نَهْرُ الْأَبَدِيَّةِ

(إلى الطفل ريّان)

(1)
هَا أنَا في البِئْر
أنتظِرُ صُعُودِي
وَقَد تركتُ طُفولتِي تزْهُو علَى ربوَات الحيَاة
صِبْيَانَ الْقريَة يحملون ورد عودتي بأيادٍ يسري
فيها نمْل الانتظار
حيرة أخرى تربكُ أنفاسي
أنفاسي المثقلة بحجر الوقت
وغبار الموت يخنق المكان
ووحدي أغرز مخالب الضوء
في ظلمة الجُبّ
وأنصت لهدير الجرّافات يلتهم الأرض
فأرقص صمتا والجسد في أحشائي ينتصب أملا
زغاريد أمّي الملطّخة بملح مقلتيها
نظرة أبي وهو يصافح غيم السماء
في انتظار فجري الآتي
أبي لا تفرط في عقد صداقتنا
أمي لا تربّي الوشل على خديك
أنا هنا في الحفرة ألوي عنق الموت
وأرفع رأسي حاضنا نهر الأبدية

(2)
أَبَتِي لَيْسَ لِي إِخْوَةٌ وَلَا هَامَتْ بِي الْكَوَاكِبُ وَلَا قَمَرٌ صَدَحَ فِي وَجْهِي

وَلَا أَتَّهِمُ الذِّئَابَ
أَنَا يُوسُفُ الْمَغْرِبِيُّ
أَلْقَتُ بِي فِي الْجُبِّ زَلَّةُ رُؤَايَ
وَانْفِرَادِي فِي يُتْمِ الْأَرْضِ
أَحُثُّ التُّرَابَ فِي قَاعِ الْجَوْفِ
دَمِي مِنْ رَأْسِي نَارٌ
نُورٌ
وَنَوْرُ يَاسَمِينْ
سَأُزْهِرُ عَوْسَجاً يَا أَبَتِ غَداً
وَاُغْنِيَّةً تُعِيدُ لِأُمِّي فَرْحَتَهَا الْمَكْلُومَة
قَمَراً وَإِخْوَتَهِ الْعَشَرَةَ يُضِيئُونَ لَيْلَ الرُّؤْيَة
وَيَزْرَعُونَ الْأُفْقَ سَنَابِلْ مَاءْ
مَاذَا عَسَايَ أَقُولُ : الْحُفْرَةُ سَرِيرٌ
والْأَمْتَارُ الثَّلَاثِينَ وَمَابَعْدَهَا حَبْلُ حَيَاة
فَلَا تَحْزَنْ يَا أَبَتِ
سَنَدِي إِلَهِي
وَغِطَائِي قَمِيصٌ مُطَرّزٌ بِزُرْقَةِ الْمَدَى
وَوِسَادَتِي تُرَابٌ أَشُمُّ فِيهِ رَائِحَةَ أَجْدَادِي
سَأَعُودُ طَافِحاً بِالْمَاءِ
بِأَمَلٍ يُعِيدُ انْفِرَادَ امْتِدَادِي
وَ مِنَ الْحُفْرَةِ أَصْعَدُ مُحَمَّلاً بِوَجَعِ بِلَادِي


الكاتب : صالح لبريني

  

بتاريخ : 11/03/2022