هل بإمكان العرب أن ينخرطوا في التحولات العالمية الجديدة، ومن أي موقع؟

تجارب مضيئة سلط عليها مثقفون الضوء بمنتدى أصيلة

ناقشت الجلستان الثانية والثالثة من ندوات جامعة المعتمد بن عباد، خلال فعاليات منتدى أصيلة في دورته 44 يوم الأربعاء 18 أكتوبر الجاري، موضوع» الفراغ الاستراتيجي العربي»، وما يطرحه ضمن سياق التحولات الدولية وإشكالية التأقلم معها في محاولة لمقاربة هذه الإشكالات من زوايا نظر التقت حينا وتقاطعت أحيانا

 

في مداخلته لمقاربة هذا الموضوع، توقف وزير الخارجية الليبي الأسبق محمد الهادي الدايري عند أهم معالم النظام الدولي اليوم والتحولات الجيوستراتيجية الحاصلة في العلاقات الدولية التي تحتكم إلى لغة الاستقطاب بين الدولتين العظميين، والذي ظهرت على إثره تحالفات جديدة وانقسام الى معسكرين: الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا والحلفاء التقليديون مقابل الصين وروسيا وحلفائهما، بالإضافة إلى غياب حل للقضية الفلسطينية والحروب والأزمات الداخلية التي تهدد استقرار بعض الدول العربية، ما يستدعي من هذه الأخيرة الابتعاد عن سياسيات الفعل ورد الفعل وانتهاج رؤى استراتيجية بدلا من التكتيكات القصيرة المدى.
ورأى المتحدث أن حالة الفراغ الاستراتيجي هاته لا يمكن الخروج منها إلا باعتماد سياسات بديلة تتلخص في:
الخروج من التحالفات التقليدية مع الحفاظ في نفس الوقت على السياسات المتعددة الأوجه في ما يخص علاقاتها الاقتصادية التقليدية مع الدول الغربية وروسيا والصين؛
الرفع من الشراكات الاقتصادية والتبادل العربي – العربي؛
توفر الإرادة السياسية لتحقيق سبل العيش الكريم للمواطن ومحاربة الفساد وتعزيز الحوكمة؛
تماسك الجبهة الداخلية للدول العربية ،ما يسمح لها بهامش تحرك أكبر داخل منظومة العلاقات الدولية.
إن هذه الآليات وحدها قد لا تكفي إذا ما تم إغفال معطى آخر يتمثل في الحرص على مواجهة تدخل الدول الإقليمية الجديدة التي تحاول التمدد في الخريطة العربية ، مستغلة الفراغات التي تركتها الانسحاب الامريكي من عدد من الملفات بالمنطقة لتحقق أكبر قدر من المكاسب .
وأضاف الدايري أن العالم العربي يوجد اليوم أمام نظامين متنافسين، يتنازعهما اتجاهان: الأول النظام العربي القديم بهياكله وآلياته، ومنها جامعة الدول العربية التي تهاوت رمزيا، ثم أمام نظام شرق أوسطي جديد صاعد بقوة، ويتشكل نتيجة الارتدادات الجديدة للنظام الدولي في غياب دولة عربية محورية تساهم في التأثير على بعض القرارات الدولية لصالح القضايا العربية، ليسوق مثالا حيا بالتضارب في المواقف العربية بخصوص أزمة بلده ليبيا ، ما جعل الدول الغربية الخمس المتدخلة في الملف الليبي( أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا) تجتمع وتتخذ قرارات على انفراد حتى دون حضور الطرف المعني أساسا، والذي لا تتعدى مشاركته، إن تم استدعاؤه، حضور الاجتماعات التشاورية..
وخلص الدايري الى أن كل هذه الاعتبارات السالفة الذكر، «تدفعنا ، كعرب، إلى ضرورة الاندماج في نظام شرق أوسطي جديد لا نكون فيه أطرافا منفردة، بل يتم في إطار من التنسيق العربي الذي يخدم المصالح العربية المشتركة، ودون أن يقترن ذلك بصدام حاد ومفتوح مع بعض الدول الاقليمية المجاورة».
لم يفت أحمد عبد الله زايد حجاب، مدير مكتبة الإسكندرية، وهو يشخص مظاهر أزمة العالم العربي اليوم، أن يشير الى ثلاثة مظاهر يعتبرها رئيسية: تقسيم العالم وفق موازين القوى التي تحكمه، الى دول تنتج الفائض وهي دول الشمال، ودول تستقبله وتستهلكه فقط. ومما يزيد من تعميق هذا التفاوت ، أضاف المتدخل، هناك عامل توحيد العالم عبر العولمة لخلق أطر متشابهة لكنها تؤثر وتفكك الخصوصيات لأنها تتجه من الأعلى الى الأسفل ما يخلق تناقضا هوياتيا، قاد إلى اندثار البعد القيمي بعد تبني العرب حداثة قشرية لا تخرج عن دائرة التقليد ، حداثة تقبل الجوانب المادية في الفكر الحداثي، وترفض الجوانب العقلانية.
إن الفشل في القدرة على التكيف مع التحولات الدولية، بسبب هذه العوامل الآنفة الذكر، هو ما خلق ، حسب المتدخل، هذا الفراغ الاستراتيجي الذي يعتبره كلمة بديلة وملطفة للتعبير عن عدم القدرة على إدارة المجتمع وحوكمته، مؤكدا أن إحداث التجاوز رهين بالوعي بالتناقضات الداخلية المجتمعية، ومن بدايات تشكل هذا الوعي القطع مع الرهان على الدين والقبيلة حتى يتمكن العقل العربي من ابتداع حلول لمشكلاته بكل عقلانية، فالسياقات المحيطة والمؤطرة لهذا العقل اليوم هي ما يبرر عجزه، وليس طبيعة الإنسان العربي.
من جهتها، اعتبرت الكاتبة والاعلامية وأستاذة الفلسفة التونسية خيرة الشيباني، في بداية كلمتها، أن ما يقع اليوم من تقتيل للفلسطينيين بقطاع غزة، أبلغ دليل على عجز النظام العربي، مضيفة أن هناك ثلاثة اتجاهات كبرى في المنطقة تستدعي التوقف عندها ومنها:
تشكل نظام إقليمي جديد على أساس النظام الجديد الشرق الأوسطي ويضم مصر، إسرائيل، تركيا، اليونان… مع إقصاء المشرق والمغرب العربي؛
نجاح إيران وتركيا في التموقع الفاعل في لب أزمات العالم العربي، وهو ما يمثل خطرا على الأمن القومي العربي؛
– تعدد مشاريع العولمة داخل المنطقة العربية، مشاريع القوى الغربية ومشروع طريق الحرير الصيني…
هذه المحددات الثلاثة تستدعي من العرب معالجة وفق رؤية جديد لنظام إقليمي عربي، مؤكدة ان فكرة العروبة، كمرجعية رمزية، لايزال بإمكانها توحيد العمل العربي وضبط هوية منظومتنا الإقليمية لصناعة المستقبل، إضافة الى تطوير فكرة الشراكة العربية المتعددة مع الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع محاور القوة الدولية التقليدية، في ظل الاستقرار السياسي، مع الانفتاح على دول الجوار الإفريقي بعد أن أثبتت الشراكات اللامتكافئة بين الشمال والجنوب فشلها في إقرار سياسة رابح – رابح (شراكات فرنسا وإفريقيا نموذجا)، مثنية في نفس الوقت على الشراكة البريطانية المغربية الواعدة في مجال الطاقات المتجددة، وشراكات بلدان الخليج مع آسيا.
وفي نفس الاتجاه المرتبط بتعدد المشاريع المطروحة على العرب اليوم في إطار الشراكات، لفت أستاذ الفكر السياسي والحضارة العربية بجامعة القديس يوسف ببيرروت، الى أن البيئة العربية لاتزال مفتوحة على عدد من النماذج: النموذج الإسرائيلي، التركي، الإيراني، الهندي، الصيني، خاصة في ظل الظروف والسياقات الراهنة المرتبطة بتوسع دائرة الهيمنة التي تقودها تركيا وإيران وإسرائيل داخل المنطقة الربية، أضف إلى هذا ما تعانيه الدول العربية من حالة وهن بيّن، ساهم فيه بشكل كبير التغول على بنيات الدولة الوطنية من قبل الجماعات المسلحة والميليشيات، مع ما يشكله هذا الامر من ضرب لمفهوم الدولة والوطنية وتحريف الدين. وفي هذا الإطار دعا الزعبي الى جبهة عربية قادرة على الترميم والمبادرة لمواجهة هذا الفراغ الاستراتيجي، والى التصالح مع فكرة الدولة الوطنية وفي نفس الآن التنبه الى مسألة إخضاع الدول المستقرة نسبيا الى الابتزاز، مشيرا الى ما سبق من تدخلات بخصوص علاقة الدين بالمجتمع، وهي العلاقة التي يرى أنها بحاجة إلى تصحيح، منوها بالتجربة المغربية في مايخص إعادة تأهيل الشأن الديني.


الكاتب : n أصيلة: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 21/10/2023