منظمة النساء الاتحاديات وقطاع المحاميين الاتحاديين يجددون التأكيد على ضرورة مراجعة شاملة لمدونة الأسرة

الكاتبة الوطنية حنان رحاب: «مذكرة المنظمة» ترتبط بست مواد كبرى تحتاج إلى مراجعة شاملة لتتناغم المدونة مع واقع المجتمع

علال البصراوي: قضاة محافظون بمحكمة النقض يفضلون الاحتكام للنصوص الدينية بدل الرجوع إلى النص القانوني

 

 

عقدت منظمة النساء الاتحاديات يوم الخميس 23 فبراير الجاري، وفي إطار سلسلة الندوات التي تعقدها محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا، ندوتها الوطنية برحاب المكتبة الوطنية بالرباط، والتي نظمتها بشراكة مع قطاع المحاميين الاتحاديين.
وقد جاءت هذه الندوة الوطنية تتويجا لكل اللقاءات التي تم تنظيمها بخصوص البرنامج الذي سطرته منظمة النساء الاتحاديات في مؤتمرها الأخير، حسب الكاتبة الوطنية للمنظمة التي أكدت على أهمية أدوار منظمة النساء الاتحاديات في الترافع والاشتغال على مشروع مراجعة المدونة كإطار قانوني بعد مرور 19 سنة من التطبيق، وعدم ملاءمتها مع دستور 2011 والمصادقة على مجموعة من المواثيق الدولية فيما يتعلق بالاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، ورفع كل أشكال التمييز ضد النساء وحماية الأطفال، خاصة أن دستور 2011 قد نص على سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، إذ لابد من رفع كل أشكال التحفظ والعمل على ملاءمة كل القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية، كما أضافت الكاتبة الوطنية للمنظمة بأن المراجعة يجب أن تكون شاملة من المدخل وحتى المادة 400 من المدونة.
النقاش اليوم حول مدونة الأسرة ليس نقاشا نخبويا أو ترفا فكريا، بل إنه نقاش مجتمعي يرتبط بأسئلة حارقة نابعة من صلب المجتمع من قبيل سؤال الحضانة والنفقة والولاية الشرعية والطلاق وتزويج القاصرات…، لهذا فتحت المنظمة، حسب الكاتبة الوطنية رحاب، ورشا للإنصات للحالات وتبادل الأفكار مع المختصين، وأن المنظمة قد انتهت من تحضير المذكرة التي لا تخرج عن إطار كل ما استقيناه من شهادات حية ومداخلات غنية في كل ربوع الوطن بتنوعه الثقافي والهوياتي والاجتماعي والاقتصادي.
اعتبرت ذ. حنان رحاب أن المذكرة التي أوجدتها المنظمة ترتبط بست مواد كبرى تحتاج إلى مراجعة شاملة لتتناغم المدونة اليوم مع واقع الأسرة والمجتمع، وفق التزامات المغرب دوليا والمرجعية الدستورية التي تنص على المساواة ورفع كل أشكال التمييز ضد النساء وحماية الأطفال ومصلحتهم الفضلى دائما.
هذا وقد اعتبر النقيب الأستاذ علال البصراوي منسق قطاع المحامين الاتحاديين، بأن لدينا إصرارا كبيرا لمراجعة المدونة حتى نتمكن من تجاوز كل الهفوات التي ظهرت بعد دخول المدونة حيز التطبيق منذ حوالي عقدين من الزمن، لا من حيث النص أو من حيث التطبيق، منوها بالدينامية التي تقودها المنظمة لتعديل المدونة حتى نصبح أمام نص قانوني يضمن المساواة في العلائق الأسرية.
كما قدم النقيب ذ. علال البصراوي مجموعة من الملاحظات العامة حول مدونة الأسرة، من قبيل مسألة المرجعية الدينية التي تطالبنا مستقبلا في البحث عن أشكال المساواة في النص الديني، خاصة أن الإسلام أعلى من قيمة المساواة إلى العدل باعتباره قيمة سامية فوق المساواة ، إذ ينبغي الاهتمام أكثر بالمرجعية الكونية للحقوق الإنسانية وأن النص الديني يمكن إعماله في حدود معينة.
إن المشكل ليس في النص فقط، حسب النقيب د. بصراوي، بل إنه يتمثل في تطبيق القضاء وفتح باب الاجتهاد القضائي ممثلا بالغرفة الشرعية بمحكمة النقض والتي تعتبر تاريخيا بها قضاة محافظون يفضلون الاحتكام للنصوص الدينية والمالكية بدل الرجوع إلى النص القانوني خاصة أن المادة 400 تسعفهم في ذلك وتقدم غطاءا قانونيا لذلك.
المدونة بحسب الأستاذ النقيب بصراوي، مدونة برأسين، أو بمدونتين الأولى من 399 فصلا، والثانية مدونة الفصل 400 التي تحيل على المذهب المالكي والاجتهاد القضائي والسلطة التقديرية للقضاة وهذا ما يمنع أية مراجعة.
دور الحركة النسائية هو المطالبة بأن يكون قضاء الأسرة قضاة متشبعون بقيم حقوق الإنسان الكونية ومرجعيتها الدولية ومواكبة التوجه العام للدولة المغربية وتماشيا مع كل الخطب الملكية، وأنه للحركة النسائية اليوم، أن تعيد بناء نفسها، وإعادة بناء مشروعها ليتلاءم وأسئلة اليوم الحارقة للواقع والمجتمع المغربي.
من جانبها اعتبرت عتيقة وزيري المحامية بهيأة الرباط وعضوة الكتابة الوطنية للمنظمة بأن راهنية تعديل مدونة الأسرة ذلك النص الوحيد الذي قدر له أن يصاحبه لغط مجتمعي ونقاش قوي محفول بالحمولة السياسوية التي ترافقه، معتبرة أن السياق الذي جاءت فيه المدونة سنة 2004 مختلف تماما عن سياقات دستور 2011 والذي جاء بنفس وتوجه نحو المستقبل والسعي لحماية الأطفال والأسرة.
إن انخراط المغرب في المنظومة الدولية كانخراطه في اتفاقية سيداو واللجنة الأممية التي تطالب بتعديل نظام الأسرة هو ضرورة ملحة بحسب ذ. وزيري، خاصة بعد كل تلك الاختلالات التي ظهرت بعد تطبيق مدونة الأسرة، ذلك التطبيق الذي ينزح بالنص عن مقاصده، ويحول الاستثناء إلى قاعدة، فكيف يأذن القاضي بزواج القاصرات بإذن وليها الشرعي، وما هو دور النيابة العامة في مراقبة الدعوى واستئنافها خاصة أن لها الحق في ذلك.
أثارت الأستاذة عتيقة الوزيري في سياق مداخلتها، مسألة التعدد الذي اعتبرت أن المشرع المغربي قد شدد في مسألة منح الإذن بالتعدد وفتح الاستثناء بالقوة القاهرة، لكننا نجد أن المحاكم تعطي الحق في ذلك بأسباب واهية من قبيل شخير الزوجة أحيانا وإنجاب البنات أو مرض السكري للزوجة في أحيان أخرى. وأن الإذن بالتعدد غير قابل للطعن أو الاستئناف.
كما تطرقت ذ. وزيري لمسألة الحضانة التي لم يعد مقبولا في عصرنا الحالي أن تعود الحاضنة لطليقها كلما اضطرت إلى إنجاز أية وثيقة إدارية، معتبرة أن المراجعة لمدونة الأسرة يجب أن تكون مراجعة شاملة لا من حيث اللغة والجوهر والفلسفة وأن تكون قائمة على المساواة وضمان المصلحة الفضلى للأطفال كما هو معبر عنها كونيا ودستوريا، وبالتالي لم يعد مقبولا أن نحتكم لنص قانوني يمشي على رجلين.
من جانبه، اعتبر الأستاذ محمد نشاط المحامي بهيأة المحامين بسطات بأن للمنظمة شجاعة وجرأة في مقاربة موضوع لازال موسومًا بالقدسية مجتمعيا باعتبار أن الندوات التي تم عقدها في السابق هي بمثابة أرضيات لخطة تعديل مدونة الأسرة حيث انطلق من سؤال لماذا تعديل مدونة الاسرة؟ وهل السؤال في حد ذاته ترف فكري أم أنه قد أصبح حاجة ملحة بهدف الإصلاح ؟ معتبرا بأن المجتمع يعرف نقاشا حقيقيا حول التعديل حتى وإن كانت هذه المدونة قد استجابت في الماضي لحاجيات كانت تفرضها سابقا لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية واعتماد الزواج بدل النكاح والبناء بدا الدخول أو الوطء وما إلى ذلك من مفردات موغلة في التخلف والرجعية.
اعتبر الأستاذ نشاط بأنها جاءت بمقتضيات عالجت اختلالات كثيرة ترتبط بموازين القوى بين الرجل والمرأة حيث جعلت مسؤولية الأسرة مشتركة بين الزوجين، الأهلية لتزويج المرأة لنفسها، الطلاق والتطبيق تحت رقابة القضاء…، لكن بالرغم من كل هذه المقتضيات نحن نطالب بتعديل مدونة الأسرة ونتساءل هل يجب أن يكون هذا التعديل جزئيا أم أننا مطالبون بالإصلاحات الشاملة المدونة برمتها؟ وهل هذا التعديل بشقيه سوف يحقق مطالب الحركة النسائية أم أن هذه المطالب يجب البحث عنها خارج نطاق المدونة؟
رأى ذ. نشاط بأن اختلالات مدونة الاسرة ترتبط لصنفين مختلفين، صنف أول غير مرتبط بالنص القانوني، وصنف ثان مرتبط بالنص القانوني وبتطبيقه من طرف القضاء.
الجانب الإعلامي والتوعوي والتحسيسي المواكب لمدونة الأسرة لمحاربة كل الأفكار السلبية التي ترافق هذا النقاش، بالإضافة إلى خلل يتمثل في عدم إحداث محاكم خاصة بقضاء الأسرة بدل أقسام خاصة بذلك، وأنه ليس هناك قضاء متخصص في إطار الجمعية العمومية للمحكمة التي يرأسها رئيس المحكمة ووكيل جلالة الملك عمليا يصعب على قاض يترأس الغرفة التجارية ان ينتقل لقسم الأسرة، وهذا ما يفرض علينا المطالبة بإحداث محاكم مختصة في القضايا الاجتماعية، أي كل ما له علاقة بقضاء الأسرة والمشاكل المترتبة عنها.
وقد أجمل الأستاذ نشاط كل الاختلالات المرتبطة بمقتضيات التطليق بالمادة 400 من مدونة الاسرة التي تعتبر قانونا داخل قانون واحد واصفا أياها بالمادة التي تفوق في حجمها ومقتضياتها مدونة الأسرة برمتها والتي تحيل على الاجتهاد القضائي وفق المذهب المالكي، والتوسع في منح السلطة التقديرية للقضاة، بحيث وجب على المشرع أن يكون دقيقا في صياغته التشريعية، وألا يفتح المجال للاجتهادات لأنها تختلف من قاض لآخر ومن محكمة لأخرى خاصة فيما يتعلق بتقدير المتعة والنفقة، وزواج القاصرات الذي أصبح قاعدة بل أن يكون أستثناء، ما يستوجب الحسم مع فتح المجال للسلطة التقديرية أمام وجود فراغ تشريعي.
وقد قدم ذ. نشاط في هذا الاتجاه، بعض الاقتراحات من قبيل ضرورة توحيد اجراءات الطلاق في اطار المساواة بين الام والاب، وتوحيد سن الزواج في 18 سن مع إلغاء الاستثناء، إحداث بعض المؤسسات من أجل المواكبة والمصاحبة للنساء المطلقات في وضعية هشاشة وتخصيص منح محفزة لهم، تفعيل كل المجالس التي نص عليها الدستور من قبيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي وهيأة المناصفة وكل اشكال التمييز.
في السياق نفسه، اعتبرت ذ. عائشة الكلاع، المحامية بهيأة الدار البيضاء وعضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بأننا لا نطالب بتعديل مدونة الأسرة في بعض النقاط التي تخص البناء المفاهيمي فقط؛ بل نطالب بمراجعة شاملة وفق المرجعية التي يجب ان تحكم المدونة والتي وجب فيها ايضا ان تكون شاملة وشفافة.
وقد ركزت الكلاع في مداخلتها، على أنه يجب حماية الأطفال بقوانين صارمة، أي كيف نضمن لهم كامل حقوقهم تشريعيا، وايضا كل ما يتعلق بالعرض الصحي، التعليم، اشكاليات الهدر المدرسي… منبهة إلى مخرجات التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي أقر بأننا لم نبلغ بعد ضمان حق الأطفال في مجموعة من الحقوق كالصحة والتعليم وضمان الحماية الجسدية والجنسية والنفسية، كيف يعقل للأطفال ضحايا الطلاق أن يصبحوا بين ليلة وضحاها عرضة للهشاشة والضياع إذا قدم الطليق ما يفيد تهربه من النفقة.
التزام المغرب دوليا بكل المعاهدات الدولية لحقوق الطفل يفرض علينا اليوم المضي قدما في سن تشريعات واضحة وصارمة حماية لأطفالنا ومراعاة لمصلحتهم الفضلى دائما، وفي هذا الإطار، دعت ذ. الكلاع الدولة إلى تحمل مسؤولياتها كاملة في تعليم الأطفال وإلزامية التعليم حتى سن 18، وتوفير بيئة أسرية متعلمة، وتوفير كل الحقوق للطفل، بدل تحميله مسؤولية أسرة ودولة عديمتي المسؤولية تجاهه. بحيث يجب القطع مع منطق الإحسان، وتوفير حضانة للطفل بين الأم والأب للعيش في بيئة نفسية وتربوية نظيفة تضمن للطفل أن يكون منتجا في المستقبل ومساهما فعليا في التنمية.
كما أثارت الكلاع مسألة نسب الأطفال وضمان حقوقهم كاملة خاصة الناتجين عن أية علاقة كيفما كانت شرعية أو غير شرعية، بالإضافة الى نقطة الولاية الشرعية التي يجب ان تتساوى بين الوالدين في العلاقة الزوجية او حين انحلالها بعد الطلاق.
كذلك الحال بالنسبة للاستاذ أمغار المحامي بهيأة الدار البيضاء، الذي طالب في سياق تدخله، بالمراجعة الشاملة لأشكال الطلاق بعد 19 سنة من تطبيق المدونة ارتباطا بالتحولات التي يعرفها المجتمع، ما يدفعنا الى المطالبة بتغيير القانون ليتلاءم وروح دستور 2011، ليتناسب ومحتوى الخطب الملكية الموجهة للسياسات العمومية الموجهة للمجتمع والاشكاليات المرتبطة به.
وقد أجمل على مستوى الممارسة، شيوع نوعين من الطلاق والتي يجب الاقتصار عليهما، أولا الطلاق الاتفاقي بشروط او بدونها، وطلاق الشقاق مراعاة للمصلحة الفضلى للاطفال.
أما بخصوص الاموال المكتسبة حين الزواج ومسألة تدبير ذلك، حسب دة. سعاد بنور المتخصصة في قانون الاسرة بكلية الحقوق بالدار البيضاء، والتي دعت الى اعتبار العمل المنزلي عملا يساهم في أقتصاد الأسرة.
وقد وقفت في السياق نفسه،عند ملامح اللامساواة في الفصلين 146, 148، حيث تتحمل الام وحيدة نفقة الابن الغير شرعي واعفاء الايمن اي التزام تجاه ذلك الطفل بما في ذلك النفقة.
بخصوص نقطة الإرث، الله يدعو إلى التدبر والتفكر ولا يجعل الولاية لأحد، فيجب مراجعة أحكام التعصيب خاصة ان عمر بن الخطاب في عصره قد أوقف الحدود. ما يحتم علينا ضرورة مراجعة النص الديني بروح العصر حتى يبقى الاسلام صالحا لكل زمان ومكان ويجب ألا يتوقف العقل البشري 14قرنا كاملة.
وقد ختمت دة. مليكة الزخنيني عضوة الفريق الاشتراكي، النقاش حول المادة 400، أننا أمام أسرة ومجتمع يعرفان تحولا كبيرا وعميقا، وأنه لابد من تأطير ذلك بنص قانوني لا يحمل في ثناياه تفجيرا للقانون نفسه، معتبرة أن المادة نفسها مادة قصيرة لكن تأثيرها كبير للغاية، تحيل على بياضات في المدونة، في قضايا اغفلها المشرع، خاصة أن  المادة 400 تأتي لاستغلال كل البياضات والثغرات، وفتح الباب عند كل التأويلات كأننا أمام إقالة للمشرع المطالب بأن يتفاعل لحل المشاكل وإنتاج نص تشريعي يواكب العصر، وأن استدعاء المشرع لنصوص دينية هو استدعاء فعلي لنسف المدونة، وأن الفقه يعني الفهم وشرعيا هو العلم بالاحكام الشرعية العملية المرتبطة بالبدن وليس بالروح، لكن ما العدل؟ وكيف نتصور العدل والمساواة؟ كيف نفهم المعاشرة بالمعروف اليوم؟
وبدورها أكدت الأستاذة الجامعية سعاد بنور في مداخلتها حول النظام المالي في مدونة الاسرة، أن الزوجة تقوم بأعمال متعددة داخل البيت وبالتالي لابد من تقديرها والاعتراف بهذه المجهودات.
كما تطرقت الأستاذة الجامعية إلى الأموال المشتركة التي تكون بين الزوجين و إمكانية التصرف فيها، مشيرة إلى أنه لابد من إعادة النظر في مسألة النفقة والمساواة بين الرجل والمرأة. و استعرضت في مداخلتها وجهة نظر الفقه و الشرع في مسألة الإرث والمساواة بين المرأة والرجل.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 27/02/2023