شره الأمكنة.. العالم بعدسة أحمد بن اسماعيل 6

مقهى ماطيش والكاتب العالمي خوان غويتوسولو

حين تتحول العدسة إلى مؤرخ فني كبير.. حين تسرق اللحظات ليس لتوقف الزمان ولكن لتعيد للوجدان كينونته.. تنفخ فيه روح الحياة المزهوة بكل ما هو جميل ونبيل.. بكل ما يجعلك تقف باحترام وانت مبهور لترفع القبعة وتنحني ببهاء ممتثلا للمشاهدة والإنصات..
هكذا جعل الفنان الفوتوغرافي المبدع أحمد بن إسماعيل آلة تصويره معشوقة دائمة محمولة على كثفه الأيسر لتجاور قلبه حيث تتناغم مع نبضات حبه التي تحولت إلى قصة عشق أبدية..
بين وضوح النهار وأثار الليل، بين الوجوه المشرعة في الساحة، في الدرب، في الشارع، في المقهى، في المسرح، في السينما، في كل هذا الكون الممتد من القلب إلى القلب..
عشق فسيح في عالم لا يلجه إلا من ينبض بالحب، ويتملى بالجمال، ويتقن فن العيش ليسكن قلوب كل العاشقين، ممن تحدثت عنهم الأساطير ، أو حتى تلك التي قد تحتاج لمعرفة كنهها وانت تتسلل في علو إلى سدرة منتهى الحب..
أحمد بن إسماعيل وهو يعبر كل تلك الدروب والازقة الضيقة شكلا، والشاسعة حبا، من حيه بدرب سيدي بن اسليمان في المدينة العتيقة مراكش، فلا يعبرها رغبة منه، أو تغريه روائح توابلها، وطلاء جدرانها، وزليج سقاياتها، وقرميد أقواسها، وطيبوبة وبساطة سكانها، إنما تقوده محبوبته، عشقه، لممارسة شغبه/ حبه الفني في التقاط كل ما هو بديع،..
أحمد بن إسماعيل حتى عندما افتتن بالريشة والصباغة والألوان، وأبدع فيها ببصمته الخاصة، لم يفارق ملهمته، عشقه الأبدي، آلة تصويره، هذه الآلة التي سنرافقها حبا فيها وعشقا لها، من خلال ما أنجبته من تحف فنية بعد إذن الفنان المبدع أحمد بن إسماعيل، لتُفشي لنا الكثير من الأسرار، وتعيد الحياة للكثير من القصص، وتروي لنا كل الروايات عن شخوص ورجال وأماكن وفضاءات، سواء في مراكش وساحتها الشهيرة أو عبر جغرافيا الحب لهذا الوطن، والتي سكنت أحمد وآلة تصويره حتى الجنون.. وهو ما ستميط اللثام عنه هذه الحلقات:

 

المعروف عن الفنان الفوتوغرافي احمد بن اسماعيل علاقاته مع الكتاب والأدباء والفنانين  والرياضيين وأيضا البسطاء من الناس الشعبيين من أهل مراكش، ولعل من بين الاسماء البارزة التي واكبها الكاتب العالمي الإسباني خوان غويتوسولو ، والمشترك بين احمد بن اسماعيل وخوان غويتوسولو هو الحب الكبير لساحة جامع الفناء..
عدسة بن اسماعيل وثقت للكثير من كبار المثقفين وهم يزورون مراكش ومعاملها الحضارية ودروبها وازقتها وساحتها الشهيرة جامع الفناء.. حيث توجد  مقهى ماطيش في موقع استراتيجي، في الزاوية التي تتيح لك رؤية الجانب المتجه نحو جامع خربوش والرؤية في اتجاه الفضاء الفسيح حيث مقهى الساتيام ومدخل البرانس وبنك المغرب والبريد وايضا في اتجاه مقهى أركانة والكوميسارية ..
مقهى ماطيش هذا مقره متقطع من سوق الجديد في تلك الزاوية التي ذكرنا ، مقهى شعبي بسيط يتميز بكؤوس القهوة والشاي المنعنع، هناك كان خوان يجالس أصدقائه من كتاب واعلاميين وفنانين وحلايقية وبسطاء بل ومشردين بعدما يخرج من سكناه  بالقنارية.. لا يستهويه الا هذا المقهى البسيط، لكن بالنسبة لعاشق مراكش خوان كويتوسولو فهذا المقهى هو احسن مقهى في العالم، وقد سنحت لي الفرصة أن احتسيت كاس شاي منعنع بهذا المقهى وعندها انتبهت إلى عبارة ” مقهى ماطيش احسن مقهى في العالم” مكتوبة  بخط اليد على جانب من جدار هذا المقهى، فيما بعد قيل لي بأن  ذلك الخط هو لخوان غويتوسولو .. لم أتأكد من مصدر مقرب أنه هو بالفعل من كتب ذلك، لكن عشقه لساحة جامع الفناء  يعرفه العالم من أقصاه إلى أقصاه، وقد تحدثت الكثير من الكتابات والمصادر أن غويتوسولو أصيب بصدمة كبيرة حين عاد من سفر ليجد مقهاه المفضل قد تحول إلى مخدع هاتفي..  حينها ظهرت موضة انشاء المخادع الهاتفي لما تدره من ربح على أصحابها، بل هناك بعض من أصدقائه ممن قالوا بأن الأمر كان بالنسبة له كمن فقد عزيزا عليه. وقالوا إنه اعتبر ساحة جامع الفناء فقدت اهم المعالم الحيوية  لشخصيتها..
لا أريد هنا أن أتحدث عن سيرة خوان غويتوسولو فالجميع يعلمها، لكن علاقته بهذا المقهى وبالساحة والمدينة الحمراء امر تؤكده هذه الصورة التي اقتنصها  صديقنا الفنان احمد بن اسماعيل..
حب وعشق خوان غويتوسولو لمراكش جعله يخوض معارك كبيرة من أجل اعتراف اليونيسكو بساحة جامع الفناء كثراث إنساني لا مادي وهو ما تحقق بالفعل سنة 2002، وكان يعتبر نفسه أنه بن ساحة جامع الفناء ولبس اقمصة الى جانب عدد من الأطفال والشباب كتب عليها ” أنا ولد جامع الفناء”
حب خوان غويتوسولو لمراكش عبر عنه أمام العاهل الإسباني حين تسلم “جائزة سيرفانتيس” وهو من اكبر جوائز الثقافة الاسبانية في حفل بهيج أقيم بالمناسبة، وقال بأنه يهدي هذه الجائزة لأهل مراكش مبررا ذلك لكون المراكشيين “احتضنوني بحنان في مرحلة حرجة من حياتي، في شيخوختي”.
غويتوسولو هذا الكاتب العالمي الإسباني منبتا المراكشي قلبا علمنا كيف نتشبت بمعالم  جميلة في مدينتنا مراكش وكيف يمكن أن نزيل عليها غبار الإهمال لنعيدها ألماسة دائمة اللمعان، وأهم وسائل إزالة هذا الغبار  هو الحب.


الكاتب : إعداد: محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 01/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *