من أجل مخيمات تراهن على بناء الانسان والقطع مع ثقافة المخيمات التقليدية

أكثر من 10000 إطار تربوي تمت تعبئتهم لتنزيل البرامج التربوية

محطة تقييمية قد تبدو مبكرة، في غياب التشخيص العام والدقيق وفق شبكة واضحة الأهداف… هذا ما قد يبدو عليه الأمر ونحن نخوض مغامرة استباقية الهدف منها الإنصات لا إصدار الأحكام… إنه ملف متعدد الأصوات حول واقع وآفاق التخييم في ظل التحولات الجديدة، ينأى بنفسه عن محاكمة مرحلة جنينية، لكن يتسلح بالجرأة الكافية لفتح شهية النقاش حول المعيقات والتصورات الممكنة البديلة لتطوير القطاع في أبعاده المتعددة… بنيات استقبال وبرامج ببداغوجيا وتحدي الدمج وتطويق الفساد والفوضى والعبث والتفكير معا في منظومة عقلانية للتكوين… هذا الملف دعوة صريحة لنقاش مبكر تعقبه قرارات وقوانين وتحولات جذرية..

 

من اجل هيكلة دقيقة للأدوار و المسؤوليات

في سياق تقييم/ تقويم الموسم التخييمي لهذه السنة، عبر رئيس الجامعة الوطنية للتخييم محمد كلوين عن ارتياحه عموما للأجواء السليمة والتربوية التي مرت فيها المخيمات، وسجل بسرور الطفرة البيداغوجية التي شهدت مخيمات متنوع، والتنزيل الإبداعي لرؤية الوزير الوصي على القطاع، الذي تناغمت رؤيته مع الحاجيات الحقيقية للميدان. رؤية احتكمت للمشاورات الموسعة، وتوسيع دائرة القرار بل والتخطيط، مضيفا «ونحن في الجامعة الوطنية للتخييم، اشتغلنا مع المهدي بن سعيد ضمن اتفاقيات وشراكات متميزة آخرها اتفاقية بوزنيقة، وأعتقد جازما أن المقاربة التشاركية للوزارة في صيغتها العميقة لا الشكلية ساهمت بشكل كبير تطوير آليات العمل التربوي والمدني والتنشيط وفق رؤية صارمة لا هامش فيها العبث، هذا تجلى في إبعاد إطارات العبث والفوضى باسم الطفولة، وتجلى التنزيل السليم لهذه الرؤية في ربط التربية والترفيه بالقيم والمواطنة والتنشئة، حيث جوهر استراتجيته هو السلامة النفسية للطفل والتشبع بالقيم الوطنية، مع منحه هامشا مهما للعب التربوي بعيدا عن كل أشكال التهريج، و الرفع من صبيب التحول الإيجابي من الأشكال التقليدية إلى مقاربات حداثية، وشخصيا كنت أقف على مفاصل الرؤية الوزارية وأنا أرى انفتاح المخيم على محيطه وعلى كل المتدخلين والمتدخلات والفاعلات والفاعلين وكل النخب، فقد شهدنا تجارب رائدة لانتقال الأنشطة من التعبوية إلى الشارع ومعانقة المجتمع في لقاء إنساني ووطني خصوصا حينما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية وطنية».
علاقة بالموضوع ذاته أكد رئيس الجامعة الوطنية للتخييم أن من ينكر أن المخيمات هذا الموسم عرفت تحولا كبيرا من حيث جودة الفضاءات والتغذية وتنوع المشاريع البيداغوجية التي انفتحت على ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى المزمنين، فالزيارات التي قامت بها الجامعة لم يكن الهدف منها عسكرة المخيمات بل تثمين المبادرات الرائدة وتعميمها كتجربة ناجحة، وتحفيز الأطر الإدارية والتربية والتواجد الميداني لتدبير الأزمات والدعم النفسي والمعنوي، بإحداث شبه قطيعة مع العبث واعتماد دفاتر تحملات واضحة في انتظار العمل على مراجع تربوية وبيداغوجية ملزمة كحد أدنى، وقد «ربحنا تحدي الدمج في خطواته الأولى، حيث نطمح أن يستفيد كل الأطفال من عطلتهم وعلى الفضاءات والمناهج أن تستوعب وتتكيف مع كل الحالات، هنا سنعمل مستقبلا مع الوزارة على أدبيات تربوية ومنهجية للمخيمات بما في فيها بيداغوجيا الدمج لا الإندماج لفئة عريضة من الأطفال محرومة لأسباب فيزيوبوجية حركية حسية وذهنية ومرضية..»

مجال الطفولة ورش مفتوح للتطوير و الإبتكار

وعلاقة بالموضوع ذاتة حول تقييم المرحلة وجهنا التساؤلات نفسها للكاتب العام للمرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف عبد النبي فندو بصفته فاعلا مدنيا تربويا، فسجل بارتياح عميق ما وصفه نجاح هذا الموسم بامتياز، مؤكدا على دور الجامعة الوطنية للتخييم في بلورة تصور ميداني يتجاوز الصيغ التقليدية ويدمج القيم يؤسس لمجتمع صغير يحتكم للمواطنة في أفق بناء الإنسان المواطن، ووقف كثيرا عند تطور وجودة البنيات التحتية آملا القطع مع البنيات التقليدية حفاظا على كرامة الطفل وسلامته، وذكر بالصيع الجديدة التي تم دمجها في المشروع البيداغوجي لمخيم المرصد، كالفضاء الرقمي والربوتيك، انفتاح المخيم على محيطه وتحوله من فضاء ضيق إلى منارة للتوعية وتصريف القيم، كعملية”ضع بصمتك في وجه الظلام” والتي تمت بمشاركة المجتمع والفاعلين والنخب والسلطات المحلية، وشدد على أن المخيمات في حاجة إلى نوع شديد من التكوينات تخرج أطرا قادرة على إنزال مقاربة الدمج لأن التحدي الجديد علاوة على توسيع بنيات الاستقبال هو دمج ذوي الحاجات الخاصة والمتعايشين مع أمراض مزمنة….. وختم تصريحه قائلا” نحن في حاجة إلى حوار ومشاورات جديد في قضايا متعددة ذات طابع بنيوي وأخرى ذات طابع مالي ومادي وبياغوجي».

المخيمات الصيفية: الآفاق والرؤى الممكنة

وتجاوبا مع الأسئلة نفسها حول واقع التخييم في ضوء مرحلة 2023 والآفاق والتحديات واعتبر الفاعل والإطار المدني والتربوي أحمد رزقي  نائب رئيس جمعية المواهب المخيمات الصيفية خلال هذا الموسم، حدثا وبرنامجا ، طفرة نوعية تناغمت مع متطلبات الأطفال والشباب، من خلال تقديم عرض حكومي حاول أن يتفاعل مع الإشكالات الحقيقية المرتبطة بالتنمية الإنسانية والاستقلالية الاجتماعية للفئات الأكثر هشاشة (خصوصا الأطفال والشباب).
وعلاقة  بالتقويم العام أضاف أنه  لا يمكن إلا أن نعتبر أن المخيمات الصيفية وحقل التخييم خدمة اجتماعية،  مؤكدا ضرورة  بناء منظومة للتدبير والعمل المشترك قادرة على المساهمة في معالجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للطفولة والشباب المغربي، يرتبط أساسا بالوضعية التي يعيشها الأطفال والشباب، مما يستدعي في نظره التفكير في ما وصفه  مأسسة المخيمات والتنمية المهنية والترقي بأدوار المخيمات وتحقيق الاعتراف المؤسسي والمجتمعي بهذه الفضاءات ومنظومة التخييم كأحد الروافد الأساسية للتنمية البشرية المستدامة وتحقيق الادماج الاجتماعي.
ووصف محطة 2023، بالحلقة الجديدة وبأنها محطة من أجل تجديد الدعوة إلى خلق حوار عمومي وبناء استراتيجية للعمل المشترك من أجل الانتقال وتحويل مهام وأدوار المخيمات الصيفية إلى سياسة عمومية قوامها تحقيق التربية والتنشئة والادماج الاجتماعي، و لها إطارها التنظيمي وقواعدها ومتطلباتها الخاصة بالأداء المهني، ومرجعيتها المجتمعية المحددة لأدوارها ومهامها والكفايات المهنية الضامنة لجودة الإنتاج والمنتوج. مردفا في السياق ذاته «نحن في حاجة اليوم إلى اطلاق مسلسل التشاور والحوار والتفكير المشترك يتقاطع مع مبادرات مدنية وحكومية من أجل تطوير منظومة التخييم والعمل السوسيوتربوي. ويتجسد هذا الاختيار من خلال استثمار تراكمات وتجارب ومكتسبات الحركة المدنية في مجال التنشيط السوسيوتربوي في المغرب وفق استراتيجية جديدة للتكوين وتنمية القدرات، تتماشى وطموحات العاملين في مجال التخييم، وتتبنى بلورة هندسة شمولية ومحكمة لتدبير ملف التخييم وفق الأدوار الجديدة للفاعل الاجتماعي، وتجيب عن الحاجة إلى موارد بشرية أكثر كفاءة و احترافية، قادرة على تطوير برامج ومشاريع اجتماعية أكثر نجاعة من أجل التصدي إلى للإقصاء الاجتماعي و الهشاشة.
وانتقد الإطار المدني نفسه نمط تدبير مجال التخييم الذي وصفه بقصور المقاربة وغياب الاستراتيجية الفعالة داعيا إلى تشكيل «مؤسسة مستقلة للتخييم «  ولما لا «مؤسسة محمد السادس للتخييم» وعلى غرار المؤسسات شبه حكومية، ذات الاستقلالية المالية والإدارية والمعنوية وتتشكل من مختلف القطاعات الحكومية والترابية المعينة بالطفولة والشباب, مؤكدا أن هذه  المأسسة من شأنها إخراج تدبير قطاع التخييم من خندق الأحادية في التدبير والتسيير والرقي بها به إلى سياسة عمومية ذا بعد استراتيجي يساهم في حماية الطفولة وادماج الشباب المغربي.

المخيم منارة للتوعية
و تصريف القيم

علاقة بالموضوع ذاته كان لابد من الإنصات إلى الموقف الرسمي فأعطينا الكلمة لعبد الرحمان أجباري رئيس قسم المخيمات ليضعنا في المشهد العام للتخييم هذا الموسم بعد إسدال الستار عنه. وبعد أن ذكر بأن فعاليات البرنامج الوطني للتخييم صيف 23 تختتم بعد مرور خمس مراحل تخييمية من العطاء و البرامج التربوية و الثقافية والترفيهية والبدنية لفائدة اكثر من 100 الف طفل على مدار 58 يوما، أكد أن العمل والمواكبة و المشاركة والتوجيه مركزيا جهويا واقليميا ومحليا لعبت دورا محوريا في التجويد والتطوير إلى جانب فريق عمل إداري وتربوي مسجلا الانخراط المتميز لمكونات الجامعة الوطنية للتخييم من مكتب جامعي و مكاتب جهوية و أكثر من 698 هيئة جمعوية وطنية و متعددة وجهوية ومحلية ومؤسسات مهتمة بالعمل التربوي.
وفي السياق ذاته حدد أن اكثر من 10000 إطار تربوي تمت تعبئتهم لتنزيل البرامج التربوية التنشيطية ارتباطا بشعار الموسم «المخيمات فضاءات للتنمية والادماج»، منوها بدعم والانخراط الكبير لمؤسسات وقطاعات عمومية وبالشراكة التقليدية العريقة مع وهيئات عمومية و خاصة.
وثمن ما وصفه التتاغم في العمل رغم تعدد المتدخلين والفاعلين حيث قال «الكل كان يعزف سمفونية المخيمات على ايقاع جودة الخدمات المتنوعة والمتكاملة من اجل فضاءات تربوية تراعي احتياجات الطفولة و الناشئين ارتباطا بدور المخيم كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية و التربية على القيم و المواطنة و فضاء للتعلم عبر الممارسة خارج الصفوف الدراسية».
وأردف قائلا إن مايمكن تسجيله اليوم هو التزام الوزارة عبر استراتيجية شجاعة ومبادرة ومنفتحة من أجل تطوير منظومة التخييم بالمغرب من خلال الاهتمام بترسانة من المجالات كالترسانة القانونية في بعدها التشريعي والتنظيمي لمراكز التخييم، والبعد البنيوي حيث تم تطوير و إغناء البنية التحتية بافتتاح 6 مراكز بهندسة معمارية تراعي خصوصية الحياة التربوية بالتخييم مع تطوير وتحديث التجهيزات والأدوات التي هي عنصر جوهري في تحسين وجودة خدمات الاستقبال والعيش المشترك، وتحقق طبعا هذا بالرفع من قيمة منحة المطعمة لضمان تغذية متنوعة ومتوازنة وصحية وكافية طيلة مرحلة التخييم.
ولا يمكن الحديث عن التدبير بصفة عامة في غياب تعزيز حكامة تنزيل وأجرأة البرنامج الوطني للتخييم لهذا تم تشكيل لجن مركزية جهوية ومحلية للتتبع والتقييم والتشخيص الميداني مع دعم ذلك بوضع رقم للاتصال المركزي أمام عموم المواطنين للاستفسار حول البرنامج الوطني للتخييم، وتشكلت لجن لليقظة عبر دعم عمل اللجنة الاستشارية المركزية واللجن الاستشارية الجهوية .
وأضاف أن تأهيل الأطر الجمعوية عبر دورات تدريبية خاصة بأنشطة التخييم ودعم البرامج التنشيطية ببرامج تكميلية من قبيل قافلة المواطنة، صوت الطفولة، عروض مسرحية سجلت تحولا مهما في منظومة التخييم، مما أغنى العرض التربوي بحضور أطفال المجال الترابي القروي بنسبة مهمة تفوق 20% حضور العنصر النسوي سواء بالتداريب او المخيمات بنسبة تراوحت بين 40/50%.
وسجل أجباري بفخر فتح المجال أمام اطفال ذوي الهمم بمخيمات نوعية، وارتفاع نسبة الاستفادة التي سجلت هذه السنة زيادة 25% مقارنة مع صيف 2022.
ووعد بالالتزام والعطاء في إطار البرنامج الوطني للتخييم الذي يحظى بالرعاية الملكية، مؤكدا أن مجال الطفولة ورش مفتوح للتطوير والابتكار في إطار المرجعية الوطنية وتوجهات الوزارة وفلسفة جلالة الملك في التنمية وعلاقتها بالتربية.

توحيد معمار البنيات

وبما أن الموضوع مرتبط بالتقييم التربوي والإنصات إلى قاعدة واسعة من المتدخلين والمتدخلات فقد علينا من باب الموضوعية، أن نتواصل مع أولياء الأمور والأطفال أنفسهم. وفي تصريح لطفل استفاد من أحد المخيمات، عبر عن فرحته من الأنشطة والورشات، كان سعيدا بوجود مسابح بعين المكان، واعتبر أن «التغذية كانت كافية، لكن بحكم سنه ووزنه كانت لا تكفيه، إذ سرعان ما يجوع ليلا…».
وخلافا لهذا الطفل عبرت طفلة أخرى في مخيم آخر عن تذمرها من توقيت نقل السكك الحديدية، ووصفت الأنشطة بالعادية وبعضها بالمرهق، كما سجلت لحظات الفراغ الطويلة، قائلة ” خيمت منذ سنين… لا شيء تغير…غير الوجبة الفردية التي لا تكفي…” أما أغلبية أولياء الأمور فاختلفت آراؤهم وانطباعاتهم حول نوعية الفضاءات والتغذية والبرامج، وقد فضلوا جميعا أن يتم توحيد معمار البنيات ودور الاستقبال، خصوصا مع الارتفاع المهول للحرارة بتعميم المراقد المكيفة والمسابح واعتماد حافلات للزيارات مريحة تتوفر فيها وسائل الراحة.

ضرورة خلق تحول جذري
في مسوغات التكوين

وفي ما يتعلق بمسألة التكوين والتحديات النظرية والتطبيقية، أفاد الروائي والخبير التربوي خالد أخازي أنه حان الوقت لإصدار قوانين متعلقة بالتكوين وشروطه ودرجاته، مع التشديد على حد أدنى تعليمي مناسب، فمهمة المدرب لا تقل عن مهمة المدرس، بل هي أعقد منها، فالطفل يبيت داخل مجموعة مع المدرب، وبالتالي فكفاياته يجب أن يتم بناؤها على أساس بنك من الوضعيات التكوينية والوضعيات التقويمية النظيرة، ككيفية معالجة تبول الأطفال ليلا، والمقاربة النفسية لمواجهة مشكلة الكوابيس والتنمر والتسلط والخجل والانطواء.
في السياق ذاته أكد على ضرورة خلق تحول جذري في مسوغات التكوين يتأسس على مقاربة حل المشكلة والوضعيات لنخرج من تكوين المعلومة إلى تكوين الكفاية، حيث يتمكن المتدرب وفق وضعية ما من التعامل مع مهام عامة أو خاصة بتعبئة كفاياته التي استوعبها مجردة وغدت صالحة للتعامل مع وضعيات أزمة أو وضعيات عادية مع الوعي بالقيم التي نحن في أمس الحاجة إليها مجتمعيا، سواء لتعديل السلبي منها أو تعزيز الإيجابي عبر وضعيات تنشأ بالحياة التربوية للمخيم وتكون أرضية للحوار والإقناع والتبني.
ها نحن نقف على صورة ولو مختزلة لواقع التخييم. قد تقاطعت آراء الفاعلين والمتدخلين حول عدد من القضايا، طبعا هناك نقط مضيئة هذا الموسم، لكنها تظل تجارب معزولة بيداغوجيا لجمعيات بادرت من ذاتها بدل أن يكون هناك إطارا مرجعيا يلزم الجميع بالحد الأدنى من مناشط تراهن على بناء الإنسان والقطع مع ثقافة المخيمات التقليدية… فالتحدي كبير… والتجويد مقاربة جماعية تشاركية والتطهير مقاربة يجب أن تستند إلى قانون واضح المعالم والاختصاصات، يلزم الجميع، والرهان الأكبر هو تطوير منظومة التكوين في أفق التوفر على أطر تربوية وإدارية متخصصة وقادرة على تنزيل الاستراتيجية الوطنية في التخييم والطفولة عامة.


الكاتب : إعداد: محمد قمار

  

بتاريخ : 09/09/2023