مَنْ في الظَّهيرَةِ كَفَّنَ الْوَقْت؟

كَيْفَ لِلطَّريقِ أَنْ يَسْتَقيمَ،
وَالْبَوْصَلَةُ اخْتَلَّتْ فيها الْجِهات؟
كَيْفَ لِلْفَهْمِ أَنْ يَتِمَّ،
وَالْكَلِماتُ تَعَذَّرَ فيها الْوِصال؟
مَنْ إِذَنْ،
في الظَّهيرَةِ،
كَفَّنَ الْوَقْتَ،
وَمَنْ،
في النَّوايا،
عَطَّلَ الْوُصول؟
كَالْآتي مِنَ الْجَنوبِ،
حاِمِلًا هَمْسَ الصَّحْراءِ لِلْواحاتِ،
وَالَّذي أَنْبَأَتْ بِهِ الرّيحُ في وادي النَّخيل.
عَلى تَلَّةٍ أَسْنَدَ تَعَبَ التَّعاقُبِ عَلى جِدارِ السِّنين،
وَلاحَ بِالْبَصيرَةِ إِلى الْقادِمِ في الْأُفُقِ.
لَمْ يَرَ غَيْرَ أَحْصِنَةِ الْأَبَدِ الْعابِرَةِ،
وَبَقايا نَقْعٍ يُغازِلُهُ هُبوبُ الْمَساء.
حينَ آمَنَ بِأَنَّ الذَّهابَ إِلى نَفْسِهِ أَمْرٌ يَسيرٌ لَمْ يَجِدِ الطَّريقَ. كانَ الضّبابُ يَتَدَفَّقُ مِنْ مَعابِرِ الرّوحِ كُتَلًا سَميكَةً حَجَبَتْ يَقينَ الْبَصيرَة، فَاستَحالَ في الْخَطْوِ الْحِذاءُ، كَما اسْتَحالَتِ الظِّلالُ في الشَّجَرِ. اِنْتَظَرَ بَعْضَ الْوَقْتِ حَتّى سَطَعَ في الْأَعْماقِ النَّجْمُ الْمُنير. بَدَّدَ غَيْهَبَ الظُّلْمَةِ، كَما كَثافَةَ الضَّبابِ، فَلاحَ في الْمَسافَةِ، كَما الْمدى، الطَّريقُ، لكِنْ بَدا كَما لَوْ أَنَّهُ ذات الْمَمْشى الْقَديم يَرْتَسِمُ أَمامَهُ مِنْ جَديدٍ، وَيَدْعوهُ إِلى ذاتِ التَّعاقُبِ في السَّرّاءِ كَما الضَّرّاء. بَدا كَمَنْ يَمْشي الْقَهْقَرى إِلى أَمْسٍ اِنْتَهى وَتَوارى، فَتَذَكَّرَ دُروبًا يانِعَةً، حَدَّ الاخْضِرارِ، بِخُطى الْمُحِبّينَ بَيْنَ الْوهادِ وَالتِّلالِ وَالرَّبَوات. صَدَحَ في ذِهْنِهِ صَوْتُ نايٍ، كَما لَوْ أَنَّهُ أَنين، كَما انْحَدَرَ مِنَ الْأَعالي مَوّالٌ حَزين. ساعَتَها أَسْنَدَ ظَهْرَهُ عَلى صَخْرَةٍ، فَرَأى الْبَرِّيَّةَ أَمامَهُ مُمْتَدَّةً، كَما لَوْ أَنَّها أَبَدِيَّةْ. بَدا لَهُ في لَمْحَةِ عَيْنٍ كُلَّ الَّذي كانَ مُنْذُ سُقوطِ النَّيازِكِ بِكَثافَةٍ، وَتَكَوُّنِ الْأَنْهارِ وَالْبُحَيْراتِ، وَما تَلا ذلِكَ مِنْ ظُهورٍ لِلْكائِنات الْحَيَّةِ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَفي أَعْماقِ الْبِحار.
أَدْرَكَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كانَ مُرَتَّبًا ما عَدا الْوَقْت؛ هذا الشَّيْخُ الشَّبَحُ، القادِمُ مِنْ الصَّرْخَةِ الْأولى لِلْوُجودِ، اِخْتارَ أَلّا يُرى إِلّا مِنْ خِلالِ الظِّلالِ، وَتَجاعيدِ الْحالِ وَالْمآل. قيلَ عَنْهُ هُوَ ما أَنْتَ فيه، فَهَلِ هُوَ بَعْضٌ مِنْ بَوْصَلَةِ الطَّريق؟ أَمْ إِنْ هُوَ إِلّا وَهْمٌ، وَبَعْضٌ مِنْ هَلْوَساتِ فَهْم؟ الْوَقْتُ هُوَ ما أَنْتَ فيه. «الماضي فات «، كَما غَنّى الْمُغَنّي، غادَرَ وَانْتَهى كَوُجودِ، وَما تَبَقّى مِنْهُ ظِلالٌ وَأَطْيافٌ وَذِكْرَياتٌ يَتَلَذَّذُ الزَّمَنُ بِمَحْوِها عَلى مَهَل حَتّى تُصْبِحَ كَأَثَرِ الْحَنّاءِ في كَفِّ عَذْراء، أَوْ كَما قال الشّاعِرُ: كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ. هَلْ حَقًّا لِكُلِّ سالِكٍ نَصيبٌ مِنْ آياتِ الْيَقين؟


الكاتب : محمد بوجبيري

  

بتاريخ : 25/06/2021