وداعا محمد المليحي وداعا رسام المويجات الراقصة

فقدت الساحة الثقافية والتشكيلية خصوصا، أحد أبرز رواد الحركة التشكيلية المغربية محمد المليحي الذي وافته المنية بباريس الأربعاء الماضي، متأثرا بإصابته بفيروس كورونا.
يعد الراحل رائدا من رواد الحداثة، إذ أسس رفقة التشكيليين فريد بلكاهية ومحمد شيبا «جماعة الدار البيضاء» التي تميزت باتجاهها نحو التجديد والحداثة في أعمالها. كما أسس في 1972 مجلة integral وشارك في تأسيس دار نشر «شوف» الثقافية ذات المنزع اليساري.
في 1978 أسس الراحل مع وزير الثقافة الأسبق محمد بنعيسى «جمعية »المحيط الثقافية»«، وكان من مؤسسي موسم أصيلة الثقافي.
درس الراحل الفن بكلية الفنون الجميلة بتطوان في الخمسينات قبل أن يغادر لاستكمال دراسته الى إسبانيا وإيطاليا وأمريكا قبل أن يعود للمغرب كأستاذ للرسم والنحت والتصوير بمدرسة الفنون الجميلة بالبيضاء.
وقد بعث جلالة الملك محمد السادس برقية تعزية ومواساة الى أسرة الراحل، معتبرا أنه «برحيل الفنان التشكيلي محمد المليحي، فقد الفن التشكيلي المعاصر أحد رواده الكبار المشهود له بالإبداع والتألق وطنيا ودوليا.
وزارة الثقافة اعتبرت في نعيها للراحل أن محمد المليحي «يعتبر من الرعيل الأول للفن التشكيلي بالمغرب ومن أهم رواد الفن التشكيلي المعاصر في إفريقيا وفي العالم العربي.
اتحاد كتاب المغرب نعى بدوره الفقيد في بلاغ له، مؤكدا أنه» تلقى بحزن وأسي بالغين الرحيل المفاجئ للفنان التشكيلي المغربي والعالمي الأستاذ محمد المليحي الذي شارك في العديد من معارض التشكيل الوطنية والعربية والافريقية والدولية، مثلما شارك رحمه الله، في معرض الفنون من أجل فلسطين تحت إشراف منظمة التحرير الفلسطينية، وأن أعمال الفقيد الفنية حظيت بتقدير عالمي وتصدر بعضها المبيعات في كبريات المعارض العالمي».
ة بدورها نعت المؤسسة الوطنية للمتاحف بالمغرب الراحل، معتبرة أنه «كان فنانا كبيرا ورائدا من رواد الحداثة. وأنه من أكثر الفنانين نشاطا وانخراطا من بين مجايليه، فضلا عن توجهه الفني.
وفي تدوينة مؤثرة، كتب الكاتب والروائي المغربي أحمد المديني عن الراحل المليحي:
«وداعا صديقي منذ أبرمنا عقد الوداد بيننا سنة 1969 في مجموعة «أنفاس» الإبداعية، تلك، هو والراحل محمد شبعة فنانان شامخان وأستاذان سيبقيان لكأن هذه الأرض بعدكما خلاء، أي فقد، وما أقساها فجيعة وابتلاء. وداعا أيها الحبيب، وإنك باق في موج البحر ونبض الأحبة.»
الشاعرة والتشكيلية وداد بنموسى لم تستوعب بعد خبر الرحيل المفاجئ للتشكيلي محمد المليحي، ففي تدوينة شاعرية حزينة كتبت:
«هل حقا رحلت بعيدا حيثما يصبح البياض مأوى؟ يا صديقي الراقي السامق محمد المليحي؟ هل حقا تودع موجاتك القزحية و»القريقية» و»الطيقان» ومقهى «الزريرق» وباب البحر؟ هل حقا لملمت قمصانك السوداء المكوية بعناية راعي الحياة؟ هل جمّعت عطرك في قارورة العدم؟ هل تركت طنجة تئن تحت وقع الغياب، هل ترجلت من على صهوة الوجود لتمضي الى غياهب وأحراش؟
كيف سأصدق؟ وبأي ألم سأحضن حقيقة رحيلك؟
لقد وعدتني باللقاء بعد الجائحة، وقلت لك بأنني أكتب رسائل لمجانين الحياة، وبأني قررت أن أعاود مجاورة الفرشاة واللون وشجعتني على ذلك، وأخذت مني وعدا بأن أواصل بحثي عن جوهر المعنى ومعناي في كل لوحة وقصيدة؟ وإذن… هل تموت المواعيد أيضا؟ هل أغلق باب الرجاء وأجلس هنا.. أمام هذا المصاب الجلل؟
رحلت أيها المبدع الكبير والإنسان الأكبر والصادق الغالي، رحلت سي محمد المليحي، تاركا خلفك أثر الربيع، ذلك الواعد دوما بأغراسه الخضراء.» مضيفة:
«شكرا لك، شكرا لأنك كنت سخيا بفنك كالغيمات، لأنك كنت نبيلا فوق العادة، لأنك كنت معطاء بنكران ذات، لأنك لم تخن الفنان فيك، شكرا لأنك تركت صورة مشرقة عن معنى أن تكون مبدعا.
الوطن يشكرك.
وفي شهادة سابقة للشاعر والتشكيلي عزيز أزغاي عن الراحل قال: «مقارنة مع أبناء جيله والأجيال التي جاءت من بعده، يكاد المليحي ينفرد باختياراته اللونية، سواء من حيث وقعها الحار، المتناسق والمتنوع، أو من حيث توظيفها بما يلزم من دقة هندسية صارمة… .اختيارات تظهر على شكل متواليات لونية مفكر فيها مسبقا وبشكل مطول، تتكئ على نظام المقاسات الجبرية أكثر من استسلامها لعفو الخاطر، وللانفعالات النفسية الطارئة.
عمل الراحل مديرا بوزارة الثقافة مابين 1985 و 1992 ومستشارا لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون مابين 1999 و 2000 .
تأثرت أعمال المليحي بالهندسة المعمارية والتراث الإسلامي بشكل كبير، وحضرت في كل لوحاته ألوان المغرب الحارة من بيوتاته الى ملابسه إلى سمائه ومويجات بحاره.
يذكر أن لوحته «السود» التي رسمها في 1963 خلال إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية بيعت ضمن مزاد دار سودبيز بلندن المخصص للفن الحديث والمعاصر بإفريقيا والشرق الأوسط ب 494 ألف دولار،وهي لوحة تنبض بإيقاعات مدينة نيويورك التي ألهمت الفنان المغربي، كما تحمل في الوقت نفسه لمسة مستوحاة من الغنى الثقافي للمغرب.
وقد ووري جثمان المليحي الثرى عصر يوم السبت بمدينة أصيلة، إذ شيعه أقرباؤه ومحبوه في جنازة مهيبة انطلقت من دار عائلة المليحي «الطيقان» بالمدينة القديمة إلى ضريح سيدي الغزواني، حيث ووري الثرى.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 02/11/2020