يوسف ايدي، كاتب عام الفدرالية الديمقراطية للشغل ورئيس الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين: منفتحون على كل الإمكانيات النضالية لتحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة المغربية

استعجالية إخراج قانون النقابات لأجل تدبير شفاف يعيد الثقة بين جميع الأطراف

فاتح ماي لهذه السنة بطعم خاص، إذ يصادف منتصف ولاية حكومة التحالف الثلاثي ذات التوجهات الليبرالية التي تسعى إلى تنزيل توجهات ملكية عميقة في البعد الاجتماعي والنهوض بأوضاع مختلف الفئات الاجتماعية ورفع التهميش عبر التغطية الصحية والتعليم والتشغيل …وتبقى آفاق وطموحات الشغيلة المغربية من أجراء وموظفين في مختلف القطاعات والتدابير الإجرائية المنشودة موضوع حوارنا مع يوسف ايدي، كاتب عام الفدرالية الديمقراطية للشغل ورئيس الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين وقيادي بنقابة العدل وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي. في هذا الحوار يؤكد ايدي أن
هناك نقطا سوداء لابد من التنبيه إليها، خاصة تلك المرتبطة بسوق الشغل الذي تؤشر معدلات البطالة على وضعه المأزوم، دون الحديث عن شيوع العمل غير اللائق وهضم حقوق العمال من طرف المشغلين، كما أن العرض الصحي لا يزال على حاله وما تروج له الحكومة في هذا الصدد يبقى مجرد آمال نتقاسمها جميعا كمغاربة نطمح إلى إقرار منظومة صحية ناجعة وفعالة تضمن مجانية العلاج وعدالة مجالية في توزيع مؤسسات الخدمات الصحية ووفرة في الأطر الطبية وشبه الطبية تغطي حجم الخصاص المهول المسجل على هذا المستوى.
وبالنسبة للتعليم فقد أبانت الأزمة الأخيرة التي عاشها القطاع محدودية السياسات الحكومية في معالجة الإشكالات الهيكلية التي عانت منها ولا تزال المنظومة التربوية، وفشل كل المشاريع المتعاقبة في خلق مدرسة عمومية قوية منتجة للمعرفة والنخب، ولا يزال هناك ورش هام لابد من فتحه، بجرأة ومسؤولية، مرتبط بمناهج التعليم والأسرة والتلميذ وتوفير سبل التصدي للهدر المدرسي وربط مؤسسات التكوين بسوق الشغل.

 

n تحتفل الطبقة العاملة بالمغرب بفاتح ماي 2024 في سياقات وطنية وإقليمية ودولية صعبة، كيف ترون ذلك؟

n بالفعل لا بد، ونحن نحيي ذكرى فاتح ماي لهذه السنة، أن نستحضر السياقات العامة على المستويين الدولي والوطني المؤطرة للوضع العام، خاصة تلك المرتبطة بالوضع الجيوسياسي في المنطقة العربية خاصة والعالم، من خلال عودة التوترات واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على سلاسل الإمداد، والحرب الإسرائيلية على غزة وتأثيرها على السياقات الوطنية لكل الدول العربية، فبعد سنوات من نضال الشعب الفلسطيني عن حقه في دولة مستقلة عاصمتها القدس كأولوية، صار اليوم مطلب وقف إطلاق النار أولوية الأولويات لوضع حد لحرب الإبادة الجماعية التي تباشرها آلة الحرب الصهيونية في مواجهة شعب أعزل.
هذا الوضع العام أثر على السياق الاجتماعي خاصة مع استمرار حالة اللايقين والتذبذب الذي يطبع سلاسل الإنتاج واستمرار التضخم بما له من تداعيات على القدرة الشرائية لعموم المواطنين والأجراء بشكل خاص، وهو وضع يجعلنا اليوم أشد حرصا على تحصين المكتسبات أولا ثم الانفتاح على الأفق النضالي بكل ما يتيحه من إمكانيات للدفاع عن المطالب العادلة والمشروعة للأجراء وفي مقدمتها الزيادة العامة في الأجر.
لكن بالمقابل هناك نجاحات لابد من الوقوف عندها، أولها الانتصارات الدبلوماسية التي ما فتئ المغرب يحققها بقيادة جلالة الملك في مسار الحسم النهائي لقضيتنا الوطنية وترسيخ مغربية الصحراء، فضلا عن إطلاق الورش الوطني الضخم للحماية الاجتماعية والذي نقاربه بروح نقدية بناءة غايتها التنبيه إلى النقائص التي قد تعتري تنزيله والدفع بوصول هذا المشروع إلى مداه في حماية المواطن المغربي من الفقر والهشاشة وضمان الحد الأدنى من الرعاية الصحية والاجتماعية لعموم المغاربة.

n على المستوى الوطني ما هو تقييمكم للحصيلة الحكومية على المستوى الاجتماعي؟

n عندما نتحدث على المستوى الاجتماعي هناك مؤشرات محددة لا بد من الوقوف عليها في التقييم مرتبطة أساسا بمستوى العيش والحماية الاجتماعية وجودة التعليم ونشاط سوق الشغل والرعاية الصحية، وإذا كنا نثمن الورش الملكي للحماية الاجتماعية فإن هناك نقطا سوداء لابد من التنبيه إليها خاصة تلك المرتبطة بسوق الشغل الذي تؤشر معدلات البطالة على وضعه المأزوم دون الحديث عن شيوع العمل غير اللائق وهضم حقوق العمال من طرف المشغلين، أيضا العرض الصحي لا زال على حاله وما تروج له الحكومة في هذا الصدد يبقى مجرد آمال نتقاسمها جميعا كمغاربة نطمح لإقرار منظومة صحية ناجعة وفعالة تضمن مجانية العلاج وعدالة مجالية في توزيع مؤسسات الخدمات الصحية ووفرة في الأطر الطبية وشبه الطبية تغطي حجم الخصاص المهول المسجل على هذا المستوى.
وبالنسبة للتعليم فقد أبانت الأزمة الأخيرة التي عاشها القطاع محدودية السياسات الحكومية في معالجة الإشكالات الهيكلية التي عانت ولاتزال منها المنظومة التربوية، وفشل كل المشاريع المتعاقبة في خلق مدرسة عمومية قوية منتجة للمعرفة والنخب، ورغم توفق الحكومة في حل الشق الاجتماعي المرتبط بالأساتذة فإنه لا يزال هناك ورش هام لابد من فتحه، بجرأة ومسؤولية، مرتبط بمناهج التعليم والأسرة والتلميذ وتوفير سبل التصدي للهدر المدرسي وربط مؤسسات التكوين بسوق الشغل.

n يحيلنا هذا الجواب على التساؤل حول رأيكم تجاه الحوار الاجتماعي ما بين النقابات والحكومة؟ وكيف ترون المنهجية التي اتبعتها الحكومة في تدبير الحوار الاجتماعي القطاعي والمركزي؟

n أولا، هناك ملاحظة منهجية لابد وأن نسجلها كفدرالية ديمقراطية للشغل، وهي المرتبطة باستمرار إقصائنا كمكون نقابي من الحوار الاجتماعي، وهي مفارقة لا مبرر لها غير وفاء الحكومة لتغولها من خلال إقصاء الأصوات المعارضة من داخل المشهد النقابي خاصة إذا ما استحضرنا أننا نفاوض في جل القطاعات العمومية وساهمنا، بجدية ومسؤولية، في إقرار عدد من الاتفاقات سواء في التعليم أو الصحة أو العدل فضلا عن كوننا نقابة ممثلة في البرلمان.
استمرار الحكومة في نهجها الإقصائي مؤشر مقلق على مدى احترامها لقيم الديمقراطية والتعددية، وتشبثها بمعيار 6 بالمائة في القطاعين العام والخاص فيه إجحاف وإقصاء غير مبرر، خاصة وأن هناك سابقة مؤسساتية صادرة عن جلالة الملك ميز خلالها بين التمثيلية في القطاع العام والتمثيلية في القطاع الخاص بمناسبة تعيينه للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والحكومة حادت عن الاجتهاد الملكي وتشبثت بنص مدونة الشغل، الذي يفترض أنه نص خاص يؤطر القطاع الخاص، ولا يمكن تمديد مجال تطبيقه إلى الوظيفة العمومية.
خارج هذه الملاحظة المنهجية الجوهرية أعتقد، من خلال تتبعنا لمسار الحوار المركزي، هناك خلط لدى الحكومة بين الحوار والمقايضة، فالحوار كآلية يفترض به أن يناقش كل نقطة على حدة بمنطق يستحضر الحاجة الاجتماعية ومسؤولية الحكومة في توفيرها، أولا والتقييم الموضوعي والعدالة في توزيع الإمكانيات المتاحة للدولة ثانيا، ثم الانتصار لمصلحة الوطن في تأطير كل نقط الخلاف ثالثا، لكم ما تسرب من جولات الحوار يوحي بأن الحكومة تسعى إلى مقايضة الزيادة في الأجر بما تسميه إصلاح أنظمة التقاعد ومقايضة قانون النقابات بقانون الإضراب.
بالنسبة للحوارات القطاعية هناك ضبابية كبيرة تجعل سؤال الجدوى من هذه الحوارات اليوم سؤالا مشروعا ذلك أنه في الوقت الذي سبق للسيد رئيس الحكومة في بداية الولاية الحكومية أن أكد على أهمية الحوارات القطاعية، وعلى اعتبارها روافد للحوار الاجتماعي المركزي، وبعد مسار سنتين توجت بالتوصل لاتفاقات كما هو الشأن في الصحة والعدل، نفاجأ اليوم بالسيد رئيس الحكومة يتراجع عن التزامه، ويعتبر أن الأولوية للحوار المركزي مما يؤشر على تنصل الحكومة من الاتفاقات القطاعية المتوصل إليها مقابل اتفاق مركزي هش لا أعتقد أنه سيصمد أمام مطالب وتطلعات مختلف القطاعات في الوظيفة العمومية.

n ماهي المطالب النقابية الأساسية بالنسبة للفدرالية الديمقراطية للشغل خاصة مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الطبقة العاملة في السنوات الأخيرة؟

n هناك مطلب أساسي اليوم لعموم الطبقة العاملة المغربية وهو المتمثل في إقرار زيادات عامة ومنصفة في الأجر تراعي ارتفاع تكلفة العيش، وأي زيادة أقل مما تم إقراره لفائدة رجال ونساء التعليم لن تكون كافية، ولا مقبولة، ثم لا بد من التأكيد اليوم على أهمية ومحورية هيكلة المشهد النقابي وإخراجه من الفوضى عبر إقرار قانون للنقابات وفق ما يعزز شفافية تدبيرها ودمقرطتها، ويعيد الثقة للأجراء في العمل والتنظيمات النقابية عموما، ويؤطر الحوار المركزي والحوارات القطاعية ويربطها بأجندات زمنية والتزامات متبادلة بدل رهنها بمزاج هذا الوزير أو ذاك، أيضا لابد من مراجعة القوانين المنظمة للانتخابات المهنية وجعلها أكثر ديمقراطية وإنصافا، خاصة في المعايير المجحفة والتمييز الحاصل بين القطاع العام والخاص، إضافة إلى ضرورة الوفاء بالاتفاقيات القطاعية وتعميم مؤسسات الأعمال الاجتماعية ودعمها وتطوير خدماتها دون إغفال ضرورة مراجعة مدونة الشغل ومحاربة العمل غير اللائق وضمان حرية العمل النقابي في جميع المؤسسات، وهذا يحيلنا على مطلبي المصادقة على الاتفاقية 87 وحذف الفصل 288 من القانون الجنائي.

n رأيكم كمركزية نقابية حول مطلب الزيادة العامة في الأجور وتحسين الدخل ومراجعة الضريبة للتخفيف من العبء عن فئة موظفي القطاع العام؟

n اليوم في ظل الأوضاع الاجتماعية التي تعيشها الطبقة العاملة تجاوز مطلب الزيادة العامة في الأجر حدود المطلب إلى كونه ضرورة اجتماعية واقتصادية لإنقاذ الطبقة المتوسطة ودعم صمود الأجراء أمام موجات الارتفاع في أسعار المواد الأساسية وارتفاع تكلفة العيش.
ونجدد التأكيد أن أي زيادة دون ما تم إقراره لفائدة نساء ورجال التعليم لن تسعف في تحقيق سلم اجتماعي حقيقي، وأي اتفاق لا يستحضر هذا المعطى سيسقط لا محالة أمام التطلعات العادلة والمشروعة لعموم الأجراء.

n ما هي المطالب الأساسية المتعلقة بمراجعة القوانين الانتخابية المهنية بالقطاع العام والخاص لضمان النزاهة والتمثيلية الحقيقية؟

n كما سبق وأن أشرت، هناك اختلال في التوازن بخصوص القاعدة التمثيلية المعتمدة في تمثيل الأجراء بين القطاعين العام والخاص، أولا نجد أن القوانين الجارية تحدد بالنسبة للقطاعات في الوظيفة العمومية الحد الأقصى لممثلي الأجراء الرسميين في 500 مندوب مهما كان عدد المنتسبين للقطاع ثم إن التقسيم الانتخابي لهذا العدد يفرز نتيجة غير منطقية في مقارنتها مع القطاع الخاص، وكمثال فإن مقاولة بالقطاع الخاص تشغل 10 أجراء أو أقل تمنح لها تمثيلية بمندوب واحد هذا المندوب الواحد نفسه في قطاع التعليم يحتاج لألف صوت وأكثر.
هناك حالة من اللامنطق واللاديمقراطية في توزيع المقاعد والتقسيم الانتخابي والحد الأقصى المفروض في الوظيفة العمومية نعلم أسبابها وسياقاتها التاريخية، لكن أعتقد أنه حان الوقت لمراجعة هذه القوانين وجعل المشهد النقابي أكثر دمقرطة وشفافية.
أيضا هناك انعدام لحصر لائحة المؤسسات والقطاعات المهنية والإنتاجية المعنية بالانتخابات وتمكين النقابات من نسخة منها وفرض إجبارية الانتخابات على المؤسسات أو القطاع المهني أو الإنتاجي المعني حتى في القطاع الخاص، مع ما يستلزمه ذلك من اشتراط تزكية المنظمة النقابية وتشديد شروط ترشح المستقلين حماية للعملية الديمقراطية ودعما للعمل النقابي، خاصة وأن هذه الفئة من المنتخبين تنتخب أعضاء بمجلس المستشارين.

n كيف ترون إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب ووجهة نظركم كمركزية نقابية لها حضور وازن في القطاع العام حول هذا الملف والإصلاح المزمع تطبيقه؟

n موقفنا ثابت ومبدئي في هذه القضية، ونعتبر أن الإجراءات المقياسية سواء ارتبط الأمر برفع سن التقاعد أو رفع الاشتراكات وتقليص معدل احتساب المعاش كلها إجراءات ترقيعية ترتب كلفة كبيرة على عموم الأجراء وتضعف القدرة الشرائية للمتقاعدين من جهة ولا تقدم الحل المستدام لأزمة الصناديق من جهة أخرى، ونعتبر في الفدرالية الديمقراطية للشغل أن الحل يمر لزوما عبر إعمال آلية التضامن من خلال إجبارية انخراط السكان النشطين جميعا في أنظمة التقاعد ثم توحيد مختلف الصناديق في صندوق واحد بقطبين خاص وعام، وثالثا فتح الإمكانية للاستثمار المربح والمنتج وذي العائد الاجتماعي على المتقاعدين لأموال الصندوق، ونعتقد في هذا الاإطار أن الأمر يحتاج إلى جرأة والى قرار كبير على شاكلة ما أقره جلالة الملك مي ملف الحماية الاجتماعية، والذي كان إلى الأمس القريب من المتمنيات البعيدة المنال.

n ما هي وجهة نظركم حول قانون الإضراب الذي تسعى الحكومة الحالية لتمريره خلال هذه الولاية؟

n هناك فرق بين قانون تنظيمي للإضراب كنص قانوني يفترض فيه تأطير حق دستوري واضح وصريح ويضمن ممارسة هذا الحق بسلاسة وفي إطار القانون، وبين ما تسعى الحكومة لإقراره كرد فعل على الدعوات المتكررة والمتعددة المصدر للإضرابات بشتى القطاعات، وإذا كنا نتفق على أن هذا الحق يجب ألا يمارس بتعسف دون تقدير لمصلحة المواطنين ومصلحة الوطن، فإننا بالمقابل نرفض المقاربة الحكومية الهادفة إلى تجريد الطبقة العاملة من حقها في ممارسة هذا الحق، وذلك عبر تطويقه بعدد من المساطر الشكلية والإجرائية تجعل من ممارسته أمرا مستحيلا أو شبه مستحيل.

n رأيكم حول قانون النقابات وهل سيرى النور قريبا ؟ ما هي رسالتكم بمناسبة فاتح ماي للمسؤولين ثم للأجراء؟

n بالنسبة لنا في الفدرالية الديمقراطية للشغل نعتبر أن الأولوية لقانون النقابات قبل قانون الإضراب، ذلك أن قانون النقابات هو الوحيد الذي سيمكن من تجاوز حالة الفوضى في المشهد النقابي، وهو ما سيمكن من تتبع وتقييم أداء النقابات ومراقبة ماليتها وجعل قيادتها في وضعية نظامية وسوسيولوجية مقبولة تجاه منخرطيها، بدل قوافل المتقاعدين ممن يقود النقابات اليوم، والأهم دمقرطة المشهد النقابي وفرض عقده للمؤتمرات الوطنية في موعدها، واحترام تمثيلية المرأة في مواقع القرار النقابي، وتشبيب الهياكل التنظيمية بما يسمح بفرز نخب وقيادات نقابية منتمية حقيقة طبقيا ومهنيا لمن يمثلون من الأجراء في القطاعين العام والخاص، ونعتبر أن هذا الورش مهم في سياق استكمال الترسانة القانونية المنظمة لمختلف المؤسسات الوطنية حماية للديمقراطية والنزاهة والتنافس الشريف.


الكاتب : أجرى الحوار : محمد الطالبي

  

بتاريخ : 30/04/2024