يوميات بلد موبوء : 6 – أغنية كدقات المنبه

كان يا ما كان في قديم العصر والأوان، منذ عقود خلت، كنا مستبشرين بانتهاء عام عصيب وبداية آخر، عام يقفل عشرين سنة بعد الألفين ، عشرين سنة رأينا فيها أهوالا جسام وأحداثا أثقلت كاهل التاريخ بزخمها ووحشيتها،  كان يحذونا أمل دفين في أن هذا العام سيكون عام الخير، عام التغيير ، بدأنا نخطط ونرسم لمستقبل أجمل.

في صباح يوم استيقظتفي صباح يوم استيقظتمرحبا، أيتها الجميلة مرحبا، جميلة مرحبا، مرحبا!في صباح يوم استيقظتووجدت الغزاة.أيها الفدائي خذني معك أيتها الحميلة مرحبا، أيا جميلة مرحبا، يا جميلة مرحبا،ابها الفدائي خذني معكفأنا أشعر بالموتوإذا مت كفدائي أيتها الجميلة مرحبا، أيا جميلة مرحبا، مرحبا يا جميلة،وإذا مت كفدائي فعليك أن تدفننيتدفنني هناك عاليا في الجبال،أيتها الحميلة مرحبا، أيا جميلة مرحبا، يا جميلة مرحبا،تدفنني هناك عاليا في الجبال،في ظل زهرة جميلة.والناس الذين سيمرونأيتها الحميلة مرحبا، أيا جميلة مرحبا، يا جميلة مرحبا،والناس الذين سيمرونسيقولون لي “يا لها من زهرة جميلة “هذه زهرة الفدائيأيتها الحميلة مرحبا، أيا جميلة مرحبا، يا جميلة مرحبا،هذه زهرة الفدائيمات من أجل الحرية«Una mattina mi son svegliato,o bella, ciao! bella, ciao! bella, ciao, ciao, ciao!Una mattina mi son svegliatoe ho trovato l’invasorO partigiano, portami via,o bella, ciao! bella, ciao! bella, ciao, ciao, ciao!O partigiano, portami via,ché mi sento di morir.E se io muoio da partigiano,o bella, ciao! bella, ciao! bella, ciao, ciao, ciao!E se io muoio da partigiano,tu mi devi seppellir.E seppellire lassù in montagna,o bella, ciao! bella, ciao! bella, ciao, ciao, ciao!E seppellire lassù in montagnasotto l’ombra di un bel fior.E le genti che passerannoo bella, ciao! bella, ciao! bella, ciao, ciao, ciao!E le genti che passerannoTi diranno «Che bel fior!»«È questo il fiore del partigiano»,o bella, ciao! bella, ciao! bella, ciao, ciao, ciao!«È questo il fiore del partigianomorto per la libertà!»أفقت ذات صباح على نغمات هذه الأغنية الجميلة، والتي بعثت في نفسي نشاطا وحيوية لم أشعر بهما منذ فترة. إيقاعها الجميل يجتاحك تماما، فتبدأ بالنقر على أي شيء تجده أمامك، تتمايل ذات الشمال وذات اليمين في حركات خفيفة متسارعة.تلاحقت يومها وألحت، كدقات المنبه، ماذا حدث يا ترى؟ أشعلت التلفزيون الذي كنت قد قاطعته منذ فترة درءا لنفسي من أخبار الشؤم. إنه الخامس والعشرون من شهر أبريل، عيد التحرير. يا إلهي كم مر من الوقت!  ِتشابهت أيامنا ولم نعد نفرق بين أيام عمل أو أيام عطل، بين سبت وأحد واثنين وثلاثاء وحتى الساعات لم تعد ترقص على إيقاعاتها حياتنا.دوت كلمات الأغنية من كل حدب وصوب، من الشرفات ومن الحدائق، من برامج التلفزيون ومن الطرقات والشوارع. بقوة وإلحاح، وكأنها نشيد وطني يلهب الحماس ويوقظ الهمم. تُراقص الرايات التي دثرت شرفات المنازل والمعالم الأثرية، بل أضاءت واجهات السفارات والبعثات الدبلوماسية التي أبت إلا أن تتدثر بالأخضر والأبيض ولأحمر تضامنا مع البلد المضيف.إنها أغنية بيلا تشاو، التي حشدت صفوف المقاومة الفدائية ضد القمصان السود في ثورتهم على تلك الفترة المعتمة من تاريخ إيطاليا بل من تاريخ العالم وأصبحت نشيدا للمقاومة بامتياز. تبنتها أحزاب اليسار بجميع أطيافه، وطفقت تبُثها في مهرجاناتها وحملاتها الانتخابية لتتحول بذلك من رمز للمقاومة الفدائية ضد الفاشية إلى نشيد للحرية والديمقراطية ضد التفاوت الطبقي والظلم. لكنها بدأت في التواري شيئا فشيئا أمام فشل الأحزاب اليسارية في ترجمة حاجيات القاعدة العريضة من أبناء الشعب وأمام زحف المد اليميني المتطرف، فبتنا لا نسمعها إلا لماما حتى لزمت مظاهرات عيد الشغل لا تبرحها. وفي يوم من الأيام صدحت بها أفواه شباب متمرد ثائر على ما آلت له البلاد والعباد فاجتاح ساحات المدن الكبرى في مظاهرات عارمة احتشد فيها عشرات الآلاف من الشباب، سئموا من ثقافة الكراهية التي كانت أحزاب أقصى اليمين تسمم بها ذوات الإيطاليين ومعيشهم اليومي.حركة عفوية لا تصبو إلى تشكيل حزب بديل للكيانات القائمة، ترفع شعارات متواضعة وبسيطة ملخصها: تغيير لهجة خطاب الكراهية السائد والدعوة الى مج العنصرية الفاشية. نظمت مظاهرات في بولونيا ونابولي وفلورنس وروما، وأطلقت على نفسها اسم “حركة السردين” تتكتل في مجموعات كبيرة وتتنقل بقوة لدرء عدوان الأسماك الكبيرة، والأسماك الكبيرة، بل الحيتان وقتذاك، كانت قوى التحالف اليميني بزعامة رابطة الشمال.خرجت الأغنية في الأثناء من نطاق المحلية لتصبح عالمية أو تكاد. استُخدمت في مظاهرات الميادين في إسطنبول ضد أردوغان وفي الحرب الأهلية الحالية في سوريا وفي برشلونة من طرف دعاة الاستقلال الذاتي لإقليم كاتالونيا، ناهيك عن المظاهرات ضد الاحتباس الحراري.لكن الطامة العظمة أن يهتف بكلماتها مفوضون اشتراكيون في أرجاء البرلمان الأوروبي! قامت الدنيا ولم تقعد في أوكار اليمين المتطرف، فكيف لها أن إن تسكت على استفزاز ثلاثي الأبعاد مثل هذا! أغنية رمز للمقاومة ضد الفاشية ونشيد للـ”الشيوعية” وتغنى في أرجاء برلمان الاتحاد الأوروبي؟  العدو بامتياز؟ إنه شيء لا يطيقه العقل!

 

 


الكاتب : سعيدة صدقي

  

بتاريخ : 01/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *