رغم أننا نعيش في ظل نظام دولي يمر بمرحلة سيولة، بعد تآكل النظام السابق بانهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة العربية، إلا أن أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، نيفين عبد المنعم مسعد، لم تقف عند مظاهر تشخيص أزمة الفراغ الاستراتيجي العربي فقط ، بل رسمت صورة مصغرة لهذا التراجع والتي أثرت اليوم على صناعة القرار العربي، وأهمها المشاكل الداخلية للاتحاد الأوربي وتراجع النفوذ الفرنسي داخل إفريقيا، ثم انفجارالحرب الروسية –الأوكرانية ، وموقع روسيا وقدرتها على التنافس والحضور الدولي والتي تتوقف، حسب المتدخلة، على نتائج هذه الحرب، بالاضافة الى صعود القوة الصينية.
إن تأثير هذه المعطيات، مجتمعة، أفرز مواقف عربية متباينة أو متوازنة أحيانا كالموقف من حرب أوكرانيا، وهو ما يشي حسب المتدخلة، بنوع من تطور النزعة الاستقلالية العربية من قبيل مواقف الأوبك ومواجهة انقطاع الغاز الروسي، ومواجهة الضغط الأمريكي لبعض البلدان في بداية هذه الحرب ، ثم إلغاء الأردن ومصر القمة الرباعية التي كان مقررا عقدها بعمان بين الرئيس المصري وملك الأردن،ورئيس السلطة الفلسطينية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد المجزرة التي قامت بها قوات الاحتلال داخل مستشفى المعمداني بغزة.
ولفتت نيفين الى أن هذه النزعة الاستقلالية تعرضت لمحاولات التفاف أمريكية بدت معالمها في التحركات الأمريكية للتنسيق مع السعودية من أجل وقف إطلاق النار في السودان، ثم من أجل التطبيع السعودي – مع إسرائيل، الأمر الذي عجلت بتأجيله الحرب الدائرة اليوم في غزة وزيارة بايدن الى إسرائيل في خضمها.
وبخصوص بناء شراكات بديلة، توقفت نيفين عبد المنعم عند مسألة هامة تتعلق بمشكلة العرب في إدارة العلاقة مع الشركاء التقليديين والمحتملين، وهو ما يضعهم في مأزق حقيقي في ظل مناخ الاستقطاب الأحادي الحاد الذي يحاول رسم معالم النظام الجديد، وهو ما يستدعي الاتجاه ، حسبها، نحو التجمعات الإقليمية الجديدة كتجمع «البريكست» الذي منح فرصة الالتحاق به للعرب، بانضمام السعودية ومصر والإمارات ضمن محور تقوده الهند والصين، مع الأخذ بعين الاعتبار بروز القوى الإقليمية المجاورة كتركيا وإيران، ومخاطر التمدد التي يطرحها، وهذه الأهداف لا يمكن بلوغها دون تعزيز النزعة الاستقلالية، وتعزيز مصادر الدولة الوطنية ورسم سياسياتها الخارجية بما يخدم مصالحها الوطنية، مع التشديد على التحكم في إدارة التنافس بين المصالح العربية حتى لا تصل إلى مرحلة الصراع.