتح أبوابها في وجه المواطنين ولم تقدم خدماتها للمرضى بسبب عدم توفر العنصر البشري من أطباء وممرضين وتقنيين للصحة وغيرهم، وهي الخلاصات التي يمكن قراءتها كذلك بالرجوع إلى الشق المتعلق بتدبير الرأسمال البشري في البرنامج 700 المتعلق بالموارد البشرية وتعزيز قدرات المنظومة الصحية، بالرغم مما أكد عليه مشروع نجاعة الأداء الخاص بمشروع قانون المالية 2022 نموذجا.
وجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية توصي بالرفع من ميزانيات وزارات الصحة لتتراوح ما بين 10 و 12 في المئة من الميزانيات العامة للدول، حتى تقوم بأدوارها وتترجم الأبعاد الحقوقية المرتبطة بالأشخاص، المتعلقة بالحياة والصحة والمساواة بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، وهي القضايا التي لا تزال تعتريها العديد من النقائص، كما هو الشأن في المغرب، حيث يعتبر معدل إنفاق الفرد على الصحة دليلا واضحا على حجم التباين، بالنظر إلى أن المريض المؤمّن يتحمل على نفقته الخاصة حوالي 56 في المئة من المصاريف التي تخص كل ملف مرضي، مما يحول دون ولوج الكثيرين إلى الصحة بشكل عام.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 21/10/2022