من الوعي بالذات إلى الوعي بالهوية قراء في مجموعة «على سفر…» لفريدة العاطفي

على سفر… عنوان المجموعة القصصية للقاصة المغربية فريدة العاطفي. تقع المجموعة في سبعين صفحة من القطع المتوسط، وتشتمل على أربعة عشر قصة قصيرة متفاوتة من حيث الطول والقصر.وقد صدرت عن سليكي إخوان، طنجة في طبعتها الأولى برسم:2017،وقد كتبت المجموعة بين سنتي:2004/2015.وسنحاول من خلال هذه الورقة الوقوف عند بعض القضايا التي تطرحها المجموعة.وسنبدأ أولا بالعنوان والمتن والحكائي وما يثيره من موضوعات وقضايا مرورا باستدعاء للمورث الثقافي والتجنيس وانتهاء بالخاتمة.
في مسألة العنوان:
قبل الدخول في التفاصيل التي تطرحها مجموعة على سفر…ارتأينا أنه من الضروري الوقوف بين يدي العنوان. ولا يخفى ما يمكن أن تقدمه لنا قراءة العنوان من إضاءات حول المتن العام ككل- سواء كان شعرا أو نثرا-، سيما إذا علمنا عن الصلة الوثيقة القائمة بينه وبين المتن.وهكذا ، جاء العنوان يتكون من قسمين هما:
على ثم سفر.وفي حال تأمل العنوان وربطه بالنص،سيلاحظ القارئ من الناحية الدلالية أنه يأخذ بعدين دلالين:
-الأول: يحيل على الحدث الذي ينتصر للتوالي، قصة أبي/ص:12
-الثاني: يحيل على الحركة،وهذه الحركة تتأطر ضمن الأفعال،قصة مملكة الحب/ص:21.
وهكذا فالقاصة المغربية فريدة العاطفي اقتطفت عنوان متنها من القصة المعنونة ب»أمي… وزرقاء اليمامة» وبالضبط من الصفحة: 48. تقول الساردة «نحن ما زلنا على سفر. في الطائرة نشد أحزمتنا». ص:48. وجدير بالذكر فإن هذا العنوان قد ورد في القرآن الكريم، وبالضبط في سورة البقرة الآية رقم: 184التي تقول»فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ». من جانب آخر نشير إلى أن لفظة سفر وردت في قصص عدة. نقرأ:»كل منا في سفره الداخلي «ص:18،ونقرأ»قمت بهذا السفروأنا عاشقة…».ص:37،ونقرأ في قصةأخرى:»كنت غارقة في تأملاتي حول السفر».ص:51.وغني عن البيان أن لفظة سفر وإن وردت في سياقات مختلفة، فإنها ترتبط فيما بينها من الناحية الدلالية وتساهم في تشييد عالم قصصي متعدد الفضاءات يندر من حيث لغته السردية وأحداثه بالعديد من الممكنات التأويلية.

في المتن الحكائي:
تتناول مجموعة» على سفر…» جملة من الموضوعات المهمة التي تحفل بالحياة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الطفولة، الأمومة، الفن، الأبوة ، الهوية السفر، الحب، الحلم، السفر،

في الطفولة:
من الآنا إلى الآخر:
من الموضوعات التي تطرح نفسها بحدة في المتن القصصي لفريدة العاطفي نجد موضوعة الطفولة،وهي – كما لا يخفى – من أجمل الموضوعات التي تغري بالكتابة كما تحقق المتعة لدى القارئ بكل أنواعه وتجعله يسافر في فضاءاتها إلى عوالم لا يمسك بخيوطها إلا المبدع/ة الحقيقي/ة.
ماذا عن الطفولة في على سفر…؟
ونحن نقرأ مجموعة على سفر… نلاحظ استدعاء فضاء الطفولة في المجموعة،والطفولة تحضر بدرجات بين نص وآخر حسب السياق السردي.تقول الساردة وهي بصدد الحديث عن الحب الذي تكنه لوالدها:»تمنيت لو كان بإمكاني أن أقتسم معه شبابي،كي يظل وسيما…تماما كما كان في طفولتي».ص:12. وتقول أيضا: «أحيانا أتخيل أنني طفلة تلعب مع الأطفال». ص:22. يلاحظ القارئ أن الكاتبة تستدعي الطفولة في القصتين المعنونتين ب أبي و مملكة الحب وتحتفي بها بطريقتها السردية الخاصة.ولما كانت الطفولة مثل فراشة جميلة تحلق بعيدا عنا،فإن القاصة فريدة تحاول تقريبنا من هذا التحليق الجميل بتشكيلاته الرائعة وهو يغطي كل فضاءات متنها القصصي.وبالانتقال إلى العينات القصصية التالية:من أجل…طفل ومملكة الحب ولم أعد طفلة، فهي تقول في الأولى:»الأطفال مسجونين بداخلنا»18. وفي القصة الموالية تقول عن أطفال باريس:»هنا في باريس يتعلم الأطفال الحروف بالغناء». ص:23. ،وفي الثالثة نقرأ:»النرويج جنة للأطفال فقط». ص:27. وإذا كانت القاصة في العينات الأولى تستدعي طفولتها وتحتفي بها في سياق حديثها عن أناتها فإنها في العينات الموالية تستحضر طفولة الآخر التي تشغل حيزا سرديا مهما داخل المتن القصصي سيما وأن الكثير من الأحداث تدور في فرنسا، وهو ما يعكس رحابة صدر الكاتبة الذي يتسع لكل طفولة العالم ،كأنها بهذا تريد أن تشعر القارئ بأن الطفولة لا تؤمن بالحدود ومنزلتها مليئة بالحكايات المتنوعة والمختلفة، ولذلك لابد أن نطرق أبوابها ونحتفي بها مهما كان جنسها أو لونها.

بين الأمومة والفن:
النهد من الموضوعات التي كثيرا ما ثم النظر إليه من منظورات مختلفة في الكثير من الأعمال السردية والشعرية.وهو بهذا المعنى يرمز إلى الرغبة و الأمومة والحياة والأنوثة.وقد سبق لبعض المبدعين أن احتفوا به كالروائي حنا مينا الذي احتفى به في روايته المعنونة ب حين مات…النهد، والقاصة خديجة اليونسي في مجموعتها المعنونة ب الأميرة سنو وايت، وبالضبط في قصة تفتحي يا وردة، وكذا القاصة فاطمة الزهراء الرغيوي في مجموعتها جلباب يتسع للجميع من خلال قصة الثدي الأيسر. وبناء عليه يمكننا طرح السؤال التالي:
كيف تناولت العاطفى في مجموعتها، وبالتالي هل الأمر يتعلق بالنهد أو بدلالاته؟
في قصة النهد مثلا يلاحظ أن المبدعة فريدة تحتفي بالنهد،وهي هنا لا تحتفي به في ذاته ولذاته لأن النهد-كما يبدو من خلال القراءة – يحفل بالكثير من الأبعاد الدلالية والرمزية. نقرأ: «السيارة تعبر بنا إلى فنيس ونحن نتحدث عن الحب، وكيف يزرع أغضانه الطرية فينا،حينما نمسك بنهد الأم لأول مرة». ص:10، وفي نفس القصة نقرأ:» وكنت أنظر إلى البالونات وأنا أتخيل نهد أمي. أعود طفلة تلتصق بنهد الأم، تمتص منه الحليب.تتساقط قطرات الحليب العذبة من فمي الصغير ومن نهد أمي المضيء». ص:11. إن النهد هنا يرمز دلاليا إلى الأمومة وهو من الموضوعات التي تبقى تشغل الإنسان مهما بلغ من العمر ودرجات وسموق، مثلما يرمز إلى الحب وهو من أسمى القيم الإنسانية. هكذا يظل النهد من الموضوعات التي كثيرا ما ثم النظر إليه من منظورات مختلفة في الكثير من الأعمال السردية والشعرية. وهو بهذا المعنى يرمز عند فريدة العاطفي في قصتها النهد إلى الأمومة والحب مثلما يرمز في كتابات أخرى إلى الرغبة والحياة والأنثى. وبهذا المعنى ففريدة العاطفي تنحث لنفسها مصطلحات خاصة تعبر من خلالها عن أسئلة الذات والوجود. والجميل أن المبدعة العاطفي في احتفائها بهذه الموضوعة لا تفوت الفرصة كي تحتفي بالفن بكل ما ينضوي داخله من أنواع من قبيل الموسيقى والرقص والغناء… نقرأ:»كان يعزف على جيتاره، وهو يغني جورج براسانس». ص:9. ونقرأ في سياق آخر: «كان عازف الجيتار ما يزال يغني…». ص:10. وبرأيي فإن هذا الاستثمار إنما ينم عن تشبع المبدعة بالقيم الفنية وجعلها فرصة لتحويل النص القصصي إلى مسافة جمالية تولد المتعة لدى القارئ لهذا النوع الأدبي.

أسئلة الذات بين الأبوة والهوية المتعددة:
بالانتقال إلى القصة المعنونة ب»أبي» تطالعنا القاصة عن حكاية حبها لوالدها وذلك عبر رحلة سفر إلى مسقط رأسه بالناظور. والحب الذي تتحدث عنه الساردة ليس وليد اللحظة بل تجتره منذ الطفولة وتتذكر معه جانبا من أطيافه. تقول الساردة: «حين كنت طفلة، ورغم قصر قامته، كان أبي يبدو لي شاهقا… وهو يطل علي من أعلى». ص:12. وتقول أيضا «أقوى تجربة حب في حياة المرأة هي حبها الطفولي لأبيها». ص:13. وعلى الرغم من مرور زمن طويل على الصورة الأولى التي تعود إلى مرحلة الطفولة، فالساردة ما تزال تتذكرها بكل تفاصيلها، إنهاكيمياء الحب. وخلال الرحلة ستكشف الساردة أن والدها قد بلغ بالفعل السبعين من العمر. تقول «قبل أيام من سفرنا، أبلغني والدي أنه بلغ السبعين من عمره». ص:12، ونقرأ أيضا:»كيف لم أنتبه لسنواته السبعين؟». ص:13. والحق إن الإنسان وسط زحمة الحياة ومتطلباتها والإكراهات التي بات يعيشها لم يعد ينتبه إلى ما يفعله الزمن بنا أو بأقاربنا. فمع تقدم العمر تتراجع صحة الإنسان وتتغير ملامحه. تقول الساردة: «وأنا في الحافلة متجهة مع أبي إلى مسقط رأسه، ازدادت تجاعيد وجهي…» .ص:14 ونقرأ أيضا:» التجاعيد ذاتها ما زالت تحفر خطوطها على وجهي». ص:15. إن هذه الرؤية التي تعتمد الانعكاس ما هي سوى تقنية من التقنيات الفنية التي تروم التأكيد على طبيعة العلاقة القائمة بيننا وبين آبائنا الذين نرى ذواتنا إما من خلال وجودهم الفعلي أو عبر صورهم التي نحملها ونتمثلها. وبهذا المعنى، فتجاعيد الوالد هي نفس تجاعيد الساردة والعكس صحيح، كما أن تقدم سن الوالد يعقبه ويوازيه تقدم سن الساردة التي ترى نفسها وتستمد وجودها من خلال وجود الأب. نقرأ:»فهل أرفض أن يكبر أبي، لأنني أرفض أن أكبر أنا؟». ص:14. وفي سياق آخر نقرأ: «إن التجاعيد في وجهي لم تكن تجاعيدي…كانت تجاعيد أبي اختارت أن تستقر على وجهي». ص:16. وعلى العموم فالأساس في هذا التمثل أو الاقتران الجميل هو الحب الذي يهيمن على هذه العلاقة ويغديها ويضمن استمراريتها في زمن أصبح من سماته تغير وتراجع القيم. وبموازة مع هذه الموضوعة -الأبوة – سرعان ما يلحظ القارئ حرص الساردة بطريقة ضمنية على تمرير موضوع الهوية وهو موضوع شائك وراهني، إلى جانب هذا فهو يحفل بالكثير من الأبعاد النفسية والاجتماعية والفلسفية والتاريخية.. وقد سبق للعديد من المبدعين أن تناولوا هذه المسألة في متونهم للإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع ونستحضر هنا – على سبيل الذكر- رواية موت مختلف للروائي المغربي محمد برادة التي اتخذها الكاتب موضوعا لبناء متنه الروائي والتحسيس بالمخاطر التي تحذق ببعض الهويات المهاجرة ونفكر هنا في حالة بدر ابن منير بطل الرواية.
إذن ماذا عن سؤال الهوية في على سفر…؟
إن رهان صاحبة نص على سفر… على التنويع في الموضوعات وتذويت الكتابة وجعلها فضاء لطرح أسئلة متنوعة، وتعالقها بأخرى أكثر راهنية من رهانات الكتابة المغربية الجديدة التي تسعى إلى جعل النص القصصي مسافة جمالية تشغل وتجيب عن أفق انتظار القارئ المولع بقراءة جنس القصة القصيرة. وغني عن البيان فإن طرح مسألة الهوية في القصة المعنونة بأبي يتساند مع هذه الرؤيا. تقول الساردة لحظة التقاء والدها بأفراد عائلته في الناظور:»وأنا أستمع إليه يتحدث سعيدا مع عائلته بأمازيغية لا أتكلمها، رغم كونها ظلت تناديني لسنوات طويلة أحسست أني أهوي في مجهول بعيد». ص:15، وفي نفس السياق تقول: «أبي شاخ ولغته وهي ذاكرتة هويته وكاشفة أسرارها». ص:15. وعلى الرغم من ضياعها لفرصة تعلم الأمازيغية، ولكي تخرج من هذا المجهول فإن توظيف القاصة المغربية فريدة العاطفي للهوية وتناولها والاحتفاء بها في متنها القصصي يروم تأكيد ما يلي:
أ – التشبت بهويتها من جهة الأب، لأنه كما يقال: «ذلك الفرع من تلك الشجرة»
ب – الحاجة الماسة للساردة بغية معرفة المزيد عن تاريخ اللسان الأمازيغي
ج – التأكيد على التعدد والتنوع الثقافي للمجتمع.
ولما كانت الهوية في كثير من الأحيان تنتصر للتعدد فإنه من اللازم أن نطرح السؤال التالي:
هل هذه الهوية كافية لتشكيل ملامح وخصوصيات شخصية الساردة؟
في قصة تعالي… نقرأ: «ربما أتيت من الأندلس…هذا ما لا تتوقف أمي عن ترديده بحنين دائم إلى قريتها الجبلية الخضراء، وهي تحضن في عزلتها أربعين قبرا لشخصيات ذات تواريخ وضاءة من شعراء… وعلماء… وأمراء… ومتصوفة… نزحوا إلى شمال المغرب هربا بعد سقوط غرناطة». ص:43/44. هكذا تكشف الساردة أمام القارئ عن جذورها الأندلسية من جهة الأم مثلما كشفت في قصة أبي عن جذورها الأمازيغية من جهة الأب. وفي القصتين معا تمتزج الهوية بالحب و الانتماء والبوح والمكاشفة. لكن الكاتبة لا تنظر إلى الهوية من خلال هذه المنظورات فحسب، بل تطالعنا في قصة تعالي… عن موقف آخر. تقول الساردة: « ما أروع أن يكون الإنسان كونيا». ص:41. وبغض النظر عن الإشكالات الفلسفية والدينية والسياسية التي يثيرها مصطلح الكونية فإن دلالة الكونية في هذا النص تستمد مرجعيتها من قيم التعارف والحب بالرغم من الاختلاف القائم بيننا. وبرأيي فإن أوسكار – شخصية إسبانية – الذي يحلم بالقراءة والحب يجسد هذا النمط. وعليه فالكونية هنا مظهر من مظاهر الانفتاح الذي يزيد الذات هوية أكثر إنسانية . إن الكتابة عن الهوية سواء بطريقة واضحة أو مضمرة تزيد من تقوية النص القصصي ويجعل منه نصا ينفتح على أسئلة الذات بكل ما تنطوي عليه من أبعاد نفسية واجتماعية ووجودية. ولا نخفي سرا إن أشرنا إلى أن فريدة العاطفي بحكم ما تملكه من قدرات فنية وإمكانات سردية قد تمكنت بالفعل من إغناء نصها بأسئلة من هذا القبيل.

السفر
على سفر… من المجاميع القصصية التي اشتغلت على السفر والرحلة. والقارئ لهذا المتن يلحظ في الافتتاح السردي للعديد من القصص أو على الأقل في مقطع من المقاطع السردية الداخلية علامات تحيل على السفر. ومن أولى وأهم هذه العلامات عنوان المجموعة على سفر… الذي اختارته المبدعة عتبة لمتنها العام،وهو عنوان يحيل على السفر مثلما تفيد دلالته التعيينية المباشرة على ذلك. وللاقتراب من عوالم هذا السفر نقرأ في القصة المعنونة ب أبي:»الحافلة تتجه بنا أنا وأبي إلي مسقط رأسه بإقليم الناظور». ص:12. وفي القصة الثالثة التي تحمل عنوان من أجل طفل نقرأ:» الطائرة باتجاه الصين… وعلينا أن نتدبر أمرنا للوصول إلى التبت». ص: 16أما في القصة التاسعة الموسومة بعنوان تعالي… فنقرأ أيضا:»القطار متوجه من مدينة القصر الكبير… إلى الرباط».ص:40. إن السفر هنا يأخذ أكثر من وجهة- كما هو الحال عليه في هذه العينات وعينات أخرى- إذ يمكن رصدها كالتالي:
-الأولى: السفر داخل فرنسا، أي في اتجاه ليون، قصة لاذئب في الحديقة يا أمي/ص:56
-الثانية: السفر خارج فرنسا، أي في اتجاه إسبانيا ونمثل لذلك بقصة سيدة البياض/ص:51
-الثالثة : السفر داخل الروح، قصة من أجل… طفل/ص:17، وقصة سيدة البياض/51.
إلى جانب كون السفر نافذة تنفتح على العالم وتجعل القارئ يتعرف على بعض فضاءات المدن والبلدان الأخرى التي ترتكز عليهما العملية السردية،فهو أيضا فرصة تزيد من مساحة السرد والأحداث وتجعل القارئ في صلبها ووجها لوجه أمام أفعال شخصيات النص،و كل ما يصدر عنهم من آراء وتدوين لهذه الفضاءات التي- غالبا ما – تشد القارئ إلى درجة التماهي.

آراء ومظاهر فنية في المجموعة:
أ- استدعاء الأسماء والحكاية الشعبية:
ترتبط الكتابة القصصية في وعي بعض الكتاب بوعي نظري وسردي.وللانتقال بهذا الوعي من المجال النظري إلى ما هو فعلي يرتبط بالكتابة نجدهم يتوسلون بمجموعة التقنيات الضرورية واللازمة في بناء النصوص.وعملا بهذا التقليد النقدي سنرصد هنا بعض التقنيات التي توسلت بها المبدعة فريدة العاطفي في بناء مجموعتها على سفر… وسنركز على البعض منها – كما بدت لنا – في النص.
في القصة المعنونة ب قنديل البحر يلاحظ استدعاء الكاتبة لشخصية علاء الدين وهي – كما لا يخفى- شخصية خيالية من شخصيات ألف ليلة وليلة.نقرأ:»وجدت القنديل يشبه مصباح علاء الدين… كلاهما غامض وساحر».ص:34 .والحديث عن هذه الشخصية التراثية يدفعنا للإشارة إلى عباس بن فرناس الذي حاول الطيران وهو إلى جانب هذا انشغل بالعلم والشعر ،نقرأ في القصة المعنونة ب لاأسماء… للعصافير:»أفكر في عباس بن فرناس الطائر الذي أراد أن يحلق بعيدا عن سجونه الداخلية».ص:38/.39.كما يلاحظ القارئ استدعاء زرقاء اليمامة المرأة المشهورة بقوة نظرها وبصيرتها وذلك في قصة أمي..وزرقاء اليمامة.تقول الساردة:»فأحكي لها عن زرقاء اليمامة كما حدثنا عنها التاريخ والكتب المدرسية».ص:47.وإذا كانت هذه الشخصيات تنتمي إلى العصور القديمة، فإن هذا لم يمنع المبدعة فريدة العاطفي من استدعاء شخصيات أخرى من العصر الحديث.وهكذا فقد استدعت جورج براسانس- شخصية فنية فرنسية من أصول إيطالية- وهو يكتب الشعر ويلحنه ويغنيه.نقرأ:» على أغاني جورج براسانس تحدثنا طويلاعن الحب».ص:9.إن استدعاء هذه الشخصيات بميولاتها وانشغالاتها المتنوعة ومواهبها التي تتميز بهاإنما تعكس عوالم الكاتبة الثقافية،وكذا قدرتها على تخصيب و تهجين النص وجعله أفقا سرديا تلتقي عنده الكثير من الأسماء التي تساهم في بناء صرح النص وبعده المعرفي والدلالي.لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد فحسب،بحيث نجد في القصة التي تحمل عنوان لاذئب في الحديقة يا أمي تستدعي الحكاية الشعبية وتعمل على توظيفها نصيا.نقرأ:»كان يا مكان جاء الذئب الماكر إلى المعزة،طرق بابها بعدما غير صوته،وثقت به،وفتحت له الباب،فانقض عليها…».ص:57.في زيارة لحديقة الرأس الذهبي بمدينة ليون الفرنسية بمعية بعض الأطفال سترى الساردة تقريبا كل الحيوانات من أسد وخنازير وحمار ملون وقطط وسلحفاة باستثناء الذئب.لا مجال له في هذا المكان كي لا يفسد أحلام الأطفال ويأكل بعضهم. ولما كان الذئب يرمز في الحكاية الشعبية إلى الغدر والخيانة والخداع،فإن حياة الصغار ومعهم حتى الكبار وكل المجتمع، حياة خالية من كل المخاطر التي قد يلحقها الذئب بها، ربما لأن الذئب يوجد في مكان آخر.إن الساردة تطمئن الجميع وهي تخاطب والدتها كما يبدو ذلك – بشكل واضح- من عنوان القصة «لا ذئب في الحديقة يا أمي»،فالمقصود بالحديقة هنا هو المجتمع الفرنسي الصغير والكبير، وبداخله لا مكان للذئب.

ب – في التجنيس والتجنيس معكوسا
إن السفر في مجموعة المبدعة فريدة العاطفي ليس عرضيا كما يمكن أن يتبادر إلى ذهن البعض،ولكنه وجد لغايات فنية منها السعي إلى تشكيل تنويع و أفق سردي وجمالي.وهو بهذا المعنى- السفر- فإنه يخدم السرد القصصي وينمي الأحداث كما ينقل حديث وأفعال الشخصيات القصصية من فضاء إلى فضاء جديد.وهو ما يعيد للنص فرادته وكذا جماليته لدى المتلقي لهذا النوع السردي.إننا إذن نحن أمام مجموعة قصصية يحضر فيها السفر،ولما كان الأمر كذلك فإننا لن نجازف إن اعتبرنا أن المجموعة القصصية تنتمي إلى جنس القصة وفق مسوغات نظريات الأجناس الأدبية،أما من حيث النوع فهي تدخل ضمن سرود السفركما سبق أن رأينا سلفا، طبعا مع بعض الاختلافات التي يمكن تسجيلها في هذا المجال.
خاتمة:
هكذا بعد هذه القراءة البسيطة يتضح بشكل جلي أن مجموعة على سفر…للقاصة المغربية فريدة العاطفي من المجاميع القصصية الجادة بموضوعاتها المتنوعة والمختلفة التي يغلب عليها البعد القيمي والإنساني وهي تقارب الذات في سياق علاقتها بأناها والآخرين من خلال سفر سردي مليء بالأسئلة والإجابات.والقارئ للمجموعة يشعر بالمتعة وهو ينتقل بين الفضاءات التي تشغل عليها وتحتفي بها المجموعة.فضاء الأمومة فضاء الطفولة فضاء الأبوة والهوية وبعض الحكايات الموازية من قبيل الحكاية الشعبية وحكايات الآخر عن تجربته في الحياة.وأعتقد أن هذه السمات وغيرها من باقي السمات الأخرى كفيلة للكشف فنيا عن أوجه هذه الجدة من خلال كيفية تناولها،وهو تناول يضمن للقارئ بطاقة العبور والسفر إلى هذه الفضاءات التي جعلت من مجموعة المبدعة فريدة العاطفي متنا قصصيا ينبض بالحياة والمواقف الإنسانية.

على سفر… مجموعة قصصية، فريدة العاطفي. منشورات سليكي إخوان، طنجة، الطبعة الأولى، السنة:2017.


الكاتب : د.حسن اليملاحي

  

بتاريخ : 17/11/2017