وقفت عليها ندوة فكرية بكلية الآداب بنمسيك ، محطات من تاريخ الفعل السياسي والدبلوماسي يترجمها : مسار الراحل عبد الهادي بوطالب

 

تشكل القراءة التاريخية لتجارب بعض الأعلام المؤسسة للفعل السياسي و الدبلوماسي في المغرب المستقل، لحظة فكرية يتم من خلالها ليس فقط استنطاق تجربة أسم معين، وإنما وضع هذه الأخيرة موضوعا للسؤال الفكري الذي يسمح بإنتاج قراءات متعددة تهم أساسا الكشف عن التطور التاريخي لمساحة واسعة من العمل السياسي ببلادنا، عبر تتبع سيرة أحد الذين كانوا من الفاعلين الرئيسيين في تشكيل معالمها الكبرى. ضمن هذا السياق احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك صباح يوم الخميس 25 أبريل 2024 بمدرج عبد الله العروي، ندوة فكرية في موضوع”عبد الهادي بوطالب بين السياسة و الدبلوماسية” نظمها مختبر المغرب والعالم الخارجي بنفس الكلية، بشراكة مع مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري، حيث شكل هذا اللقاء مناسبة حاول من خلالها عدد من الباحثين والأكاديميين تناول جوانب من العمل السياسي والدبلوماسي للراحل عبد الهادي بوطالب(1923-2009) كفاعل ساهم في تشكيل معالم من الممارسة السياسية ببلادنا طوال سنوات طويلة.و دون الخوض في سردية الكتابة التقريرية اخترنا أن نجعل من هذه المادة الصحفية متنا تفاعليا أكثر ببعد موضوعاتي ما أمكن، مع مساحات التدخل التي نطقت بها أنفاس مداخلات اللقاء، حيث يمكن هنا الإمساك بثلاثة محاور رئيسية شكلت الأرضية الفكرية لهذه الندوة. أولا، التأكيد على العمق البيداغوجي والأكاديمي لهذا اللقاء الفكري وهو المعطى الذي يمكن رصده في مداخلتي كل من الدكتور خالد سرتي مدير مختبر المغرب والعالم الخارجي المذكور والدكتور إبراهيم فدادي عميد كلية الآداب بنمسيك على اعتبار أن كلا الرجلين، عملا على استحضار القيمة النوعية للاسم المحتفى بجزء من مساره كفاعل استطاع أن يبصم على تجربة طويلة في العمل الدبلوماسي والسياسي ببلادنا، وفي تاريخ الدولة المغربية المعاصرة بما يجعل من تلك التجربة نموذجا قابلا للدراسة خاصة من طرف الباحثين في التاريخ والحضارة لتأكيد تلك الأدوار التاريخية الكبرى التي لعبتها الدبلوماسية في تاريخ المغرب، سواء في تأخير وقوع بلادنا تحت نير الاستعمار أو في المجهودات الكبرى التي بذلت من أجل التخلص من هذا الأخير( من مداخلة إبراهيم فدادي). ويبدو أن المعطى التكويني حضر بقوة هو الآخر كموجه لهذه الندوة خصوصا تمكين طلبة المختبر السالف الذكر من خوض تجربة القراءة الفكرية البيوغرافية في مسار الراحل عبد الهادي بوطالب، دعما للمسار الجامعي العام الذي انخرط فيه جل المنتسبين للمختبر إبان دراستهم “بماستر الدبلوماسية في تاريخ المغرب” داخل نفس الكلية، وتحفيزا أيضا على إنتاج قراءات متعددة تصبو إلى فهم مسارات التجارب الفاعلة في تشكيل جزء من التاريخ المغربي خاصة في شقه الفكري، ضمانا لفهم أعمق لجذور التحولات القيمية التي يشهدها العالم حاليا خصوصا وأن دراسة تآليف وإنتاجات الراحل بوطالب تمنح هذه الإمكانية ضمن أفق دعم التنمية الثقافية المنشودة ببلادنا( من مداخلة خالد سرتي). أما المحور الثاني الذي يمكن رصده كأرضية أخرى عرفتها مناقشات هذه الندوة، فهو المرتبط بالقراءات التاريخية التي تم من خلالها استعراض مساحات من الفعل السياسي والدبلوماسي الذي شارك من خلاله الراحل في صناعة جزء من تاريخ هذا البلد، لتبدو هذه المشاركة ناطقة ليس فقط بالحركية التاريخية للمشهد المغربي، وإنما أيضا دالة على الظرفيات الوطنية و الدولية والإقليمية التي عاشت في ظلها بلادنا طوال عقود من الزمن. و ملت أحاديث كل من مجيد بوطالب بصفته رئيسا لمؤسسة مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم و التنوير الفكري وعثمان بن عبد العزيز التويجري المدير العام السابق للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) على التناغم مع هذه التيمة من المناقشة خلال الندوة، حيث تم التأكيد على حجم المسؤوليات النوعية التي اضطلع بها الراحل عبد الهادي بوطالب منذ انخراطه النشيط والمكثف في نضالات الحركة الوطنية ضد الحماية الفرنسية، واختياره الترافع الدبلوماسي في المنتظم لصالح قضية تحرير الوطن المغربي من الحماية الاستعمارية، مرورا بمساهمته في العمل الدبلوماسي الرسمي المؤسساتي للدولة المغربية خلال السنوات الأولى من الاستقلال، وصولا إلى أدواره الدبلوماسية في الخارج لدعم مسلسل إنجاح استرجاع أقاليمنا الصحراوية الجنوبية إبان سياق المسيرة الخضراء، إلى جانب الأدوار الطلائعية التي قام بها في ما بعد لدعم وتطوير العمل المؤسساتي داخل منظمة الإيسيسكو مع استمراره في ممارسة مهامه لعقود طويلة من الزمن كمستشار للملك الراحل الحسن الثاني(1961-1999) ( من مداخلة مجيد بوطالب).
ونظرا لزخم هذه التجربة، فقد تم اعتبار عقد هذا اللقاء الفكري ليس مهما من حيث دعم انفتاح الجامعة على محيطها المجتمعي فقط كمساهم في توليد الأفكار والمقترحات، وإنما أيضا لقيمة مثل هذه اللقاءات الدراسية في التي تفسح المجال لهوامش من الدرس والتحليل، قصد فهم تاريخية مسارات أعلام شاركت في صنع تاريخ بلادنا ضمن قراءة لتجربة الاسم المعني في سياقها العام والخاص المنتج للفهم بطبيعة الحال، خصوصا وأن مسار الراحل بوطالب التقت فيه دينامية العمل السياسي والدبلوماسي الرسمي بالنزعة التربوية والأكاديمية التي حرص من خلالها الراحل على ضمان إيصال معرفته الدستورية والقانونية إلى أجيال من الطلبة داخل الجامعة المغربية ( من مداخلة مجيد بوطالب) . وانسجاما مع هذا العرض التاريخي لتجربة الراحل داخل هذا اللقاء، فقد تم تسليط الضوء على جزء مهم آخر من الأدوار الهامة التي قام بها عبد الهادي بوطالب في سبيل النهوض بالعمل المؤسساتي داخل منظمة الإيسيسكو التي أنشئت نهاية الستينا من القرن الماضي بدعم لوجيستيكي ومالي من طرف الراحل الحسن الثاني. وقد تمت الإشارة داخل هذا المحور من النقاش إلى التدبير الخاص والحكيم الذي اضطلع به الراحل عبد الهادي بوطالب منذ انتخابه طيلة الثمانينات وإلى بداية التسعينات من نفس القرن كمدير عام للمنظمة المذكورة في النهوض بالعمل التنظيمي لهذه المؤسسة، والبحث لها عن هوامش أكبر من الممارسة الميدانية الحرة، بعيدا عن التجاذبات والحسابات الضيقة للقرار المركزي بالأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي مع العمل على تأمين الموقف الحيادي للإيسيسكو إبان سياقات تاريخية معينة، خاصة أثناء حرب الخليج مع تفعيل خطط عمل رسمت من خلالها المنظمة إبان عهد الراحل بوطالب أهدافا ذات بعد حضاري قيمي، حتى وإن كان ضمان استمرار إشعاع الإيسيسكو وحصولها على الموارد المالية اللازمة ظل تحديا حاولت إدارة الراحل بوطالب التغلب عليه بحنكة وتبصر( من مداخلة عثمان التويجري). أما حضور العمل الدبلوماسي في تجربة الراحل عبد الهادي بوطالب، فشكل محطة ثالثة داخل هذا اللقاء الفكري ليس فقط لقراءة جزء من المسار الخاص بالراحل، وإنما لجعل هذا الأخير مدخلا لرصد حركية الفعل الدبلوماسي للدولة المغربية خلال لحظة تاريخية كبرى، وهي التي تزامنت مع تنظيم المغرب لملحمة المسيرة الخضراء لاسترجاع أقاليمنا الصحراوية الجنوبية. ذلك أنه يمكن عبر هذه الندوة ومن خلال مداخلة الباحث في التاريخ ياسين اكويندي رصد حجم العمل الدبلوماسي الميداني الذي قام به الراحل بوطالب لصالح القضية الوطنية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن عين هناك سفيرا من طرف الراحل الحسن الثاني أواسط سبعينات القرن العشرين دعما لقنوات التواصل الدبلوماسي النشيط مع صناع القرار الأمريكي، بما يخدم تشكيل رأي عام دولي داعم ومتفهم لدفاع المغرب عن سيادته التاريخية على صحرائه، وهو ما يحيل على اعتماد الدولة المغربية إبان هذه الفترة على العمل الدبلوماسي لدعم مجهود استرجاع صحرائنا المغتصبة، بعيدا عن أي منطق للحرب أو المواجهة مع المستعمر الإسباني للصحراء، وهو ما جاء أيضا في الندوة من خلال إبراز دور الراحل عبد الهادي بوطالب في التعريف رفقة أحد الدبلوماسيين الموريتانيين بمضمون اتفاقية مدريد التي أنهت قانونيا التواجد الاستعماري بالصحراء المغربية، بعدد من عواصم العالم العربي مع محاولاته التأثير على القرار الليبي الرسمي، الذي بدا حينها معاكسا للوحدة الترابية للمملكة عبر الدعم الذي قدمته ليبيا القذافي لتأسيس جبهة البوليساريو الانفصالية (من مداخلة ياسين الكويندي). تبقى مثل هذه المواعيد الفكرية فرصة حقيقية لتثمين ذاكرة فاعلين شاركوا بشكل واضح في تشكيل جزء من الأحداث التاريخية ببلادنا، بما يجعلنا قادرين على فهم جزء من السياق العام والخاص المنتج لهذه الأخيرة بناء على قراءة في مسار هذا الاسم أو ذاك. لا ننسى أن نقدم الشكر للدكتور خالد سرتي على مده لنا بالصور الموثقة للحدث مع خالص التحية للطالبتين الباحثتين مريم الكنداوي و هاجر كريم على التوثيق السمعي لأشغال الندوة و الذي اعتمدنا عليه في إنجاز هذه الورقة التفاعلية التوثيقية.


الكاتب : بقلم : سمير السباعي

  

بتاريخ : 06/05/2024