«نور الدين الصايل، رحيل رجل من عصر الأنوار»

 

يصعب أن تدلي بشهادة في حق رجل متعدد. اجتمع فيه ما تفرق في غيره. رجل طبع نصف قرن من وجود السينما بالمغرب كفاعل ثقافي و إعلامي وأيضا كمسؤول سواء في القناة الثانية أوالمركز السينمائي المغربي. نور الدين الصايل يمثل جيلا من الحالمين بالتغيير نضالا وفعلا في هذا الوطن. فهو الأب الروحي لحركة الأندية السينمائية بالمغرب، على اعتبار أنه أول رئيس للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب سنة 1973، وجيل السبعينات والثمانينات يعرف المكانة الكبيرة التي كان يحظى بها هذا الإطار الثقافي العريق وطنيا وكل الطاقات الشابة التي كانت تنشط فيه. كانت حركة الأندية السينمائية قاطرة للتحديث في مجتمع متعطش للتنوير، فأخذ الأستاذ نور الدين الصايل على عاتقه، بمعية رفاقه، مسؤولية تأطير جيل من الشباب لسنين طويلة في كل ربوع الوطن، وأظن أن نخب البلد المتنورة كلها مدينة لهذه الحركة التي شكلت وعي جيل بأكمله.
ما ميز نور الدين الصايل عن غيره هو كاريزماه الطاغية، انفتاحه وفصاحته سواء تعلق الأمر بمحاضرة باللغة العربية أو الفرنسية . أن تتابع محاضرة للصايل يعني أن تتعلم بالضرورة أشياء كثيرة .كان الرجل كريما في محاوراته، شغوفا بعشقه الأبدي للسينما خصوصا، والثقافة بشكل عام .وهوالمثقف الموسوعي ، الذي تنم مداخلاته عن معرفة عميقة وعن عشق أبدي للفلسفة وللفنون.هذا الشغف الذي كان يطق من عينيه ومن جسده النحيف ليصل للمتلقي كذبذبات تخترق كينونته.كان الصايل حريصا على تشجيع الإنتاج السينمائي المغربي لأنه آمن بأن دون تراكم في الإنتاج لا يمكن أن تتحقق جودة في الأفلام، على السينما أن توجد أولا لنميز بين الجيد والضحل.نظرة الصايل الثاقبة والاستباقية للأشياء جعلته يفتح أفقا للتعاون مع الدول الإفريقية التي كانت تربطه بها علاقات مميزة، كرسها وجوده على رأس أحد أعرق المهرجانات في المغرب، مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، الذي كان موعدا و قبلة لمهنيي السينما بالقارة. مهرجان، ظل لأزيد من أربعة عقود موعدا استثنائيا تحضر فيه السينما، تحضر فيه الثقافة، تحضر فيه السينيفيليا وتحضر فيه الديبلوماسية الموازية أيضا،كل هذا تحت إشراف المايسترو. مهرجان بتصور ثقافي صلب وأصيل، خرج من رحم الأندية السينمائية وبقي وفيا لزخمه الثقافي والمعرفي وبرمجته المكثفة ليل نهار بفضل صرامة الصايل وتفانيه.
بالنسبة لي،تقاسمت مع الراحل عشقي للسينما والسينيفيليا و لخريبكة كمدينة عشت واشتغلت بها لسنوات، فكنت أحسني ببيتي في مهرجان السينما الإفريقية.
بفقدان الأستاذ الكبير نور الدين الصايل نكون قد فقدنا ركيزة أساسية أصلت للفعل الثقافي الرصين، ووجها مشرقا من الوجوه الثقافية للبلد وديبلوماسيا من العيار الثقيل .كان الراحل عنوانا كبيرا للكفاءة والنزاهة ومدافعا شرسا عن القيم الجمالية والحرية في الإبداع .
ستبقى حاضرا فينا أيها الصايل، لأن الذين يزرعون لا يموتون. نتمنى أن تظل المشاتل التي رعيتها يانعة والأفكار التنويرية التي نثرتها متوهجة.
لروحك السكينة والسلام، ولعائلتك ولأصدقائك الصبر الجميل.


الكاتب : أمينة الصيباري

  

بتاريخ : 18/12/2020