نباتات حيرى فوق آجام القلب

قبل البدء :
الباب من خشب
لكنه «سلطانة» من قلب ودم
أهوى سفارته في أحلك صيف
وأبرى من كمد العشق
كلما شاخ نبض القصائد
والتأمت جروحها ..
أو
ازدحمت بين أضلع الورد
مناطيد الوجد وطيوب الذكريات

ـ 1 ـ
إِذَا اسْتَعَرَ الْغَضَبُ مِنْ حَجَرِ الْقَّدّاحَةِ
فَمَا يَملْكُ السِّياسِيُّ،
كَيْ يُقَايِضَ الدَّمَ بِالتَّصَالُحِ؟
وَثَوْرَةِ السَّخَطِ عَلَى مَحْتِدِ الرِّضَا
وَغَلَبَةِ الثَّأْرِ عَلَى سَفَاهَةِ الْخَوْفِ ..
– قَالَ الْغُرَابُ –
قُلْتُ :
اَطْفِئُوا نَارَ الْغَضَبِ بِذِكْرِ نَارِ جَهَنَّمَ
وَعُودُوا لِلصَّمْت ..ِ
كَأَنَّهُ صَدَى اللَّهِيبِ الْمُشْتَعِلِ
قَالَ لِي :
أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ؟
مُؤْسِفٌ هَذَا الْهَوَان ..
حَتَّى نَحْنُ، فَشِلْنَا فِي وَصْفِ أَسْبَابِ الْهَزِيمَةِ ..
قُلْتُ :
لَقَدْ رَأَيْتُ كَيْفَ نَسْتَلْهِمُ الْمَآسِي
وَنطِيعُ حُكَّامَنَا
وَنَخْسَرَ غَضَبَ الله ..

قَالَ الْبُوصِيري :
« يَغْضَبُ الْمَوَتُ إِذَا مَا غَضِبُوا… وَإِذَا مَا غَضِبوا هُمْ يَغْفِرُونا

ـ 2ـ
هَمْسٌ ..
يُخْفِي جَلَالَةَ الْمَطَرِ الشَّقِيِّ
أَحْرُفَ النَّارِ الْمُرَصَّعَةِ ..
جَدَارَةَ الرَّبِيعِ فِي آذَارَ الْحَزِينِ.
لَمْ يَرْفَعِ الْعَالَمُ كُلَّ هَذَا الْعُنْفِ
كَيْ يُقْنِعَنَا أَنَّ الْحَقَّ الْمَوْعُودَ
لَا يَمْلَأُ كُلَّ الْعُقُولِ؟
وَمَاذَا يَلْزَمُ لِإِسْكاتِ الْبَنَادِقِ
أَنْ نَحْجُرَ عَلَى الْخَطِّ الْمُسْتَقِيمِ الْوَاصِلِ بَيْنَ فِكْرَتَيْنِ..؟
مِنْ تَمَّةَ لَا تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ
وَلَا تَمْضِي فِي عُوَّارِ السِّيَاسَةِ
حَتَّى تَشْهَدَ مَهَابَةَ الْأَرْضِ.. غَصْبَ الْخَرَابِ
عَتْمَاتِ الْجَهْلِ
نِكَالَ النَّفْسِ الْمُسْتَرَابَةِ
كُلَّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَخْتَفِي لِمُجَرَّدِ هَجْرِهَا.
قُلْتُ :
وَمَنْ أَخْفَى مِمَّنْ يَحْتَنِكُ وَيَلْهُوَ؟
قَدْ يَطَالُ الْأَسَى وَلاَيَطُولُ؟
قَالَ لِي :
الْأَتْبَاعُ الْجَيِّدُونَ مُخَادِعُون ..َ
أُنْظُرْ صَوْبَ الْقَمَرِ
قَدْ يَغْفَلُ النَّجْمُ الْفِضِّيُّ بَرِيقَ نَخْبِهِ
وَعِنْدَمَا يَخْفُتُ فِي إِبْهَارِ الْفَجْرِ
يَهْرُبُ لِلسَّاحَةِ الْمَفْتُونَةِ بِالرِّيَاءِ .
قَدْ قَضَّيْتُ دَهْرًا وَأَنَا أْعِدُهُ فِي مَلَاءَةِ النُّورِ ..
لَكٍنَّهُ، يَغْتَابُنِي عِنْدَ صَاحِبِ الْقَوْسِ
حَيْثُ يَفْتُرُ الْبَهَاءُ
وَتَسْتَأْثِرُ الذِّئْبَةُ بِرُوحِ عَاشِقِهَا ..
قُلْتُ :
ذَلِكَ الْمَوْتُ الَّذِي لَا يَرَى
الْبُرْهَانَ الْعَصِيَّ عَلَى الْقِرَاءَةٍ ..
عِنْدَمَا تَقْبِضُ عَلَى جَمْرِهِ
وَتَعْلُو فَوْقَ بَيَاضِهِ الْمُتَجَلِّي
يَهْفُتُ إِلَى التَّحَيُّرِ

كَعَطَشّ آبِقٍ ..
أو غَمْرَةِ مَاءٍ مُتَغَلْغِلَةٍ ..

ـ 3 ـ
كم من نذور تدروها ريح الخيانة؟
كم من هواء يغيض من تجاعيد
موت ..
وسرابيل نفس مستهامة
عطشان يلوي على أثر
يقول المجنون
عند أطراف البلاء
قلت :
الحزن وطن ضاقت روحه بين أطراف قصية
والحزن في أمم جمعاء،
غيره في وحشة ..
قال لي :
ومن يكون إذا اعتدى الضلع
من يد واحدة ؟
أفلا يقود الضعف الى السخف؟
كمن دق مسمار القذارة؟
وإن كنت لا أتقن وصفها
لكنها استعارة ..
حتى لا أظن ..
أو أظن فيها من شذر مفخخ
أو مذهب من خبال ..
أو قبور محروقة ..
قلت : ما أوحش سحر العبارة
ما أقسى وجه الفلسفة ..
ما أقصر النص في قول الحِلِّ والحُرمة
ما أبهاها من صائبة تثني نبت الحضارة ..

ـ 4 ـ
هل أخون حدبتي؟
منذ سبعين عاما وأنا أحك راحة اليد
وأضج باليتم
وأخط الحجارة وقبسات شجر الزيتون
حتى قيل إن الرماة نسوا طريق المجد ..

ـ 5 ـ
قال لي :
ولم أشأ أن القي تحية النصر
قبل أن أستشهد بغسان كنفاني :
كل شيء يقدر على تمجيد أرضنا ..
قلت : هل غفر الدم جزاء القتال؟
ماذا لو نهضت الأرواح
وناولت المقتلة في كف الموت
واستعادت الشهادة في سبيل فلسطين
قدسها العمرية
طريق غزة المغدور ..
هل يكفي لاقتراف فرح غير مكتمل ..
قال لي :
اطفئوا الشموع وارحلوا
لقد عدنا من حيث انتهى القتال ..
لا تفرحوا فالحزن قادم.
لا محالة قادم ..
وأنتم أيها الوسطاء
من بعرة الانذال
سيرفع حنظلة شارة النصر يوما
ويشفي قلوب المؤمنين ..

ـ 6 ـ
قال لي :
وتذكرت أني لا أفتي بغير شهادة
ولا ابرئ نفسي
إن النفس لأمارة بما قدمت
قلت والله أعلم

ـ 7 ـ
ما ذنب الشعر إن كان الموت سائقه؟
ما خطبه ، وهو المخاصم الهزل،
القاصم الفتان؟
هل يخرج الميؤوس من قرن الشمس
كي يخطف الأبصار ويجني الوباء الجهول؟
كل شاردة تهيم على قبره ..
فراغ في غيمة منكرة

ختاما ..
العزلة قطاف الكوفيد الجامحة. كلفة إنسانية ثقيلة. تكسر الروح، مثل موت مضطرب، يباهي الريح أنى اقتربت من فكاك الصمت وتيه السراب ..
عندما تفكر في المابعد، أبعد قلبك عن لحظة الانزياح، عن معنى أن تكون بياضا، قصيدة متمنعة عن الخروج، قِبْلَة نظر مستحيلة ..
حاذر كثيرا، من أن تكون غرقا يتودد للبحر، من أن يقع دون أثر .. أو عبارة في بارقة ليل سخيف ..


الكاتب : مصطــفــى غــلمــان

  

بتاريخ : 29/10/2021