“تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور : 6

أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول
«العداوة والبغضاء» مسألة فقهية لا أساس لها في التنزيل

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ ،هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص) ،لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان.

 

يواصل الدكتور محمد شحرور، تفكيك -ما يسميه دعاة الإرهاب- مرتكزات أساسية، تبيح لهم  ما  ذهبوا إليه من أفعال لاتمت للإنسانية بشيء، ولاعلاقة لها بالدين الإسلامى السمح،وذلك بطرح العديد من الأسئلة  المحرجة ،ليجيب عليها، بالتأكيد على أن مسألة العداوة والبغضاء، هي مسألة فقهية  لا أساس لها في التنزيل الحكيم، ولا  أثر لها في السلوك النبوي، ولاحظ أن الولاء والبراء كمصطلح يضم تحته السب والشتم واللعن والتكفير على المنابر  ،لم يسمع بهما النبي (ص) في حياته المباركة كلها، بل ولدا بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وترعرعت بذرتهما لتصبح ، كما  وصفها  كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”، شجرة زقوم يذبح تحتها قوله تعالى في سورة الحجرات “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا “.
وأما الضرب في سبيل لله، كما قال عدد من المفسرين أحدهم الرازي في التفسير الكبير،فيكون إما للتجارة، إن كان الضرب في سبيل لله رزق ،وإما للجهاد إن كان الضرب في سبيل إعلاء كلمة لله ونشر دينه، وفي كلتا الحالتين يستلخص الدكتور محمد شحرور،أنه  لاعلاقة للآية بقتال ولابقتل، إذ انطلق الإمام محمد بن عبدالوهاب منهما في فهم الآية حين رأى أنها آية في القتال  ورجح المفكر السوري محمد شحرور، أن الضرب في سبيل  لله في الآية هو للسفر والتجارة، بدلالة أنه- سبحانه وتعالى-استعمل “إذا”، ولو كان يقصد القتال، لاستعمل “إن” على أساس أنه عارض قد يحدث وقد لايحدث، بعكس دلالة “إذا” التي تفيد الحتمية.
كما  تطرق الكتاب إلى السلم الذي في الآية التي استشهد بها الإمام، وهو السلام بدلالة أنه قريء كذلك عند بعضهم، وللسلام عند المفسرين معنيان، الأول بمعنى التحية والثاني بمعنى المسالمة، لكنه في كلتا الحالين لاعلاقة له بالإسلام .
وبخصوص مسالة الخوارج والأمر النبوي الوارد في صحيح مسلم، بقتلهم أينما كانوا، الذي استشهد به الإمام محمد بن عبدالوهاب في كتابه “كشف الشبهات”، ويرى  أن الخوارج عند هذا الإمام هم مخالفو الشريعة، كما أنه لايفرق بين الخوارج على علي بن أبي طالب في مسالة التحكيم، وبين الخوارج على الأمويين في مسألة جواز قتال السلطان الجائر، ويتساءل  محمد شحرور، إن كان يرى عائشة والزبير وطلحة وسعيد بن جبير من الخوارج، ومن ثمة يستنتج  أن الإمام  محمد بن عبدالوهاب، لايفرق بين الشريعة النبوية والشريعة العلوية والشريعة الأموية والعباسية، كما أنه يرى قتل المخالفين في الرأي منهجا نبويا، وهذا يتعارض مع عشرات الآيات القرآنية، كما أنه لايفرق بين علم النبوة وعلم الغيب، فالإنذار بيوم القيامة  مثلا، يقول محمد شحرور،  من علوم النبوة الموحاة، أما العلم بما سيقع من  أحداث بتفاصيلها وأسماء أصحابها، فهو من علوم الغيب التي نفاها لله سبحانه عن نبيه الكريم، كما جاء في سورة الأعراف “ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير  وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون”.
والأرجح عند المفكر السوري، أن الحديث الذي استشهد به الإمام محمد بن عبدالوهاب،من وضع الوضاعين  بعد العصر النبوي لتبرير ماكان يفعله أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي وواليه على مكة خالد بن عبد لله القسري، تماما كما وضعت أسماء العشرة المبشرين بالجنة، ولم يستغرب كتاب “تجفيف منابع الإرهاب “أن كتابات محمد بن عبدالوهاب حول الولاء والبراء، لأنه عاش في القرن الثامن عشر، وكان في منطقة نجد وهي منطقة شبه معزولة  عن العالم في ذاك الوقت، يقول  محمد  شحرور، ولو أراد أن يكتب حول الولاء والبراء الآن، لغير كثيرا من آرائه.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 01/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *