من خلال بحث ميداني وتحليلي لمدارس جماعاتية بالجديدة، اسفي، سيدي بنور واليوسفية: هل فشلت المدارس الجماعاتية  في أن تكون بديلا حقيقيا ونوعيا ؟

في بحث تربوي تطرق إلى واقع اشتغال المدارس الجماعاتية وسبل تحسين أدائها وتجويد مردودها؛ تم الوقوف على واقع اشتغال هذا النوع من العرض التربوي من خلال دراسة تألفت من شقين؛ شق توثيقي وشق ميداني،
تعرضنا في الأول إلى تحليل وضعيات وبنيات مجموعة من المدارس الجماعاتية، التي تنتمي إلى الحيز الجغرافي لأكاديمية دكالة عبدة سابقا، كعينة للبحث، وهمت كل المؤسسات الجماعاتية لمديريات: الجديدة، اسفي، سيدي بنور واليوسفية؛ أما الشق الميداني فتميز بتوزيع الاستمارات واقتصر على المدارس الجماعاتية بمديرية اليوسفية، وقد مكنت الدراسة بشقيها التوثيقي والميداني، من استنتاج مفاده أن هذا العرض التربوي الذي أُريد له أن يمثل بديلا حقيقيا ونوعيا للمدرسة الابتدائية التقليدية، ويتجاوز إكراهات وتحديات ومعضلات هذه المدرسة المتميزة بوجود مركز تتبعه فرعيات متناثرة ومشتتة، تربط بينها مسالك وعرة ويصعب الحفاظ على تجهيزاتها وتأطيرها ومراقبتها إداريا وتربويا، قد فشل -هذا العرض التربوي الجديد-  في أن يكون بديلا حقيقيا ونوعيا؛ ونظرا لما يقتضيه النشر الصحفي، من حيز محدود، نقتصر على عرض ملخص، منهجية وتوصيات البحث الذي تجاوزت صفحاته الستة وخمسون صفحة (56)، على امل أن نتمكن لاحقا من نشر الدراسة كاملة.

خلاصة البحث
اُعْتُبرت المدرسة الجماعاتية مشروعا هاما في مسلسل «إصلاح التعليم» بالمغرب، سواء من حيث الكلفة المادية التي رُصدت للمشروع أو من حيث الأهداف والآمال التي عُلقت عليه، ونظرا لكون هذا العرض التربوي الجديد جاء لتجاوز الإكراهات والتحديات التي واجهتها المدرسة الابتدائية بالعالم القروي، خاصة ما تعلق منها بالهدر المدرسي وتأمين زمن التعلمات وتدبير الموارد البشرية، كان لابد من تقييم ولو أولي وجزئي للتجربة التي شُرع فيها مند 2003 على سبيل التجريب؛ وبشكل مكثف بعد 2010 في اطار «البرنامج الاستعجالي»؛ في هذا السياق قمنا بدراسة استكشافية  تحليلية لنماذج من هذا العرض التربوي همت الحيز الجغرافي لأقاليم: اليوسفية، آسفي، الجديدة، وسيدي بنور؛ بينما تم الاقتصار في توزيع استمارات البحث على المدارس الجماعاتية التابعة لمديرية اليوسفية وهي عينة نعتقد أنها كافية من حيث التمثيلية، إذ تضم هذه المديرية وحدها ثلاث مدارس جماعاتية من اصل اثنا عشر مدرسة تنتمي إلى الحيز الجغرافي لجهة دكالة عبدة سابقا، وتعزيزا للبحث الميداني، سنقوم بتحليل المعطيات الإحصائية للمدارس الجماعاتية المنتمية إلى المديريات الأخرى: اسفي، سيدي بنور والجديدة.
تم بناء استمارة البحث التي خضعت للمنهجية العلمية، عن طريق عرضها على محكمين ينتمون إلى المجال وفق تقنية الجماعة البؤرية، تم بعد ذلك تم إخضاع استمارات البحث للتجريب الأولي من اجل ضبط خصائص الاستمارة القياسية بغية تأمين صدقيتها وأمانتها.
شملت عينة البحث ثلاثة طبقات أو فئات ممثِّلة من العينة الأم  وهم على التوالي أباء وأولياء تلاميذ المدارس الجماعاتية المعنية بالبحث والدراسة، مفتشو الابتدائي بمديرية اليوسفية، ورؤساء المؤسسات الجماعاتية المعنية، بالنسبة لفئة الإباء، تجاوزت تمثيلة العينة الخمسة وعشرون في المائة بينما تم توزيع الاستمارات على جميع المفتشين والمديرين بالنسبة للفئتين الأُخْريين. واهم ما خلص إليه هذا البحث التربوي هو  أن غياب قانون اطار خاص بهذا النوع من العرض التربوي حدّ من مردوديته ونجاعته، كما أن ضعف النقل المدرسي واهتراء الشبكة الطرقية أو غيابها وموقع المدرسة الجماعاتية فاقم من عزلة المؤسسة مجاليا وجغرافيا، بالإضافة إلى تردد وحذر الآباء في موضوع إرسال أبنائهم إلى القسم الداخلي، كما لاحظنا أن تعميم نفس النموذج من المدراس الجماعاتية وبنفس المواصفات والمرافق وطنيا رغم التباينات الثقافية والاجتماعية نتج عنه تجميد وتعطيل وشلل في كثير من مرافق وخدمات المدرسة الجماعاتية.إن هذا العرض التربوي الذي أُريد له أن يمثل بديلا حقيقيا ونوعيا للمدرسة الابتدائية التقليدية، ويتجاوز إكراهات وتحديات ومعضلات هذه المدرسة المتميزة بوجود مركز تتبعه فرعيات متناثرة ومشتتة، تربط بينها مسالك وعرة ويصعب الحفاظ على تجهيزاتها وتأطيرها ومراقبتها إداريا وتربويا، قد فشل -هذا العرض التربوي الجديد-  في أن يكون بديلا حقيقيا ونوعيا، حيث لا تزال جميع المؤسسات الابتدائية المتناثرة حول المدرسة الجماعاتية قائمة وتشتغل بنفس الوتيرة ونفس الزخم ونفس الإعاقات ونفس الأعطاب أيضا، وترهن نفس الموارد البشرية وتعج بالأقسام المشتركة، في حين وبالمقابل لم تستطع المدرسة الجماعاتية استقطاب واستقبال إلا أعدادا قليلة من التلاميذ بنسبة لا تتجاوز في احسن الأحوال 50%، من الطاقة الاستيعابية، مما يدل على أن الآمال التي علقت على هذا النوع من العرض التربوي لم تتحقق إلى حدود الساعة؛ الأمر الذي يحتم طرح سؤال الجدوى والإضافة النوعية لهذا النوع من العرض التربوي؛ بمعنى آخر ماهي الإضافة النوعية والقيمة المضافة للمدرسة الجماعاتية؟، اذا كانت هي الأخرى تعاني من خصاص في المورد البشري والتأطير القانوني والفراغ التشريعي ومحدودية الدعم والاحتضان والاندماج، بما يترتب عنه شلل مزمن يعوق الحياة المدرسية بها، تماما كما هو ملاحظ بالمدرسة الابتدائية التقليدية؛ كما يخيم الجمود وعدم تفعيل عدد من مرافق وفضاءات المدرسة الجماعاتية التي لا تُستغل إلا ناذرا، من قبيل المكتبة وقاعة المداومة ومرافق التربية البدنية والمقصف وقاعة الإعلاميات وفضاءات الأنشطة الموازية والترفيهية بسبب ندرة المورد البشري…؛ ما سبق يجعلنا نؤكد فرضيات البحث التي طرحناها في البداية، من أن عدم قدرة المدرسة الجماعاتية على لمّ وتجميع شمل وشتات الفرعيات المنتشرة والمتناثرة بالدواوير المحيطة بها، وعدم التحاق التلاميذ بالقسم الداخلي، يُعزى أساسا إلى عدة عوامل أهمها: موقع المؤسسة، الذي يعتبر معزولا وبعيدا عن تلاميذ هذه الفئة العمرية؛ يُفاقم من ذلك، عدم وجود نقل مدرسي ومسالك صالحة للتنقل، تربط جميع الدواوير  بالمؤسسة؛ أما بالنسبة لعدم الالتحاق بالقسم الداخلي، فيُعزى ذلك إلى تردد الآباء في إرسال أبناءهم إليه، نظرا لتوجسهم ولعدم ارتياحهم وضعف اطمئنانهم إلى مستوى التأطير والخدمات بالقسم الداخلي، ونظرا كذلك لعدم وجود طاقم متكامل من الموارد البشرية ومتخصص، يسهر على تأطير أطفال المرحلة الابتدائية بالداخلية إلى جانب المدير؛ فضلا عن حاجة الآباء القرويين إلى أبنائهم ليساعدوهم في أغراض الرعي والفلاحة وغيره، دون أن ننسى ندرة أو غياب المنح الدراسية.
تأسيسا عليه، يمكن أن نجزم بان تعثر المدرسة الجماعاتية على الأقل في المجال الجغرافي الذي شملته الدراسة مرده إلى غياب قانون اطار خاص بهذا النوع الجديد والمختلف من العرض التربوي، مما حد من مردوديته ونجاعته واندماجه، كما أن ضعف النقل المدرسي واهتراء الشبكة الطرقية أو غيابها وموقع المدرسة الجماعاتية، كما لاحظنا أن تعميم نفس النموذج من المدارس الجماعاتية بنفس التصميم، وطنيا، رغم التباينات الثقافية والاجتماعية والمجالية، نتج عنه تجميد وتعطيل وشلل في كثير من مرافق وخدمات المدارس الجماعاتية.
*مفتش تربوي


الكاتب : محمد مامو

  

بتاريخ : 03/10/2019