هل أصبحت الإيقاعات المدرسية شجرة لإخفاء واقع المدرسة؟ (مريرت نموذجا)

عرف الدخول المدرسي بمدينة مريرت ارتباكا واضحا بعدما ارتأى معظم أساتذة التعليم الابتدائي في اجتماعاتهم التهييئية للدخول المدرسي،بعد توقيع محاضر الدخول اعتماد تدبير زمني يسمى ‘’بالمستمر’’ او «المسترسل»كصيغة تسمح لأستاذين بالعمل بالتناوب على قسم وفق الصيغة2 و لكن باعتماد استمرار دراسة كل فوج خلال الفترة الصباحية أو الفترة المسائية معتمدين تفويجا يخدم مصلحة التلاميذ التربوية ، معتقدين باجتهادهم هذا أنهم يؤسسون لإيقاعات مدرسية قد تجعل الدخول المدرسي دخولا مدرسيا واجتماعيا يقدم جديدا بما يعزز صورة المدرسة في وسطها وذلك:
لكونها صيغة تحترم موجهات وضوابط يجب احترامها ونذكر منها : احترام الغلاف الزمني الأسبوعي الرسمي، مراعاة مبدأي المرونة والتكييف مع الخصوصيات المحلية لمدينة مريرت؛ التلاؤم مع الاستعدادات الجسمية والذهنية للمتعلمات والمتعلمين، والمواءمة لخصوصيات المواد والأنشطة المدرسية؛
لكونها صيغة سبق واشتغل بها معظم هؤلاء الأساتذة لسنين طوال بالعالم القروي قبل انتقالهم الى الوسط الحضري، مما جعلهم يتلمسون ايجابيات هذه الصيغة ومردودها التربوي بفضل طريقتها في ضبط الإيقاعات المدرسية، وعدم تكسير وتيرة العملية التعليمية-التعلمية جراء تجزيئ الزمن المدرسي اليومي؛
لكون اعتماد الصيغ الأخرى لا يعتمد دراسات ميدانية مكيفة مع الأوساط المدرسية، أو تم إعدادها على ضوء نتائج أبحاث علمية تعتمد كخلفية لنتائجها توجيهات الدراسات الكرونوبيولوجياوالكرونوبسيكولوجيا مثلا، أو بالأخذ بعين الاعتبار دراسات ترصد الأبعاد السوسيو-اقتصادية لكل منطقة في علاقتها بالزمن المدرسي، وكيف له أن يؤثر على زمن الأنشطة الحياتية للأمهات والآباء والأولياء أمام التغيرات الاجتماعية الحاصلة في البنية المجتمعية (نذكر مثلا عامل خروج المرأة للشغل خصوصا في العمل الغير المهيكل، وتبعات التغيرات التي تحدثها الهجرة القروية)؛ هو ما جعلهم يرون أن هذه الصيغة في تدبير الزمن المدرسي هي مدخل للاستماع لواقع التلميذ ووسطه وتنفيذ توصيات الميثاق بجعله في قلب الاهتمام والتفكير والفعل بما يؤكد ضمان الصحة النفسية والجسمية له، ويأخذ بعين الاعتبار إكراهات وسطه السوسيوثقافي والاقتصادي بهدف توفير إمكانية التحصيل الدراسي وفق إيقاعات زمنية فعالة.
لكونهم صدقوا وَهْمَ كونهم الفاعل التربوي الذي يمكن أن يتخذ المبادرة في تغيير بعض نماذج الفعل والتفكير المحنطة للفعل التربوي، وخلق نقاشات واتخاذ قرارات تفتح مجالا للتجريب مسنودين بيد عون السلطات المعنية وكل الشركاء و الفاعلين الآخرين، مما قد يساعدهم بالتالي على الوقوف بعلمية على فرضيات/مبررات اعتمادهم لهذه الصيغة؛
لكونها – في ظل ظروف الهشاشة التي تعيشها معظم المدارس بالمدينة وضعف عرضها التربوي- صيغة لاستعمال أمثل للزمن واستثمار في تدبير الإمكانيات المحدودة لهذه المؤسسات، وللمواد الدراسية والموارد البشرية، ضمن وحدات زمنية قد تساعد على تحقيق عتبة مقبولة للعرض التعليمي بالمدينة. هو قرار ينسجم إذن مع ما يعلنه الميثاق علانية وما يضمره في عمق رؤيته لجعل المعلم سلطة تربوية فاعلة من الواجب الوثوق في اجتهاداتها وتدبيرها لتجاوز ثقل القرارات المتمركزة التي تتجاهل الواقع المحلي لكل منطقة؛
لكونها صيغة تفتح المجال أيضا للمتعلمين ولذويهم للقيام بأنشطة موازية داخل أو خارج المؤسسة والبحث عن فرص أخرى للتعلم والدعم خارج البعد النظامي للمدرسة خصوصا أمام منطق سلعنة التعليم الذي يهدد المنظومة وتبعاته على عدم تكافؤ الفرص، وأمام ضعف البنيات التحتية للمؤسسات التعليمية و قلة الموارد وضعف العرض التربوي للمنظومة وما تفرضه تقلبات الحياة المتسمة بالسرعة والتدفق التي تقف عثرة أمام إتاحة الفرصة لتجويد الحياة المدرسية.
لكونها تعفي المتعلم من الارتحال في مناسبتين يوميا (ذهابا وإيابا) من بيته إلى المؤسسة وتبعات ذلك على سلامته وأمنه في مسارات ودروب المدينة الهشة التي أصبحت غير آمنة أمام انتشار الجريمة وأمام خطر انتشار المضطربين عقليا في هذه المدينة التي يعيش معظم سكانها تحت عتبة الفقر، علما أن ظروف هؤلاء الأولياء و الأمهات الآباء لا تسمح بمرافقتهم في أربع مناسبات للمدرسة، زد على ذلك مواجهة الأطفال في أربع مناسبات للتنقل للظروف المناخية التي تعرف اضطرابات دائمة في منطقة الأطلس المتوسط، وصيغة المستمر أو المسترسل هذه يراها الأساتذة ستعفي التلاميذ من تجنب قساوة المناخ بالتقليل من ذهابهم وإيابهم؛
كما أنها صيغة ستقلل من معاناة نسبة مهمة من الوافدين على المؤسسات التعليمية من الهوامش تبعد بأكثر من كيلومترين فما فوق عن المدرسة وهو ما يوجب على المسؤولين القيام بإحصائيات ميدانية للوقوف على ظروف المتعلمين لكون لغة الأرقام هي لغة فصيحة في مثل هذه الظروف عوض الارتكانللتشبث بالمذكرات، خصوصا وأن المؤسسات بالمدينة لا توفر إطعاما مدرسيا؛
لكونها صيغة ستقلل من فرص التأخراتوالتغيبات ومن مشاكل الهدر المدرسي المحتملة، وقد توفر وقتا لراحة المتعلمين والمدرسين وتسمح لهم بتناول وجباتهم الغذائية مع ذويهم بانتظام ووفق تدبير عائلي موحد خصوصا في الأسر التي لديها أبناء في الإعدادي و الثانوي والتعليم الأولي والموظفين الذين يحصلون على وقت في الظهيرة لتناول وجبة غذائهم، عوض صيغة التجزيء هذه التي قد تكون سببا في تكسير الروابط الأسرية؛
لكونها صيغة تعطي فرصة الاستراحة بين فترتين دراسيتين مما يلعب دورا في تجويد الحياة المدرسية بتطوير العلائقية بالمؤسسة بين جماعة الأقران و بين التلاميذ و الأساتذة، والسماح أيضا للمعلمين بمراقبة سلوك المتعلمين في المجتمع المدرسي عوض اللااستقرار الذي تسببه الصيغة التي فرضتها السلطات المعنية والارتباك الذي يحصل في الدخول والخروج و الذي يؤثر على السير العادي للدراسة، وقد تكون له تبعات سلبية على نفسية المتعلم؛
كما أنها صيغة تسمح للأمهات العاملات بالقطاع وأمهات التلاميذ بتدبير وقتهن بطريقة تسمح بالموازنة والتوفيق بين مهام الأمومة و مهام عملهن عكس صيغة الترحال من ساعتين لساعتين، لتظهر المدرسة بصيغتها هذه مدى اهتمامها بالمرأة ومدى محاولتها تسهيل مهامها المجتمعية.
لكن بعد بداية الدراسة سيتفاجأ الأساتذة بلغة التهديد والتحرشات اللامسؤولة على لسان المديرين الذين يؤكدون مجبرين على الدوام على ولائهم لتنفيد الإملاءات الإدارية بطريقة تفرض عليهم انسلاخهم عن مهامهم التربوية، وتجعلهم أمام أسلوب إداري تقليدي يسبب خصامهم مع الأساتذة الذين يرون فيهم تلك الحلقة الأخيرة في سلسلة ترجمة منطق «العين الحمرا» عوض التدبير التربوي التشاركي، كبعد يُفرض عليهم في تدبير مؤسساتهم التعليمية ليؤسس للفهم السلطوي في القيادة بعيدا عن جعل المؤسسة إطارا تصب فيه فاعلية الجميع كما تنص مرجعيات الإصلاح على ذلك، وجعلها في الواقع مجالا مغلقا يراوح مكانه، وتركيزهم فقط على نيل رضى المديرية مقابل اعتمادهم لتدبير هو انفرادي في واقع الأمر لكل جوانب الحياة المدرسية رغم إعداد تقارير تكاد تكون شكلية لا تعكس واقع حال المدرسة ووتيرة نبض الحياة بها.
هو غضب نقله السادة المديرين إذن لتأكيد غضب المدير الإقليمي في لقاء عقده باشا المدينة بحضور المديرين، وفي تغييب متعمد كما العادة لصاحب القضية الأساسي الذي هو الأستاذ، كتعبير صريح على انه عبد مأمور قاصر يحتاج لوصاية إدارية رغم كونه من له الأهلية للبث في هكذا قضايا تربوية،
إن استعمال أسلوب التهديد هذا ضد المدرس ينم عن مقاربة متجاوزة في زمن شعارات إصلاح المدرسة لكونها لا تؤمن بمناقشة المدرس، بل تعتبره كائنا يتوجب عليه أن ينفذ ما يملونه عليه بطريقة تقليدية حنطت الممارسة التربوية في نماذج من القول والفعل منذ زمن بسبب هذا الإلغاء الدائم والممنهجلفاعليتة، والعمل الدؤوب على تحييد كل مبادراته.
وهذا ما جعل المدرسين بالمدينة كعادتهم – أمام ما تمليه عليهم مهنتهم الحساسة- يتنازلون لإنقاذ الدخول المدرسي متفهمين القلق العارم لمعظم الساكنة بسبب رفض هذا الإيقاع الزمني، وبسبب تأخر طبع المقررات الجديدة ، وثقل تكلفة هذا الدخول التي تفوق إمكانيتهم، ويتفادون التصعيد أمام كل هذا التحامل من طرف السلطات المعنية التي لا تستند وكعادتها لأي أساس تربوي أو علمي مقنع بل باعتماد مقاربة قديمة/جديدة تعتمد لغة التهديد والتطبيق الحرفي لمذكرات تنظيمية لا تستند على أسس علمية مصرحة يمكن للمعلم أن يطلع عليها ويبحث في مرجعياتها ومناهجها مما يجعلنا نطرح العديد من الأسئلة/الفرضيات التي تستوجب بحثا عميقا نذكر منها:
إن كانت صيغة المستمر أو المسترسل غير صالحة، فلماذا نعرض تلامذة العالم القروي لتبعاتها السلبية؟ ألا يضرب هذا التمايز بخصوص إيقاعات الزمن بين المجال الحضري و القروي في عمق مبدأ المدرسة الأساسي للحرص على تكافؤ الفرص؟
ألم يتم تضخيم الموضوع لاستغلاله في حجب مظاهر حقيقية لفشل المدرسة بالمدينة كالاكتظاظ والتهميش الممنهج لتدريس اللغة الأمازيغية بالمدينة، وضعف البنية التحتية، وعدم احترام قوانين الأوراش داخل المؤسسات…
هل تم اتخاذ هذه القضية كمحاولة للتغطية على الفشل الذريع في طبع الكتب المدرسية للمستويات التي تم تغيير مقرراتها؟
لماذا تدخلت سلطات وزارة الداخلية في الأمر الداخلي للمدرسة وتجاوزها حدود الشريك، مع تهويل أمر اعتماد هذه الصيغة كقرار من الأساتذة يهدد أمن واستقرار المدينة؟ ألم يكن حري بها توفير الحماية لمحيط المؤسسات التعليمية بما يسمح لها أن تفرض احترامها في أذهان الناس؟
هل للداخلية رؤية خفية وغير صريحة بخصوص تدبير الزمن المدرسي، يعمل على تجنيد المتعلم طوال النهار كإخفاء لضعف العرض التربوي الذي قد يظهر بعد اعتماد صيغة المستمر أو المسترسل وأمام افتقار المؤسسات لأدنى البنيات للقيام بأنشطة موازية؟
هل هناك تخوف من رفع الأستاذ لمطلب تقليص عدد ساعات الدراسة على غرار السلك الإعدادي إلى 24 ساعة وحذف الوقت الزائد، بعدما سيعمل 4ساعات ونصف غير متقطعة في هذه الصيغة، ولهذا ارتأت الجهات المعنية إلى تفريقها خلال حصص متباعدة.
لماذا لم تعقد لقاءات مباشرة مع الأساتذة للاستماع لمقترحاتهم، ومواجهتهم بطروحات تدحض رؤيتهم عوض اعتماد لغة البعد و التعالي وتجنيد المديرين للجعل من المدرسة ساحة للاستقطاب والتشنجات، وتكسير الروابط الاجتماعية والتربوية بما يؤسس للتأثير سلبا على مدى بعيد على الحياة المدرسية؟ ولماذا لم يعتمد المدير الإقليمي مبدأ الحوار أو مواجهة الأساتذة بالمبررات المقنعة (قانونية- علمية-تربوي…) عوض اللجوء للتهديد عن بعد بلسان المديرين؟
هل عبرت جمعيات الأمهات والآباء و الأولياء بكل حرية عن رأي وخيار ذوي التلاميذ؟ وهل تم الاعتماد على قرارات بعض مجالس المؤسسة لكي لا نجعلها مجرد آليات صورية بخصوص هذا الموضوع؟ و هل الصيغة المفروضة تخدم تنفيذ مشاريع المؤسسات إن كانت هناك مشاريع فعلية في الواقع؟
لماذا وقف المفتشون وقفة المتتبع عوض التدخل ومناقشة الأمر مع الأساتذة كشأن تربوي تعود صلاحياته للجهات التربوية ويصعب على الجهات المعنية بالبعد الإداري البث فيه؟
لماذا لم تعتمد المديرية بعدا محليا لمناقشة الإيقاعات الزمنية بالمدينة، بل غلبت منطق الامتثال للأوامر وتقديس مذكرات تنظيمية واعتبارها قانونا أسمى يتوجب تطبيقها حرفيا بطريقة تقتل كل مبادرات الاجتهاد التي قد تُحمٍّل الأستاذ مسؤولية الانخراط في الاجتهاد الجماعي وتجعله يربط بين الواجب والمسؤولية في تدبير شؤون المدرسة؟
لماذا يتم تكسير النظام الزمني للعائلات بشذوذ توقيت المدرسة الابتدائية عن توقيت باقي المؤسسات التعليمية، أليس هذا تكسيرا لعلاقات المدرسة بمحيطها وقد يكون سببا لتكسير الروابط الأسرية بالمدينة؟
وهل يعلم من اعتمد الصيغة الجديدة أنها تضرب في مبدأ تكافؤ الفرص بين فوجي كل مدرس، وأنها تطرح إشكالا للأساتذة في توزيع المواد باحترام غلافها الزمني وحصصها وتسلسلها البيداغوجي لكونها تعتمد حصتين متفرقتين في اليوم صباحية و مسائية( حصة بغلاف زمني ساعتين و نصف وأخرى بساعتين والمشكل يتكرر يوميا)
هل يعون أيضا حجم هدر الزمن المدرسي أثناء الدخول و الخروج الذي تسببه هذه الصيغة المعتمدة، واحتمال أن هذه الإيقاعات اللامستقرة للزمن المدرسي قد تخلق نزوع التلاميذ للعنف فيما بينهم؟
هل لازال «حماة» المدرسة من بروجهم العالية البعيدة عن واقع الأمور يعتقدون بقصور المعلم في اتخاذ قرارات تخص المدرسة وتقديم البديل الأنسب لمذكرات تنظيمية لا تستمع لنبض الواقع، أو أنهم يخافون من كل خطوة يقوم بها للانخراط في الشأن المدرسي؟
وهل هناك استيعاب لحجم القلق الذي تسببه كل هذا في الدخول المدرسي، مع التساؤل إن لم يكن ذلك سببا في دخول مدرسي واجتماعي مرتبك؟
يبقى أن نختم بالقول أنه في ظل الظروف الحالية للمدرسة كقطب تجاذب لموازين قوى، يبقى المدرس هو الذي يتحمل ثقل المواد وكثافة حصصها بما يجبر خاطر هذه القوى ذات الرهانات السياسية قبل الرهانات التربوية، ليصبح هو من يدفع ثمن ذلك بدل أن يُوجَّهَ عمله بنموذج تربوي يترجم عمق مشروع مجتمعي متوافق بخصوصه من طرف الجميع، مشروعا قد يستنبت في البنية المجتمعية بذور تغيرات اجتماعية تضمن جودة الحياة لجميع المواطنين، فلماذا لا نثق في مبادراتهم؟
رجل تعليم


الكاتب : خنيفرة: مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 10/10/2019