منظمة النساء الاتحاديات تفتح نقاشا مجتمعيا حول مدونة الأسرة بالدار البيضاء

نظمت منظمة النساء الاتحاديات، مساء يوم الجمعة الماضي بالدار البيضاء، ندوة في موضوع «مراجعة شاملة لمدونة الأسرة حماية للمجتمع» ساهم فيها كل من الكاتبة الوطنية للمنظمة حنان رحاب، مليكة الزخنيني، برلمانية عن الفريق الاشتراكي عضو لجنة التشريع، سعاد بنور، أستاذة جامعية بكلية الحقوق، ومحمد أمغار محامي متخصص في المادة الدستورية.
وتأتي هذه الندوة في إطار الترافع من أجل مدونة للأسرة شاملة لكل قضاء الأسرة والنساء والأطفال، كما تأتي في إطار تنظيم المنظمة لسلسلة من الندوات عبر التراب الوطني يساهم فيها ثلة من الأساتذة والباحثين والحقوقيين والسياسيين والمجتمع المدني المهتم بقضايا الأسرة والنساء والطفولة.
وقد افتتحت هذه الندوة بمداخلة الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات حيث وبعد استعراض كل المواقف الحزبية بخصوص قضية مدونة الأسرة وقضية النساء وقضايا الطفولة، اعتبرت أن المدونة في صيغتها الحالية لم تعد تستجيب لمتطلبات الحاضر، وأنه وجب تعديلها تعديلا شاملا، وأن لا يقتصر نقاش المدونة داخل اللقاءات الحزبية بل يجب أن يتم الانفتاح على المجتمع المدني والإعلام، من أجل نقاش وحوار وتفاعل حول الرغبة في المراجعة الشاملة والدقيقة للمدونة.
وأضافت أن «منظمة النساء الاتحاديات اشتغلت على تعديلات، حيت نعتبر أن القانون برمته يحتاج إلى تعديلات وليس فقط الخمسة أو الستة مواضيع المتداولة، هذه التعديلات التي اشتغلنا عليها في المنظمة تعتمد على ما تمت المصادقة عليه من قبل المغرب، وخاصة المواثيق الخاصة بحقوق الإنسان، وعلى الدستور المغربي الذي أقر سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، وكذلك على الخطب الملكية التي تناول فيها موضوع الأسرة وإصلاح مدونة الأسرة.
هنا لا نتحدث فقط عن الولاية الشرعية ولا على النسب و الطلاق وتزويج القاصرات والتعدد، نحن نقول إن المواد من 1 إلى المادة 400 تحتاج إلى مراجعة وتدقيق، كما أن هناك فصولا في المدونة تحتاج إلى تعديل، وعلى سبيل المثال لا الحصر المواد 17 ، 20، 21، 67، 148 إلى غير ذلك من الفصول التي يجب مراجعتها».
ومن جهتها تطرقت سعاد بنور إلى موضوع حماية الطفل بين المواثيق الدولية والمدونة، حيت أكدت أنه وجب تسليط الضوء على مسألة حقوق الطفل بهدف تحسين النصوص، لأن آخر شخص يتم الاهتمام به في المدونة هو الطفل، بخلاف مجموعة من التجارب الدولية، التي اهتمت بأطفالها، وتوقفت عند المادة 20 من المدونة التي تنص على إذن تزويج القاصرات، حيت أنها طالبت بتعديلها، وعلى أساس أن لا تتم هذه الزيجة إلا بعد الاستماع إلى كل الأطراف سواء الولي أو نائبه الشرعي وكذلك القاصر التي يراد تزويجها، مع الأخذ بالتقارير الطبية، وذلك لأن المساطر القضائية لا يمكنها الطعن في مقررات الإذن بالزواج، وشددت على ضرورة التخلص من هذا الفصل وإلغائه، ودعت الدولة إلى حماية أطفالها.
ومن جهة أخرى تطرقت المتحدثة إلى فئة أخرى والمتمثلة في الأطفال الذين يولدون خارج العلاقة الشرعية حيث أن هناك حوالي 11.43 في المئة من المواليد يولدون خارج مؤسسة الزواج، أي حوالي 50 طفلا، وأنه يتم التخلي عن 24 مولودا جديدا في الشارع، وهذا ناتج عن فراغ النصوص القانونية الخاصة بمدونة الأسرة والمرتبطة بوضعية الطفل غير الشرعي، وهنا استدلت المتدخلة بقضية رائجة في محكمة طنجة أقرت اعتراف الأب بأبوته للمولود إلا أن محكمة النقض كان لها رأي آخر.
أما في حالة التقاضي لأجل إثبات النسب إثر علاقة بين المرأة والرجل نتج عنها حمل خارج المؤسسة الزوجية، فإن المحكمة لا تعترف بنسب المولد للأب، رغم اعتراف هذا الأخير بأبوته للمولود، في المقابل تقر حق النفقة عليه.
ودعت سعاد بنور إلى المساواة في الوصاية، إلغاء زواج القاصرات، اعتماد الخبرة الجينية بالنسبة للرجل الذي لا يعترف بنسب المولود، توحيد مفهوم البنوة والنسب، إلحاق المولود الناتج عن الاغتصاب بأبيه المغتصب، حماية الأمهات العازبات، وإلغاء تجريم الإجهاض..
مليكة الزخنيني من جهتها اعتبرت أن مدونة الأسرة يجب أن تخضع لحوار مجتمعي، لأنها تمس كل المغاربة، وأكدت على مراجعتها أو إنتاج مدونة جديدة تثير استقطابا اجتماعيا بين المحافظين والتقدميين، كما دعت إلى مراجعة القانون الجنائي لارتباطه بالمدونة، وهو ما يحدد ملامح المجتمع، وذلك للحسم في مجموعة من القضايا في القوانين الجنائية، وذلك لتيسير الأمر أمام تعديلات المدونة، ذلك أن القانون لا يمكن أن يكون فعالا إلا إذا كان يجيب عن أسئلة المجتمع.
وجوابا عن سؤال : لماذا مراجعة المدونة الآن؟ نبهت المتدخلة إلى أن الإحصائيات حول الأسرة، أكدت أن مصدر إعالة الأسرة يعود للنساء، وأنهن أصبحن في عديد من الأسر المغربية المورد الوحيد لمتطلبات أسرهن، ولهذا وجب تنقيح المدونة من جميع المقتضيات التمييزية والانسجام مع النصوص الدستورية، وهي ضرورة تاريخية بالنظر لما تعرفه من اختلالات على مستوى الموضوع والتطبيق، وكذلك إغلاق الباب أمام النوايا السيئة التي تطالب المغرب باحترام حقوق الإنسان في إشارة لخطوة البرلمان الأوربي الأخيرة.
وحذرت مليكة الزخنيني من منطق التوافقات في إعداد وإصلاح مدونة الأسرة، وهو ما سينتج من جديد مجموعة من التناقضات التي عرفتها المدونة الحالية.
كما تطرقت إلى مستويات الطلاق وسؤال أسباب تفكك الأسرة المغربية، وهل يمكن وضع نص قانوني يحفظ تماسكها، داعية إلى التفكير في طبيعة الأسرة المغربية والحفاظ على تماسكها. وبخصوص المادة 400 اعتبرتها المتدخلة مدونة داخل مدونة، مما يستوجب الاستنفار أمام القضاء عندما يقوم بالاجتهاد، حيث اعتبرتها بمثابة أرضية لإعفاء القاضي من الاجتهاد عبر الحلول السهلة، وهو ما يستوجب معه ترك المادة400 ومضامينها لاجتهاد القاضي بروح حقوقية وقضائية صرفة.
في ختام مداخلتها أكدت مليكة الزخنيني «أننا في حاجة إلى إعادة النظر في مدونة للأسرة تكون جزءا من مشروع ديمقراطي حداثي قائم على مبادئ حقوق الإنسان وإنصاف المرأة وحقوق الطفل، كفئتين مستضعفتين، وكذلك صيانة كرامة الرجل، لإعادة توازن القوى داخل الأسرة دون خدش للأدوار».
محمد أمغار من جهته اعتبر أن القانون مركب شأنه شأن المجتمع المغربي يرتبط بنسق العرف والشرع الإسلامي فضلا عن القانون الوضعي، فرغم أن الأحوال الشخصية قد تطورت وتطور المجتمع المغربي إلا أن النصوص سطرها تكنوقراط من الفقهاء، وهو ما جعل المدونة في صدام مع الواقع، خصوصا مع التحولات المجتمعية وتغيرات النصوص القانونية من قبل الوثيقة الدستورية.
ودعا أمغار بدوره إلى نقاش مجتمعي حقيقي عوض نقاش سياسوي قد أدى إلى صدام، كما سبق، ويضيف أنه يتعين على الأحزاب والفاعلين التفكير في الاجتهاد داخل النص الدستوري والأخذ بعين الاعتبار التحولات التي تعرفها الأسرة المغربية، وهو ما يمكن من الخروج من مطبات النقاش الذي أخذ منحى ايديولوجيا، لهذا يجب أن يكون التشريع لمجتمع حداثي ودولة حديثة انطلاقا من إطار عام لتجاوز التناقضات التي جاءت بها المدونة الحالية، حتى يكون هذا التشريع متطورا إن على مستوى الحقوق أو الواجبات.
وفي ختام مداخلات هذه الندوة فتح نقاش مع الحضور حيث تم تبادل الآراء والمواقف في ما يخص مدونة الأسرة الحالية، وأجمعت جل المداخلات على ضرورة إصلاح المدونة حتى تستجيب للمتطلبات المجتمعية الراهنة.


الكاتب : عبد النبي المساوي

  

بتاريخ : 30/01/2023